غزة الغارقة منذ سنة بين "الطوفان" و"السيوف"
نقلت إسرائيل تركيزها إلى "الشمال" لـ"تغيير الوقائع والخرائط"
غزة الغارقة منذ سنة بين "الطوفان" و"السيوف"
مر عام كامل على الحرب في قطاع غزة منذ أطلقت "حماس" عملية "طوفان الأقصى" فردت إسرائيل بحرب مفتوحة على القطاع سمتها "السيوف الحديدية". بين هذين الاسمين اشتعلت المنطقة بأسرها فبدا أكثر من أي وقت مضى أنها مرهونة للحرب والعنف والقتل والدمار دون بصيص أمل ودون أفق للسلام. عام بأكمله أُهدرت فيه فرص كثيرة للهدن ولوقف إطلاق النار، عام بأكمله سقط فيه أكثر من 41 ألف فلسطيني، قتلوا على مرأى من العالم الذي تابع أهوال الحرب على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من كل ما قيل عن التعاطف مع الفلسطينيين وعن إدانة المجزرة الإسرائيلية المفتوحة، حتى في محكمة العدل الدولية، فإن كل ذلك لم يثن إسرائيل عن الاستمرار في حربها ولم يبدّل في الواقع شيئا. إنها حرب من دون مساءلة وحرب من دون ضوابط، خصوصا في ما يتعلق بحياة الفلسطينيين، بينما كانت "جبهات الإسناد" التي فتحها أعضاء "محور المقاومة" محكومة بالضوابط والسقوف والحسابات.
أهداف إسرائيل
ها هي الحرب مستمرة بعد سنة، مستمرة لأنها بدأت لكي لا تتوقف إلا عندما يحقّق الطرف الأقوى فيها، أي إسرائيل، أهدافه. تلك الأهداف التي ليس من الحتمي تحققها، لكن العالم بأسره أعطى إسرائيل أحقية تحقيق أهدافها أو إعلان عدم تحققها، وبالتالي فإن تحققها من عدمه لا يعني شيئا بالنسبة لتوقف الحرب، ما دام القرار في يد طرف واحد وفي يد رجل واحد هو بنيامين نتنياهو.
إيران التي تتهيب التصعيد لانصرافها إلى أولويات داخلية على رأسها تعافي اقتصادها، تجد نفسها الآن أمام واقع مختلف بعد اغتيال نصرالله وإنهاك "حزب الله"
هكذا إذن وبعد عام على الحرب لا يمكن تحديد تاريخ لانتهائها. ولذلك يجب التعامل معها على أنها حرب مفتوحة، وهو ما دلت عليه مجريات الجولة الأخيرة من مفاوضات الهدنة والتي بدأت منذ 15 أغسطس/آب الماضي. فعلى الرغم من أن أميركا، الداعم الرئيس لإسرائيل، هي الراعية الأساسية لهذه المفاوضات فقد تعثرت منذ انطلاقتها، وعلى جولات متتالية، بحيث بدا واضحا أن أحدا لا يستطيع الضغط على تل أبيب لفرض ما لا تريده. لكن الأهم أن كل مجريات المفاوضات أكدت أن مسارها بذاته كان أهمّ من نتائجها بالنسبة لأطراف عدة وفي مقدمتهم واشنطن. فالسؤال عما إذا كانت واشنطن تريد حتما صفقة بين إسرائيل و"حماس" كان دائما سؤالا محيّرا وتصعب الإجابة عليه.
لكن النظر في الوقائع كان يفيد بأن الإدارة الأميركية نجحت لوقت طويل، ومن خلال إطلاقها المفاوضات على أساس مقترح الرئيس بايدن، في لجم واحتواء التصعيد الإقليمي بعد اغتيال إسرائيل للقيادي البارز في "حزب الله" فؤاد شكر في 30 يوليو/تموز في بيروت، ثم وبعد نحو 7 ساعات اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في قلب طهران. لكن بدا مع الوقت أن هذا ليس واقعا ثابتا، فبعد الرد الإيراني على إسرائيل انتقاما لاغتيالها زعيم "حزب الله" حسن نصرالله في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، بدا أن التحكم بمنع توسّع الحرب أصبح أكثر صعوبة.
هدف واشنطن
بالتالي فإن واشنطن التي كانت قد حققت هدفا أساسيا من مسار المفاوضات- وخصوصا أنها زامنت بين حركتها الدبلوماسية الكثيفة وتعزيز حضورها العسكري إلى حد غير مسبوق في المنطقة، من حاملات الطائرات إلى أعداد الجنود الذي ناهز 35 ألفا- تجد نفسها الآن أمام واقع مختلف. مع الأخذ في الاعتبار أن إيران التي تتهيب التصعيد لانصرافها إلى أولويات داخلية على رأسها تعافي اقتصادها، تجد نفسها الآن أيضا أمام واقع مختلف بعد اغتيال نصرالله وإنهاك "حزب الله" إلى حد جعل طهران مضطرة للرد على اغتياله بنفسها.
حرب غزة أصبحت ثانوية وشبه منسية أمام استعراض النار الذي تقوم به إسرائيل في لبنان، والذي يؤشر إلى أنّ تل أبيب وبدعم أميركي، تسعى لتغيير الوقائع في المنطقة وربما الخرائط أيضا
ومن جانب آخر، فإن الإدارة الأميركية التي فشلت في دفع أطراف الصراع في غزة للتوصل إلى تسوية، وهو أمر كانت إلى زمن قريب تستطيع احتواء نتائجه، تجد نفسها الآن أمام أزمة أخرى متمثلة بالتصعيد لا بل بالحرب في لبنان، وهو ما وسّع الصراع إلى حدود الحرب الشاملة إن لم يكن في الإقليم (حتى الآن) ففي لبنان، الذي لا يمكن فصل مسارات الحرب فيه عن المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية في المنطقة. وبالتالي فإن الإدارة الأميركية التي كانت تخشى وقوع مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب من شأنها أن تجرها أكثر للانخراط في الحرب، تشهد الآن على إمكان تحقق هذا السيناريو، أو بالحد الأدنى فقد بدأت تلمس آثار توسّع الحرب مع ارتفاع أسعار النفط، وهو ما سيترك تأثيرات في الداخل الأميركي لناحية الضغط الذي يولده هذا الارتفاع على الإدارة الديمقراطية التي تخوض معركة شرسة ضدّ المرشح الجمهوري دونالد ترمب.
فالحرب الآن تجاوزت العقبات أمام الصفقة بين "حماس" وإسرائيل، وكان أبرزها تمسك اليمين الإسرائيلي بالبقاء في محور فيلادلفي، إذ أصبح وقف الحرب ومنع اتساعها يحتاج إلى صفقة أكبر تشمل لبنان أيضا، وهو ما يجعل إيران حاضرة أكثر في أي تسوية محتملة. لكن الاندفاعة الإسرائيلية للحرب تؤكد حتى الآن أن زمن التسوية بعيد وأن تل أبيب تريد تحقيق أهدافها بالقوة، خصوصا أنها تجد فرصة سانحة لتقويض قدرات خصومها وهو ما فعلته ضدّ "حزب الله" في لبنان بعد "حماس" في غزة.
مخططات الضفة
بالتزامن مع المخططات الإسرائيلية القديمة الجديدة للسيطرة على شمال قطاع غزة، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته في الضفة الغربية والمترافقة مع تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. وهي عمليات كانت قد دخلت مرحلة جديدة منذ أواخر أغسطس الماضي، بعدما أطلقت إسرائيل حملة "المخيمات الصيفية" التي تركزت في مخيمات شمالي الضفة، وهي حملة عدت الأشد والأقسى منذ قرابة ربع قرن أي منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، كل ذلك وسط مخاوف من تهجير فلسطينيي الضفة نحو الأردن المجاور.
لكن الأنظار متجهة الآن إلى بيروت التي اقترب القصف الإسرائيلي من وسطها التجاري حيث مقرّ رئاسة الحكومة. فحرب غزة أصبحت ثانوية وشبه منسية أمام استعراض القوة الذي تقوم به إسرائيل في لبنان، والذي يؤشر إلى أنّ تل أبيب وبدعم أميركي، سواء بحكم الأمر الواقع أو لا، تسعى لتغيير الوقائع في المنطقة وربما الخرائط أيضا.
أهم التحولات
في الآتي أبرز الأحداث والتحولات في الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023:
كان فجر السابع من أكتوبر 2023 فجرا استثنائيا في تاريخ المنطقة، كتب الكثير عن ذلك وسيكتب أكثر، عن أسبابه ونتائجه، وعن حسابات "حماس"، وعن سرّ ذلك اليوم الذي فتح المنطقة على ما لم تكن تتوقعه.
لقد شكل هجوم "حماس" المزدوج، بريا وجويا، على منطقة "غلاف غزة" تحولا مفصليا في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وفي تاريخ المنطقة، إنه بحق طوفان تجاوز بالتأكيد ما أرادته "حماس" من هجومها الذي أطلقت عليه اسم "طوفان الأقصى".
في 12 أكتوبر وصلت حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، في وقت بدأ فيه الجيش الإسرائيلي يهدد بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الحرب، أي الهجوم البري على قطاع غزة
وسرعان ما تبين أن إسرائيل هي فعلا "وضع دولي" مع "انخراط" أميركا في المعركة، من خلال اتصال الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داعما إياه في الهجوم المضاد الذي أطلقته إسرائيل. وذلك قبل أن تعلن الأخيرة في 8 أكتوبر أنها في حالة حرب واستدعت 300 ألف جندي احتياط لـ"القضاء على قدرات (حماس) وإنهاء حكمها في غزة"، في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي أن "حزب الله" استهدف مواقع له في مزارع شبعا، وهو ما بدأ ينذر باحتمالات توسع الحرب خارج قطاع غزة.
كما أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنه أمر بتحريك حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، "لتعزيز جهود الردع الإقليمي".
وبالتوازي حذرت واشنطن طهران من التورط في الصراع، في وقت نفى المرشد الإيراني علي خامنئي ضلوع إيران في هجوم "حماس" على إسرائيل، وقال إنه عمل فلسطيني بحت، وهو ما رسم ملامح مبكرة للاستراتيجية الإيرانية للتعامل مع الحرب، بحيث لا تشهد تورطا إيرانيا مباشرا بل عبر "الوكلاء".
ردع أميركي
في 12 أكتوبر وصلت حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، في وقت بدأ الجيش الإسرائيلي يهدد بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الحرب، أي الهجوم البري على قطاع غزة، في وقت أفادت فيه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تأجيل الهجوم البري على غزة إلى حين إنشاء ممر إنساني.
ولاحقا أعلنت إسرائيل عن وجود 126 من الرهائن الإسرائيليين بيد "حماس" فضلا عن الرهائن الأجانب، وقالت إن عدد القتلى في صفوف جنودها بلغ 279.
وبعد إفشال فيتو أميركي بريطاني فرنسي، مشروع قرار روسي في مجلس الأمن لإقرار هدنة إنسانية، بدا أن التطورات في قطاع غزة متجهة إلى مزيد من التصعيد، في وقت كان عدد القتلى الفلسطينيين قد وصل منذ بدء الحرب إلى 2800 شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال.
وعشية وصول الرئيس الأميركي إلى إسرائيل وقع مئات القتلى الفلسطينيين في هجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، وفي حين اتهمت الفصائل الفلسطينية إسرائيل بالوقوف وراء هذا القصف، أعلنت الأخيرة أن صاروخا أطلقته "حركة الجهاد الإسلامي" سقط في المستشفى المذكور.
وفي التطورات السياسية أسقط فيتو أميركي مشروع قرار تقدمت به البرازيل في مجلس الأمن يدين الحرب بين إسرائيل و"حماس"، وفي حين صوتت 12 دولة لصالح القرار فقد امتنعت روسيا عن التصويت.
في 11 نوفمبر انعقدت القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية، وأدانت في بيانها الختامي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعت إلى كسر الحصار على غزة
إلى ذلك، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن سفينة حربية أميركية كانت تبحر قريبا من اليمن اعترضت ثلاثة صواريخ ومسيرات يرجح أنها كانت تستهدف إسرائيل. وفي السياق نفسه، أكد مصدران أمنيان أن مسيرات وصواريخ استهدفت مساء قاعدة "عين الأسد" الجوية التي تستضيف قوات أميركية ودولية في العراق، في مؤشر واضح إلى دخول الميليشيات الموالية لإيران سواء في اليمن أو العراق على خط المعركة.
أسبوعان على الحرب
وبعد مرور أسبوعين على اندلاع الحرب أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 4 آلاف، بينما بلغ إجمالي عدد الجرحى أكثر من 13 ألفا، نحو نصفهم من النساء والأطفال. كما خرجت 7 مستشفيات في قطاع غزة عن الخدمة. وأطلقت "حماس" سراح رهينتين أميركيتين، هما: جوديث تاي رعنان (59 عاما) وابنتها ناتالي (17 عاما)، في مؤشر إلى إمكان البحث في تسوية موسعة لاحقا.
وفي 21 أكتوبر انعقدت قمة "القاهرة للسلام" لبحث سبل إنهاء الحرب ومنع تحولها إلى حرب إقليمية، لكن مستوى الحضور لم يكن بالقدر المتوقع، غير أن القمة شكلت فرصة لمصر للتأكيد على رفضها تهجير فلسطينيي القطاع.
بالموازاة منح الضوء الأخضر لدخول 20 شاحنة مساعدات عبر معبر رفح مع مصر إلى قطاع غزة بعد أيام من الجدال الدبلوماسي بسبب الشروط الإسرائيلية. كذلك أعلن "البنتاغون" أنه سيرسل حاملة الطائرات "يو إس إس آيزنهاور" إلى المنطقة، ونشر بطاريات "ثاد"، و"باتريوت" في الشرق الأوسط.
وفي 25 أكتوبر فشل مجلس الأمن في تبني مشروع قانون روسي لوقف إطلاق النار بسبب فيتو أميركي وبريطاني، كما سقط مشروع أميركي يدعو لهدنات قصيرة لإدخال مساعدات بفيتو روسي وصيني. كذلك أعلن بايدن أنه "لا عودة للوضع الذي كان قائما في 6 أكتوبر بين إسرائيل والفلسطينيين".
وفي 26 أكتوبر نفذت القوات الإسرائيلية أكبر هجوم على غزة منذ بدء الحرب، مع استخدام الدبابات وقوات المشاة، ولاحقا قال المتحدث باسم رئيس الأركان الإسرائيلي إن القوات البرية الإسرائيلية توسع عملياتها داخل غزة، في إشارة إلى بدء هجوم بري.
وبعد يوم واحد حددت تل أبيب مستشفى "الشفاء" هدفا لها بعد اتهام قيادة "القسام" بالتحصن تحته، وهو ما كذبته "حماس". كما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على مشروع عربي مشترك ﻟ"هدنة إنسانية فورية"، في قطاع غزة. وزار وفد من "حماس" موسكو بالتزامن مع وجود نائب وزير الخارجية الإيراني فيها.
وفي 28 أكتوبر أعلن نتنياهو بداية المرحلة الثانية من الحرب وأن إسرائيل "ستدمر العدو فوق الأرض وتحتها". ونُظمت مظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب في عواصم عربية وغربية كان أكبرها في لندن.
وأعلن رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار أن الحركة مستعدة لإبرام صفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل. وفي حين أعلنت إسرائيل عن البدء في عزل مدينة غزة وشمالها عن بقية القطاع، ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 9 آلاف.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني ألقى الأمين العام لـ"حزب الله"، كلمة هي الأولى له منذ بدء الحرب، لم يعلن فيها تصعيد المواجهة مع إسرائيل.
القمة العربية- الإسلامية
في 11 نوفمبر انعقدت القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في عاصمتها الرياض، وأدانت في بيانها الختامي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعت إلى كسر الحصار على غزة والسماح بدخول قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، ووقف صادرات الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، ورفضت أي طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وبعد يومين توغلت الدبابات الإسرائيلية في مدينة غزة صوب مستشفى الشفاء الذي يعالج فيه نحو 650 مريضا، وهو ما أثار ردود فعل شعبية وسياسية واسعة حول العالم.
وفي 18 نوفمبر قال الرئيس الأميركي في مقال نشره في "واشنطن بوست" إنه يعمل من أجل شرق أوسط لا مكان فيه لحركة "حماس"، وطالب بتوحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية، وهو ما رفضه اليمين الإسرائيلي حليف نتنياهو.
بدت الولايات المتحدة أكثر إلحاحا في طرح مقاربتها لـ"اليوم التالي" ولا سيما بعد طرح نائبة بايدن كامالا هاريس أهداف إدارتها الرئيسة بعد انتهاء حرب إسرائيل على غزة
وفي 21 نوفمبر، أعلنت إسرائيل و"حماس" التوصل إلى اتفاق لوقف القتال لمدة أربعة أيام بمساعٍ قطرية ومصرية وأميركية، وقضت الصفقة بإطلاق "حماس" سراح 50 رهينة من أصل نحو 240 مقابل إطلاق سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى غزة، على أن يجري تمديد الهدنة ليوم إضافي مقابل كل عشر رهائن آخرين يُطلق سراحهم. وقد تم تمديد الهدنة لمرتين، الأولى ليومين والثانية ليوم واحد.
وفور انتهاء الهدنة مع اقتراب الحرب من دخول شهرها الثالت استأنفت إسرائيل هجومها على قطاع غزة. وبعدما ركز الجيش الإسرائيلي هجومه البري ضد "حماس" في مرحلة أولى في شمال غزة، وسع عملياته إلى جنوب القطاع، حيث يحتشد نحو مليوني مدني باتوا محاصرين في بقعة تضيق مساحتها تدريجيا. وارتفع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 17487 نحو 70 في المئة منهم من النساء والأطفال دون 18 عاما.
وفي مؤشر متقدم إلى تبدّل في المقاربة الأميركية للحرب، وبروز تناقضات بين واشنطن وتل أبيب حيالها، شدّد وزير الخارجية الأميركي على "وجوب أن تجعل إسرائيل من حماية المدنيين أولوية"، مشيرا إلى "وجود تفاوت بين النية المعلنة والنتائج". كما شدد الرئيس الأميركي في اتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي على "الحاجة الماسة" لحماية المدنيين مع احتدام القتال، داعيا إلى إنشاء ممرات إنسانية "لفصل السكان المدنيين عن حماس".
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول صوّت مجلس الأمن الدولي على قرار لـ"وقف إطلاق نار إنساني فوري" في قطاع غزة. بينما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية عن مقتل 264 فلسطينيا على الأقل بنيران الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة.
ووسط المخاوف المتزايدة من تحول النزاع إلى حرب إقليمية، وجه نتنياهو تحذيرا إلى "حزب الله"، مهددا بيروت وجنوب لبنان، بمصير غزة وخان يونس.
إلى ذلك، بدت الولايات المتحدة أكثر إلحاحا في طرح مقاربتها لـ"اليوم التالي" ولا سيما بعد طرح نائبة بايدن كامالا هاريس خلال مشاركتها في مؤتمر "كوب-28" في الإمارات العربية المتحدة، أهداف إدارتها الرئيسة بعد انتهاء حرب إسرائيل على غزة.
المرحلة الثالثة
ومع اقتراب الحرب من اجتياز عتبة الثمانين يوما، ازداد الحديث عن "انعطافة" في مسارها، وهو ما سمي "المرحلة الثالثة"، والتي ستشهد تقليصا للكثافة النارية بعدما دنا عدد الضحايا الفلسطينيين من العشرين ألفا، لكن ذلك لم يمر من دون تجاذب إسرائيلي أميركي حول المدة التي يجب أن يستغرقها الانتقال إلى "المرحلة الثالثة".
في الغضون، تصاعدت المخاوف من اتساع رقعة الحرب ولا سيما في البحر الأحمر، حيث كثّف الحوثيون من استهدافاتهم للسفن التجارية المارة هناك. وفي 3 يناير/كانون الثاني، أصدرت الولايات المتحدة واثنتا عشرة دولة أخرى إنذارا مكتوبا للحوثيين.
في 26 يناير تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي، في قضية رفعتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة
وفي وقت تصاعدت فيه حدة القصف المتبادل بين "حزب الله" وإسرائيل اغتالت الأخيرة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري في 2 يناير بقصف مكتب تابع للحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعد المعقل الأساسي لـ"حزب الله" في لبنان.
الشهر الرابع
ومع اقتراب الحرب من دخول شهرها الرابع، وصل كل من وزير الخارجية الأميركي ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في زيارتين منفصلتين إلى المنطقة، لـ"محاولة وقف امتداد الحرب إلى لبنان والضفة الغربية وممرات الشحن في البحر الأحمر". وكشفت مصادر إسرائيلية النقاب عن خطة عسكرية ترمي إلى شق قطاع غزة إلى قسمين، شمال وجنوب، والعمل على احتلاله لزمن مؤقت لكنه غير محدود. وهو ما رفضته "منظمة التحرير الفلسطينية" التي قالت إن "مستقبل قطاع غزة يحدده الشعب الفلسطيني، وليس إسرائيل".
وكانت إسرائيل قد أشارت إلى توجهها لتقليص قواتها في شمال غزة الذي تراجعت فيه حدة القتال، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استكمل تفكيك "الإطار العسكري" لـ"حماس" هناك، وأنه "يركز الآن على تفكيك (حماس) في وسط وجنوب قطاع غزة".
وفي 11 يناير شنت الطائرات الحربية والسفن والغواصات الأميركية والبريطانية عشرات الغارات في أنحاء اليمن ردا على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وفي أواخر يناير كثفت القوات الإسرائيلية تحركاتها لتطويق خان يونس، مما أدى مرة أخرى إلى نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين. وفي أعقاب هذه الحملة، ينتهي الحال بأكثر من نصف سكان غزة إلى اللجوء إلى رفح للاحتماء فيها.
وفي 23 يناير أعلنت إسرائيل مقتل 24 من جنودها في غزة في أكبر خسائرها خلال الحرب.
وفي 26 من الشهر نفسه تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي، في قضية رفعتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وتصدر المحكمة أمرا لإسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية، لكنها لم تصل إلى حد إصدار أمر بوقف القتال.
خمسة أشهر
في 7 فبراير/شباط وبعد أسابيع من جهود دبلوماسية قادتها الولايات المتحدة ووساطة من قطر ومصر، رفض نتنياهو عرضا مقابلا من "حماس" لوقف إطلاق النار. وخلال الأسابيع التالية، سعت واشنطن والوسطاء الآخرون من أجل وقف إطلاق النار قبل بداية شهر رمضان.
في الأول من أبريل قصفت إسرائيل مبنى تابعا للقنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص بينهم الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي
وإلى جانب تعثر المحادثات لوقف إطلاق النار، هدد مسؤولون إسرائيليون بمهاجمة مدينة رفح، بينما قال مسؤولون أميركيون وآخرون من الأمم المتحدة إن أي هجوم من هذا القبيل سيؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى بين المدنيين، في إشارة إلى الحذر الأميركي من إعلان الموافقة على الهجوم.
وفي 29 فبراير قتل أكثر من 100 من سكان غزة بينما كانوا يصطفون للحصول على المساعدات في وجود القوات الإسرائيلية التي فتحت النار في واحدة من أكثر الوقائع دموية خلال الحرب.
رمضان بلا هدنة
بدأ شهر رمضان في 10 مارس/آذار من دون وقف لإطلاق النار، بينما استمرت المحادثات في الأسابيع التالية في القاهرة والدوحة لكن هذه المحادثات باءت بالفشل مجددا.
وفي 12 مارس/آذار غادرت سفينة تحمل 200 طن من المساعدات الإنسانية من قبرص إلى غزة، في مشروع تجريبي لفتح ممر بحري لتوصيل الإمدادات إلى قطاع غزة.
أبريل والتصعيد الإقليمي
في الأول من أبريل/نيسان قصفت إسرائيل مبنى تابعا للقنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص بينهم الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي، وهو أرفع مسؤول إيراني تغتاله إسرائيل منذ بدء الحرب، مما أنذر بتوسع الصراع بعد تخطي تل أبيب للخطوط الحمراء في المواجهة مع إيران التي اعتبرت أن قصف قنصليتها هو استهداف للأراضي الإيرانية وتوعدت بالرد. وهو ما أدخل المنطقة في مرحلة انتظار للرد الإيراني على وقع تكثيف الولايات المتحدة لضغوطها الدبلوماسية لحث إيران على إبقاء ردها ضمن سقوف لا تؤدي إلى توسع الصراع إلى حرب إقليمية.
وفيما ناهز عدد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة 33 ألفا، اغتالت إسرائيل في 10 أبريل ثلاثة من أبناء إسماعيل هنية في قصف طال مخيم الشاطئ في غزة.
وفي ليل 13-14 أبريل أطلقت إيران في عملية سمتها "الوعد الصادق" نحو 330 صاروخا وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل التي استنفرت منظومة دفاعها الجوي وتعاونت مع الولايات المتحدة ودول إقليمية لإحباط الهجوم، وقد تمكنت بالفعل من إسقاط 99 في المئة من هذه الصواريخ والمسيرات، كما أعلن الجيش الإسرائيلي. وفي اليوم التالي للعملية أعلنت طهران أن ردها انتهى وأنها لا تريد مواصلة استهداف إسرائيل.
في 8 يونيو، سيطر الجيش الإسرائيلي على كامل محور فيلادلفي الفاصل بين قطاع غزة ومصر حتى آخر نقطة باتجاه المنطقة الغربية
وفي 19 أبريل قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل وجهت ضربة صاروخية لإيران في مدينة أصفهان ليلا، فيما بدا ردا انتقاميا على الهجوم الإيراني. وتضاربت الأنباء بشأن حجم الهجوم على منطقة أصفهان ومدى الضرر الذي أوقعه، بينما قلّل الإعلام الإيراني الرسمي من شأن الهجوم.
الهجوم على رفح
وبعد طول تجاذب بين الأميركيين والإسرائيليين بشأن الهجوم على مدينة رفح، بدأ الجيش الإسرائيلي في 6 مايو/أيار هجومه على المدينة الواقعة في جنوب قطاع غزة، وفي 7 مايو أعلن سيطرته على معبر رفح البري.
وفي 16 من الشهر نفسه، أعلن الجيش الأميركي تثبيت الميناء العائم قبالة سواحل جنوب مدينة غزة، وهو ما اعتبر جزءا من خطة أميركية لإيصال المساعدات إلى القطاع عبر البحر من قبرص بدلا من وصولها عبر معبر رفح الذي عطلته الحرب.
وفي 27 مايو، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة في رفح عرفت بـ"مجزرة البركسات".
وطرح الرئيس الأميركي في 31 مايو مقترحا لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل.
"فيلادلفي" إلى الواجهة
في 8 يونيو/حزيران، سيطر الجيش الإسرائيلي على كامل محور فيلادلفي الفاصل بين قطاع غزة ومصر حتى آخر نقطة باتجاه المنطقة الغربية. كما ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة في "مخيم النصيرات" وسط قطاع غزة وأعلن تحرير 4 أسرى إسرائيليين أحياء، وهو ما أطلق جدلا في إسرائيل بين من يؤيد إطلاق سراح الأسرى عبر العمليات العسكرية ومن يقول إنه لا إمكان لاستعادتهم إلا عبر صفقة تبادل مع "حماس".
وفي 12 يونيو، سلمت "حماس" الوسيطين، القطري والمصري، ردها على مقترح بايدن.
الأشهر الأخيرة
وفي 8 يوليو/تموز سيطر الجيش الإسرائيلي على المقر المركزي لـ"الأونروا" في مدينة غزة وأعلن عن اكتشاف مقر تحكم وسيطرة وأكبر شبكة اتصالات تابعة لفصائل "المقاومة" أسفل المقر. وفي 13 يوليو ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة بحق النازحين في منطقة المواصي بخان يونس، وقال إنه استهدف القائد العام لـ"كتائب القسام" محمد الضيف.
تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة مع ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 41 ألفا، كما توسع عملياتها في الضفة وتحاول منع "انتفاضة ثالثة" هناك كما تقول
وفي 31 يوليو اغتيل إسماعيل هنية في طهران ولم تتبن إسرائيل المسؤولية عن اغتياله، وكانت إسرائيل قد اغتالت قبلها بنحو 7 ساعات أبرز مسؤول عسكري في "حزب الله"، فؤاد شكر، في شقة بالضاحية الجنوبية لبيروت، وسرعان ما توعد "حزب الله" بالرد، وكذلك فعلت إيران انتقاما لاغتيال هنية على أراضيها.
وفي الأول من أغسطس/آب أكد الجيش الإسرائيلي اغتيال محمد الضيف في القصف الذي استهدف منطقة المواصي في 13 يونيو الماضي.
وفي 5 أغسطس سلم الجيش الإسرائيلي الصليب الأحمر في غزة 80 جثمانا لغزيين مجهولي الهوية عن طريق معبر كرم أبو سالم، وكان قد انتشل جثامينهم من مقابر مختلفة بقطاع غزة.
وفي السابع من الشهر نفسه أعلنت "حماس" تعيين يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا لإسماعيل هنية.
وفجر 10 أغسطس ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة باستهداف "مدرسة التابعين" التي تؤوي نازحين في مدينة غزة، وأعلنت وزارة الصحة في القطاع عن مقتل قرابة 100 نازح.
وفي 20 أغسطس أعلن الجيش الإسرائيلي انتشال 6 جثامين لأسرى إسرائيليين من شرق مدينة خان يونس خلال عملية عسكرية برية.
وعلى ضوء فشل مفاوضات التبادل ووقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل، بدأت منظمة الصحة العالمية في الأول من سبتمبر/أيلول حملة تطعيم ضد فيروس شلل الأطفال في قطاع غزة. وفي اليوم نفسه أعلن الجيش الإسرائيلي عن تحرير 6 جثامين لأسرى إسرائيليين من داخل نفق تحت الأرض في مدينة رفح، وقال إن "حماس" قتلت الأسرى قبل وقت قصير من الوصول إليهم. فيما قالت "كتائب القسام" إن الأسرى قُتلوا في غارات إسرائيلية، وهو ما أشعل جدلا واسعا في إسرائيل، وأطلق مظاهرات ضخمة للضغط على الحكومة لإبرام صفقة مع "حماس".
وفي المحصلة تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة مع ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 41 ألفا، كما توسع عملياتها في الضفة وتحاول منع "انتفاضة ثالثة" هناك كما تقول. وبالتوازي تواصل حربها الشرسة ضدّ "حزب الله"، فمتى ستنتهي هذه الحرب؟ هذا هو السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه...