ثمة قول شهير ينسب إلى لينين بأن "هناك عقودا لا يحدث فيها شيء، وأسابيع تحدث فيها عقود". ولا يمكن لهذه المقولة أبدا أن تكون أكثر صدقا منها خلال هذا الأسبوع المصيري من سبتمبر/أيلول، الذي بدأ بالانفجار المروع لآلاف أجهزة النداء (البيجر) التي وزعها "حزب الله"، وانتهى بموجة غير مسبوقة من الغارات الجوية الإسرائيلية عبر لبنان وصولا إلى الهجوم البري الإسرائيلي جنوب لبنان والقصف الإيراني بصواريخ على إسرائيل ورد تل أبيب واحتمال انتقال "حرب الظل" إلى مواجهة مباشرة.
وفي ختام هذا الأسبوع، وبعد أيام قليلة، نفذت إسرائيل غارة جوية ضخمة استهدفت المخبأ الذي كان يختبئ فيه حسن نصرالله، مما أدى إلى تدمير كثير من المباني المدنية ومقتل زعيم "حزب الله".
في غضون أيام قليلة، قُلبت عناصر الردع التي كانت تشكل على الدوام الديناميكية المعقدة بين إسرائيل و"حزب الله" وإيران. ولعقود من الزمان، بنت إيران "حزب الله" ليس فقط كواحد من وكلائها الرئيسين، ولكن كعنصر حاسم في العقيدة الدفاعية للجمهورية الإسلامية. إن ما يقدر بنحو 150 ألف صاروخ وآلاف الطائرات دون طيار التي يمتلكها "الحزب"، وحصل عليها جميعا بمساعدة إيران على مدى أكثر من عقد من الزمان، تمثل "بوليصة التأمين" الخاصة بإيران ضد أي هجوم من قبل إسرائيل. وبالفعل، وفرت ترسانة "الحزب" لإيران القدرة على إغراق إسرائيل بالهجمات الصاروخية إذا نفذت إسرائيل تهديدها باستهداف المنشآت النووية الإيرانية.
لأكثر من عقد من الزمان، قارن كثير من المحللين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، بين ديناميكية "حزب الله" وإسرائيل وبين مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد" (MAD) الذي ساد أثناء الحرب الباردة، والذي كان يحدد المواجهة المتوترة بين القوتين العظميين النوويتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حين كان الخوف من الدمار الشامل يقف حائلا دون أن ينخرط أي من الجانبين في صراع واسع النطاق. المنطق نفسه كان ينطبق على إسرائيل و"حزب الله" (وإيران بالتبعية): حيث كان يُنظَر إلى كل منهما باعتباره قادرا على إحداث أضرار جسيمة للآخر، الأمر الذي منعهما بشكل متناقض من الانخراط في حرب مباشرة.
ولكن سلسلة من الأحداث غيرت هذه الديناميكية. لقد سلطت انفجارات أجهزة النداء والهواتف المحمولة، والقضاء الممنهج على قادة "حزب الله"، التي انتهت بمقتل نصرالله نفسه، والقصف الجوي المكثف، سلطت الضوء على أمر لم يره سوى قِلة من المراقبين، فقد كانت إسرائيل تستعد لهذا الصراع الكبير لأكثر من خمسة عشر عاما. وقد أظهرت الهجمات أن المجموعة مخترقة بشكل عميق من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. والاستخبارات نفسها فشلت في التنبؤ بالهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ومنْعه. كما أظهرت الفجوة الهائلة بين "حزب الله" وإسرائيل، ولكن أيضا داخل إسرائيل، بين الاستعدادات للصراع في الشمال، والاستعدادات للصراع في غزة.