يبدو أن الأحداث الناتجة عن استمرار القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب لن تتوقف في المستقبل القريب. وهي القطيعة التي أنهت في أغسطس/آب الماضي عامها الثالث، فاتحة المجال أمام إبقاء فتيل الصراع ملتهبا بين البلدين الجارين، بعد أن تدهور الوضع إلى أدنى مستوياته منذ بداية النزاع حول الصحراء الغربية عام 1975.
التعليقات الافتراضية الواسعة والمتبادلة بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي، من جزائريين ومغاربة، تركز أكثر فأكثر على رسم صورة كل بلد للبلد الآخر على هيئة كيان سوداوي مزعج ومهدد، بل يتم تقديمه كإشكالية وجودية حشرت قسرا بسبب الجغرافيا وقدر الحدود المشتركة.
ومن الواضح أن أغلب تلك التعليقات الاستفزازية المتبادلة هي من صناعة "كتائب إلكترونية"، أو مما يطلق عليه اصطلاح "الذباب الإلكتروني"، حيث لا يمكن بهذا الصدد تبرئة أي جانب، ففي كلتا الجهتين تنافس محموم على اقتراف الأذى والضرر والإساءة والتراشق بها، بلا حدود.
عودة إلزامية التأشيرة
عقب مزاعم عن تورط جزائريين في أحداث "الفنيدق" إثر الهجوم الأخير على مدينة سبتة المحتلة (15 سبتمبر/أيلول 2024) التي ترافقت مع تداول تصريحات منسوبة لمواطنين جزائريين اعتبرت عدائية ضد المغرب، ارتفعت أصوات افتراضية على مواقع الإنترنت المغربية، تطالب بإعادة فرض التأشيرة الإجبارية على المواطنين الجزائريين. وهو الإجراء الذي تم رفعه في عام 2004، بعد عقد من تطبيقه.
حدث هذا وسط مخاوف محاطة بذرائع مختلفة، منها التحذير من تسلل أفراد أو جماعات معادية من الجارة الشرقية، قد يكون هدفها زعزعة استقرار البلاد، أو الرغبة في إفساد التظاهرات العالمية الكبرى التي يستعد المغرب لتنظيمها، مثل كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم (2025)، ومونديال كرة القدم (2030).
كان المغرب في عام 1994 قد فرض التأشيرة على الجزائريين، في أعقاب الهجوم على فندق "أطلس أسني" بمدينة مراكش. ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين بشكل كبير، حيث ذهبت الجزائر إلى حد إغلاق حدودها، بعد اتهامها من طرف الرباط بتورط مخابراتها في الهجوم الإرهابي المشار إليه، الذي أسفر عن مقتل سائحين إسبانيين وجرح سائحة فرنسية، واتهم في تنفيذه ثلاثة إرهابيين فرنسيين من أصول جزائرية.
وبينما كان يُنتظر "قرار التأشيرة" من المغرب، وصل سريعا من الجزائر. ففي يوم الخميس 26 سبتمبر 2024، صدر قرار جزائري يقضي بفرض التأشيرة على المواطنين المغاربة الراغبين في الدخول إلى الجزائر. وحسب عبارات البيان، فإن جميع "حاملي جوازات السفر المغربية" وضمنهم مزدوجو الجنسية، هم مشمولون أيضا بمقتضيات هذا الإجراء.
ويأتي فرض التأشيرة على المغاربة، إثر توقيف سبعة أفراد "اتهموا بالمشاركة في (شبكة تجسس) تهدف إلى تقويض المؤسسات الأمنية والإدارية الجزائرية"، حسب بيانات رسمية جزائرية. وتبين أن أربعة من الموقوفين السبعة هم من جنسية مغربية.
وفي بلاغ صحافي، اختصرت وزارة الخارجية الجزائرية الأسباب، وهي أن المملكة المغربية "استغلت نظام الإعفاء من التأشيرة، لسوء الحظ، وانخرطت في أعمال مختلفة تضر باستقرار الجزائر وأمنها الوطني، مع تنظيم واسع النطاق لشبكات الجريمة المنظمة، والإتجار بالمخدرات والبشر، والتهريب، والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس، فضلا عن انتشار عملاء المخابرات الصهيونية، الحاملين لجوازات سفر مغربية، للدخول بحرية إلى التراب الوطني".
وأضاف متحدث باسم الخارجية الجزائرية: "إن المملكة المغربية تتحمل وحدها المسؤولية عن عملية التدهور الراهنة في العلاقات الثنائية من خلال أعمالها العدائية تجاه الجزائر".
ثم سريعا ما سيكشف عن الحقيقة الكامنة خلف تصاعد التوترات الدبلوماسية بين الجارتين المغاربيتين من جديد، عندما ستفصح الجزائر عن اتهامها للمغرب بإرسال "عملاء المخابرات الصهيونية (...) للوصول بِحُريَّةٍ إلى التراب الوطني الجزائري". في إشارة واضحة إلى علاقة التطبيع التي صارت تجمع بين الرباط وتل أبيب منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2020.
حرب التأشيرات
شكل هذا القرار صدمة بالنسبة لكثير من المواطنين في البلدين، وإن لم يستبعده آخرون، ممن توقعوا حدوثه وقالوا "إنه إجراء وصل متأخرا على الأقل ثلاث سنوات". أي منذ إعلان الجزائر قطع علاقتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/آب 2021.
إنها ليست سوى حلقة جديدة في أزمة ثقة طويلة بين البلدين، يعود تاريخها إلى الستينات من القرن الماضي. لكن الصراع حول الصحراء الغربية زاد من تعميقها وتعقيدها. ولم تعد هناك من شكوك بأننا اليوم "أمام مستوى جديد من التصعيد في العلاقات الجزائرية- المغربية"، وفق تعبير نسب لصحافي جزائري.
لذك فإن ما حدث في الفترة الأخيرة، بشأن فرض تأشيرة الدخول إلى الجزائر على حاملي جواز السفر المغربي، لم يمثل سوى خطوة من خطوات سيئة ستزيد من تفاقم العلاقة المتأزمة أصلا بين الجزائر والمغرب. ولم يكن سوى نتيجة لتداعيات سلبية، يبدو أن حلقات مسلسلها لن تتوقف في المدى القريب. في ظل تراكم مصاعب ومخاطر تكبر باستمرار، من شأنها أن تزيد من اشتداد وتيرة المنافسة السياسية والاقتصادية بين الجارتين في شمال أفريقيا، لتفضي بهذا الاحتدام إلى تحديات وتخوم صراعات غير إيجابية وغير متوقعة.
ومن المثير أن إجراء فرض التأشيرة الجزائرية على المغاربة، "بعيد كل البعد عن أن يكون الأول في تاريخ العلاقات بين البلدين"، كما ذكرت المجلة الباريسية "جون أفريك" في تناولها للموضوع تحت عنوان "والآن حرب التأشيرات"!
في الوقت الذي قارن فيه آخرون إلزامية التأشيرة الجزائرية، بما حدث في عام 1975، عندما أقدمت الجزائر على طرد الآلاف من المغاربة الذين كانوا يعيشون على أراضيها.
بهذا الصدد يقول الكاتب والصحافي المغربي الطيب الدكار، إن على الجزائر "الكف عن الحديث عن قيم التضامن لأسباب إنسانية وعائلية التي تجمع البلدين الشقيقين الجزائري والمغربي. وهي قيم تم خرقها من طرف النظام نفس عام 1975، عندما طرد 45 ألف مغربي، منهم من كان يعيش هناك منذ كانت الجزائر مقاطعة فرنسية".