رغم أنه بدأ خطابه بنعي السيد حسن نصرالله، فإن خروج المرشد الأعلى السيد الخامنئي في خطبة صلاة الجمعة بطهران وإلى جانبه بندقية، يعد بمثابة إعلان صريح بالتخلي عن سياسية "الصبر الاستراتيجي" التي تمسكت بها إيران منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل عام.
ويبدو أن اغتيال نصرالله أجبر الإيرانيين على الدخول في حرب مفتوحه مع إسرائيل، بعد أن كان رأس الرمح فيها هو "حزب الله" الذي يقود المواجهة في جنوب لبنان بدعم إيراني. لكنها اليوم حرب ليس فيها قواعد اشتباك محددة، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، ما دام الاستعراض بالقوة حاضرا وموازين الردع غائبة.
اغتيال نصرالله، غيّر قواعد اللعبة. ولم تعد إيران قادرة على أن تكون خارج دائرة الاشتباك في الحرب ضد إسرائيل، رغم أنها تدرك جيدا أن دخولها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، هو الغاية التي تسعى إليها حكومة الحرب في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو. لكنها لم تعد تملك خيار التخلي أو الاكتفاء بدور المتفرج.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، كانت التصريحات القادمة من طهران تشير إلى أن إيران لا ترغب في تصعيد التوتر أو تحوّله إلى حرب إقليمية. وحتى بعد أن هاجمت طهران بالصواريخ إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، فإن إيران أكدت في بيانها أنها "استخدمت حقها المستمد من القانون الدولي"، مشددة على أنها "لا تسعى للدخول في حرب مع إسرائيل".
وأيضا مع بداية عمليات القصف الإسرائيلي ضد "حزب الله" في لبنان، كان خطاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، يؤكد أن إيران تسعى إلى "منع انتشار الحرب في المنطقة". وفي مؤتمر صحافي عقده عراقجي في نيويورك، أجاب فيه عن سؤال أحد الصحافيين حول "ما إذا كان (حزب الله) قد طلب من إيران التدخل عسكريا لدعمه؟"، أجاب أن "حزب الله" يتخذ قراراته بنفسه، "وهو قادر على حماية نفسه وحماية لبنان وشعبه".
لكن بعد اغتيال نصرالله، لم تغير طهران الخطاب فقط، وإنما الأفعال أيضا، حيث بدأ الانخراط الفعلي في الحرب، بعد الهجوم بعشرات الصواريخ التي انطلقت من إيران تجاه إسرائيل، رغم أن إيران تدرك جيدا أن قرار الدخول في الحرب مباشرة، قد تكون له تكلفه عالية، أو ربما يدفع باتجاه الدخول في حرب استنزاف حتى وإن ظلت في حدود الضربات المتبادلة.