ذعر من اختراقات في "محور الممانعة"https://www.majalla.com/node/322523/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B0%D8%B9%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B9%D8%A9
مع تصاعد وتيرة الغزو الإسرائيلي للبنان وزيادة حدة المواجهة بين إيران وإسرائيل، يجد "حزب الله" نفسه مضطرا لتعزيز موقفه في مواجهة إسرائيل. وعلى الرغم من أن الغزو البري الإسرائيلي يتيح لـ"حزب الله" فرصة تحقيق بعض المكاسب العسكرية بفضل خبرته الواسعة في الحروب البرية غير المتناظرة، فإن الصورة الأكبر تكشف عن تحديات خطيرة تواجهه هو وشبكة وكلاء إيران في المنطقة... في صميم هذه التهديدات تكمن قدرة إسرائيل على اختراق هذه المجموعات والتسلل إلى صفوفها.
لم يكن "حزب الله" ليتخيل يوما أن يصل الأمر إلى مقتل زعيمه حسن نصرالله، في إطار حملة شاملة ومتعددة الجوانب تشنها إسرائيل، وتهدف إلى تقويض قدرات "الحزب" الأمنية والعسكرية.
شكّل مقتل حسن نصرالله في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان يختبئ في مخابئ تحت الأرض، مفاجأة كبيرة لكثير من المراقبين. وأعلنت إسرائيل أن استهدافه جرى بناء على معلومات ميدانية دقيقة، مما يعكس مستوى عاليا من الاختراق داخل صفوف "حزب الله"، ليس فقط عبر التكنولوجيا المتقدمة، بل من خلال الاستخبارات البشرية أيضا.
وقد تمكنت إسرائيل من الوصول إلى مخبأ نصرالله الذي كان يقع على عمق عدة طوابق تحت الأرض، مما يبرز القوة الهائلة لسلاحها الجوي. والأهم من ذلك، أن إسرائيل قررت تصفية نصرالله بعد ما يقرب من عقدين من التوازن الظاهري في العلاقة بينها وبين "حزب الله". كان "حزب الله" قد اعتبر هذا الوضع الراهن ثابتا لا يتغير، في حين بالغ في تقدير قوته بشكل كبير، وأخطأ في تقدير مدى استعداد إسرائيل لملاحقته.
لم يعمل وكلاء إيران يوما معا كجزء من مسرح حرب موحّد، رغم ادعاءات إيران ووكلائها بأنهم يشكلون كتلة متماسكة وقوية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة
وبالتالي، فإن مقتل نصرالله لا يتعلق بالقضاء على زعيم وحسب، بل يكشف عن هشاشة "حزب الله" وسوء تقديراته في مواجهة إسرائيل. فقد تعرض "الحزب" لسلسلة متلاحقة من الضربات العسكرية، الأمنية، والنفسية، التي ستتركه في حالة من العجز يصعب التعافي منها.
كما أثار مقتل نصرالله حالة من الذعر داخل شبكة وكلاء إيران في العراق وسوريا واليمن. وسيدفع نجاح إسرائيل في إذلال "حزب الله" إلى هذا الحد، سيدفع الجماعات الأخرى المدعومة من إيران إلى إعادة تقييم وضعها وخطواتها المستقبلية بحذر. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تجد هذه الجماعات نفسها مضطرة الآن إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على الذات بدلا من استعراض قوتها في دعم "حماس".
التحول إلى الداخل
من المحتمل أن الجماعات المدعومة من إيران كانت تخطط لعرض رمزي للتضامن مع "حماس" في ذكرى مرور عام على هجومها غير المسبوق على إسرائيل. ولكن بعد الفوضى التي تسببت بها الهجمات الاستخباراتية على "حزب الله"، بدأت هذه الجماعات في إعادة توجيه مواردها نحو الداخل بدلا من ذلك. فهي تدرك أنه إذا كان من الممكن اختراق "حزب الله"– الذي يُعتبر جوهرة تاج "محور المقاومة" الإيراني– وكشفه بهذا الشكل، فإن الكيانات الأخرى في شبكة إيران، والتي لا تمتلك القوة نفسها، قد تكون أكثر عرضة للخطر.
أدى ذلك إلى تفاقم حالة الذعر بين الجماعات بشأن أمنها ومكانتها، الأمر الذي بلغ ذروته مع مقتل نصرالله. حيث تشعر الميليشيات المدعومة من إيران بقلق متزايد إزاء احتمال قيام إسرائيل بتوسيع نطاق أهدافها بعد أن تكون قد حققت أهداف حملتها في لبنان.
يمتلك "حزب الله" حضورا قويا في سوريا، ومن المرجح أن توجه إسرائيل اهتمامها إلى هناك بعد إتمام حملتها في لبنان. وفي اليمن، لعب "حزب الله" دور "المرشد" الرئيس للحوثيين، حيث يتمتع بنفوذ يفوق نفوذ "الحرس الثوري" الإيراني. أما في العراق، فقد كانت إيران تحاول جاهدة إعادة توحيد ميليشياتها، لكن الثقة بين الفصائل الشيعية العراقية تآكلت بشكل كبير، خصوصا بعد اكتشاف شبكة تجسس مدعومة من إيران تعمل داخل مكتب رئيس الوزراء العراقي، تستهدف السياسيين الذين يعتبرهم حلفاء إيران في العراق خصوما أو منافسين. الأحداث الأخيرة في لبنان عمّقت هذه الأزمة، وزادت من حالة انعدام الثقة. ويتشارك وكلاء إيران في المنطقة المخاوف ذاتها بشأن التهديدات الأمنية والاختراقات الاستخباراتية، مما يزيد من حالة القلق وعدم الاستقرار داخل هذه الجماعات.
الارتياب يتفاقم
إلى جانب المخاوف الأمنية، فإن حالة الارتياب المتزايدة قد تؤثر سلبا على قدرة هذه الجماعات على التواصل الفعال فيما بينها، فضلا عن تقويض الثقة المتبادلة. لم يعمل وكلاء إيران يوما معا كجزء من مسرح حرب موحّد، رغم ادعاءات إيران ووكلائها بأنهم يشكلون كتلة متماسكة وقوية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
إلا أن هذه الجماعات تقدم الدعم لبعضها البعض على المستوى التكتيكي. فقد قامت بعض الفصائل داخل "قوات الحشد الشعبي" بتسهيل حصول "حزب الله" و"حماس" على التمويل الإيراني، حيث يحضر أعضاء منهم إلى بيروت بانتظام وهم يحملون حقائب مليئة بالأموال التي أرسلتها طهران.
بعض الأفراد من داخل المجموعات المدعومة من إيران تمكنوا من العمل كعملاء مزدوجين لصالح إسرائيل أو الولايات المتحدة دون أن يجري اكتشافهم بسهولة
كما ساعدت هذه الفصائل أحيانا "حزب الله" في الحصول على المعدات من خلال دورها في سلسلة التوريد العالمية للكيانات المشاركة في شراء ونقل البضائع، فمن المحتمل أيضا أن يكون أعضاء الجماعات المدعومة من إيران، بخلاف "حزب الله"، قد ساهموا في شراء أجهزة الاتصال المتفجرة، كجزء من محاولات "الحزب" لإخفاء تحركاته. ومع ذلك، فإن الهجمات الأخيرة في لبنان تلقي بظلال من الشك على نزاهة التعاون بين هذه الجماعات.
لقد لعب نصرالله دور الأب الروحي لهذه الجماعات، وسيفاقم غيابه من حالة الافتقار المتزايد إلى التماسك في علاقات هذه المجموعات.
خطر الاختراق
كان ينبغي لإيران ووكلائها أن يدركوا الخطر المتنامي. فإيران تتفاخر كثيرا باتساع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال الانتشار الجغرافي لوكلائها، ولكن، كلما اتسعت شبكتها، زاد خطر تعرضها للاختراق.
لسنوات، قبل ظهور "قوات الحشد الشعبي" و"الحوثيين"، حافظ "حزب الله" على سيطرة محكمة على عضويته وبنيته التنظيمية. ولكن، مع تشكّل هذه الجماعات الجديدة، إلى جانب الفصائل الشيعية المتعددة التي برزت في سوريا خلال الصراع، لجأت إيران إلى "حزب الله"، كونه الأقدم والأكثر خبرة، لبناء قدرات هؤلاء الوافدين الجدد وتوجيههم. وبينما قدم "الحرس الثوري" الإيراني دعمه لـ"حزب الله" في هذه المهمة، إلا أنه ومع مرور الوقت وزيادة أعداد المتدربين، بدأت الرقابة الصارمة التي كان يمارسها كل من "الحرس الثوري" و"حزب الله" بالتراجع.
وكانت النتيجة أن بعض الأفراد من داخل تلك المجموعات المدعومة من إيران تمكنوا من العمل كعملاء مزدوجين لصالح إسرائيل أو الولايات المتحدة دون أن يجري اكتشافهم بسهولة. وعلى الرغم من أن "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" أظهرا عدم تسامح مطلق مع أي معارضة داخلية، حيث لم يتردد "الحرس الثوري" في تصفية أي عضو من وكلائه لم يلتزم بخطه، بغض النظر عن أقدميته، وزعم "حزب الله" أنه يعاقب بشدة كل من تثبت خيانته، فإن هذه الإجراءات لم تكن كافية لحماية تلك المجموعات من الاختراقات بالكامل. فحوادث مثل استخدام أجهزة الاتصال المتفجرة، ومقتل نصرالله تشير إلى احتمالية وجود متسللين على مستويات عليا، بما في ذلك أولئك الذين ساهموا في تسهيل اختراق سلسلة توريد أجهزة الاتصال.
لقد تعامل "الحرس الثوري" الإيراني ووكلاء إيران مع كثير من المتنفعين الذين انخرطوا في الصراع السوري والمعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في كل من سوريا والعراق. وتعاونت إيران ووكلاؤها مع هؤلاء المتنفعين لما قدموه من فائدة كبيرة في توليد الأموال من خلال عمليات التهريب والأنشطة غير المشروعة الأخرى، مثل تجارة المخدرات، وعلى وجه الخصوص الكبتاغون.
وكان بعض هؤلاء المتنفعين جهات خاصة تسعى إلى تحقيق مكاسب مالية، في حين ارتبط آخرون بكيانات حكومية في سوريا والعراق، مثل مسؤولي الجمارك وأفراد القوات المسلحة السورية، وخاصة أعضاء الفرقة الرابعة. وعلى عكس أعضاء "حزب الله" و"الحرس الثوري" الإيراني، المعروفين بالتزامهم بمستويات عالية من الانضباط، غالبا ما كان هؤلاء المتنفعون أقل التزاما من الناحية الأمنية ولا يُعرفون بأمانتهم، حتى تجاه الجهات التي يتعاونون معها.
مقتل حسن نصرالله سيترك تأثيرا مستمرا يحدّ من قدرة وكلاء إيران على التنسيق والعمل بفعالية
ومع تعمق تورط إيران و"حزب الله" في سوريا، ازداد تعاملهم مع المتنفعين، الذين استُخدموا أحيانا كواجهات لشراء السلع الأجنبية. ولكن، لا السلع ولا المتنفعين كانوا دائما موضع ثقة.
وفي أواخر مايو/أيار 2024، نشر موقع "سوريا تي في" تحقيقا كشف عن العثور على أجهزة تجسس مخبأة داخل شحنات الألواح الشمسية التي وصلت إلى سوريا عبر ميناء اللاذقية والحدود البرية مع لبنان. عملية الشراء كانت مُسهلة من قبل الفرقة الرابعة في الجيش السوري وأحد أقارب الرئيس بشار الأسد. وأظهرت التحقيقات أن أجهزة التجسس هذه مرتبطة بإسرائيل، ومخصصة لمراقبة "الحرس الثوري" الإيراني ووكلاء إيران في سوريا. إلا أن مقتل حسن نصرالله يكشف أن مستوى الاختراق وصل إلى مرحلة غير متوقعة ولم يجر اكتشافه من قبل الجماعات المدعومة من إيران.
وبدلا من التخطيط لإحياء ذكرى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سينشغل وكلاء إيران بمراجعة حوادث مثل المذكورة أعلاه، محاولين تحديد مدى تعرض أمنهم للاختراق. إن مقتل حسن نصرالله سيترك تأثيرا مستمرا يحدّ من قدرة وكلاء إيران على التنسيق والعمل بفعالية. وبهذا، فإن الحملة الإسرائيلية في لبنان باتت رادعا لكافة الجماعات داخل شبكة وكلاء إيران، التي تحولت من "محور المقاومة" إلى محور الذعر.