عام على 7 أكتوبر... السلام البعيد

إسرائيل ليست الجهة الوحيدة المصممة على استمرار الأعمال العدائية

رويترز
رويترز
مقاتلون من "حماس" يقتحمون حدود قطاع غزة في السابع من اكتوبر 2023

عام على 7 أكتوبر... السلام البعيد

بعد مرور عام على الهجوم المميت الذي شنته "حماس" ضد إسرائيل والذي أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة آخرين، لا تزال احتمالات تراجع العنف الذي أشعلته هذه الهجمات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعيدة.

وعلى الرغم من أن الهجوم باغت القوات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ولا يزال الكثير من الإسرائيليين يتساءلون عن كيفية السماح بحدوث هذه الفظاعة، فإن إسرائيل عوضت عن تقصيرها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من خلال شن هجوم عنيف ضد خصومها المختلفين.

وخلال معظم العام الماضي، ركزت إسرائيل في مهمتها الانتقامية ضد منفذي الهجمات على شن هجوم عسكري مدمر في غزة. وعلى الرغم من إصرار الإسرائيليين على أن هدفهم الرئيس هو تدمير البنية التحتية العسكرية الواسعة تحت الأرض، التي مكنت "حماس" من تنفيذ الهجمات في المقام الأول، فإن شراسة الهجوم الإسرائيلي أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من القطاع. وتقول المنظمات الإنسانية إن أكثر من 40 ألف مدني فلسطيني- بمن فيهم النساء والأطفال- قُتلوا.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن إسرائيل ادعت أنها دمرت أكثر من 20 من أصل 24 لواء قتاليا كانت "حماس" تمتلكها عند اندلاع القتال بعد السابع من أكتوبر، فإن الجماعة المدعومة من إيران لا تظهر أي علامات على التخلي عن كفاحها ضد الإسرائيليين.

رويترز
أبنية مدمرة جراء القصف الإسرائيلي في مخيم جباليا في قطاع غزة في 31 أكتوبر 2023

وبدلا من الاعتراف بأي مسؤولية عن إثارة الصراع في غزة، أصر خليل الحية، نائب زعيم "حماس"، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على أن هجمات السابع من أكتوبر العام الماضي كانت ضرورية لإعادة قضية الدولة الفلسطينية إلى الأجندة العالمية.

وإلى جانب استمرار الهجوم العسكري ضد "حماس"، شهد العام الماضي قيام الجيش الإسرائيلي بشن عمليات عسكرية في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. حيث نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، واستهدف مواقع "حزب الله" في جنوب لبنان وسوريا، كما شن هجوما بعيد المدى ضد إيران في أبريل/نيسان الماضي، ردا على أول هجوم مباشر شنته إيران ضد الدولة الإسرائيلية.

إسرائيل عوضت عن تقصيرها قبل السابع من أكتوبر بشن هجوم عنيف ضد خصومها المختلفين

والآن، مع حلول الذكرى السنوية الأولى لهجمات السابع من أكتوبر، تشير جميع الدلائل إلى أن إسرائيل، بدلا من البحث عن سبل لإنهاء العنف، لا تزال مصممة على تصعيد عملياتها العسكرية، فيما يبقى احتمال شن هجوم كبير ضد إيران واردا بقوة. 
هذا ما بدا أنه الرسالة التي حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيصالها في خطاب ألقاه أمام الجنود الإسرائيليين على الحدود الشمالية مع لبنان في نهاية الأسبوع.
واعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بالإخفاقات الأمنية التي أدت إلى هجمات السابع من أكتوبر ، قائلا: "قبل عام مضى، تلقينا ضربة مروعة. وفي الأشهر الاثني عشر الماضية، قمنا بتغيير الواقع على جميع الأصعدة. العالم كله مذهول من الضربات التي توجهونها لأعدائنا. أحييكم وأقول لكم: أنتم جيل النصر".
كما ناشد الزعيم الإسرائيلي حلفاءه الغربيين لإظهار دعمهم للدولة اليهودية أو مواجهة خطر تعزيز ما يسمى محور الشر الإيراني. وفي رده على قادة غربيين طالبوا بوقف إطلاق النار في غزة ولبنان وهددوا بفرض حظر على الأسلحة إذا لم يتحقق ذلك، قال نتنياهو: "تتوقع إسرائيل من أصدقائها الوقوف إلى جانبها وعدم فرض قيود لن تؤدي إلا إلى تعزيز محور الشر الإيراني".
وجاءت تصريحاته في وقت كانت فيه الطائرات والمدفعية الإسرائيلية تواصل قصف مواقع "حزب الله" و"حماس" في لبنان وغزة، على الرغم من الدعوات الدولية إلى ضبط النفس. 

 أ ب
آلية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة في 31 أكتوبر 2023

وعلى الرغم من دعوات الزعيم الإسرائيلي للحصول على الدعم، يواصل الكثير من القادة الغربيين التعبير عن تحفظاتهم بشأن إصرار إسرائيل على الاستمرار في العمليات العسكرية بالوتيرة الحالية نفسها. وتتركز المخاوف بشكل خاص حول احتمال أن تخطط قوات الدفاع الإسرائيلية لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة ضد إيران، ردا على الهجوم الإيراني الأخير الذي أطلقت فيه الجمهورية الإسلامية حوالي 180 صاروخا باليستيا على أهداف إسرائيلية. 
وهناك مخاوف من أن تؤدي ضربة عسكرية كبيرة من قبل إسرائيل ضد إيران إلى اندلاع حرب شاملة في المنطقة.
ودفعت مخاوف التصعيد الكبير في الأزمة إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا قررت حجب الأسلحة عن إسرائيل، مشيرا إلى التصعيد المستمر في لبنان. ورد نتنياهو بغضب على هذه الخطوة التي اتخذها ماكرون، قائلا: "إن تصرفات إسرائيل ضد (حزب الله) تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان لصالح الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأسرها".
كما تتعرض إسرائيل لضغوط من قوى غربية أخرى بسبب إصرارها على الاستمرار في العمليات ضد وكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففي واشنطن، حذر المسؤولون الأميركيون من أن "الضغط العسكري يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مرجوّة"، فيما جدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر – الذي فرضت حكومته بالفعل قيودا على مبيعات الأسلحة لإسرائيل– دعوته لوقف إطلاق النار.
لكن إسرائيل ليست الجهة الوحيدة المصممة على استمرار الأعمال العدائية. حيث حذر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في ظهور نادر له خلال خطبة الجمعة، قائلا: "إن المقاومة في المنطقة لن تتراجع مع حالات الاستشهاد هذه، وستنتصر".
وأثناء حديثه أمام عشرات الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا في مسجد الإمام الخميني الكبير، حيث حملوا صور قادة "حزب الله" و"حماس" الذين اغتالتهم إسرائيل، أعلن خامنئي: "إسرائيل لن تهزم (حماس) و(حزب الله) أبدا".
وأكد أن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في الشرق الأوسط لن تتراجع حتى بعد أن قتلت إسرائيل مؤخرا الكثير من القادة البارزين. كما أشاد الزعيم الإيراني بالهجوم "المنطقي والقانوني" الذي قادته "حماس" في السابع من أكتوبر من العام الماضي والذي تسبب في المجزرة في جنوب إسرائيل، وأشعل فتيل الحرب في غزة وأثار العنف في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي ظل عدم إبداء إسرائيل أو إيران أي استعداد للسعي إلى حل سلمي لموجة الصراع الحالية التي تجتاح الشرق الأوسط، تشير جميع الدلائل إلى أن الصراعات العديدة التي تشهدها المنطقة ستستمر، مما يزيد من الاحتمال الحقيقي لتحول العنف إلى حرب شاملة.

font change

مقالات ذات صلة