كقائد لميليشيا كانت في حالة حرب طوال فترة وجودها، لم يكن حسن نصرالله غريبا عن الخطر. لكن في ليلة صيفية من عام 2006، لا بد أنه شعر بأن الموت كان قريبا للغاية. كان في جنوب بيروت آنذاك، في أحد مباني القيادة التابعة لـ"حزب الله" مع اثنين من أهم الرجال في حياته: قاسم سليماني، الذي كان حينها قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني. وعماد مغنية، قائد العمليات الموهوب لـ"حزب الله". وكان الأول يحمل رسالة دعم من شخصية أخرى مهمة: آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولكن حتى الدعم الذي أبداه زعيم دولة كبيرة لم يكن كافيا لإنقاذ "حزب الله". فقد تحولت بيروت إلى جحيم حي بسبب القصف المستمر من إسرائيل، وكانت السماء تشتعل بالنيران في كل مكان. بدا أنهم محاصرون من جميع الجهات. وعندما غادروا المبنى، كانت طائرة إسرائيلية مسيرة من طراز "إم كيه" تحوم فوق رؤوسهم، وكأن ما يفصل بينهم وبين الموت هو مجرد أمر بسيط بقتلهم.
لم يصدر الأمر في نهاية المطاف، وبقي الثلاثة على قيد الحياة– على الأقل لفترة من الوقت. لا بد أنهم شعروا بأن يدا إلهية قد أنقذتهم، لكننا نعلم الآن السبب الأكثر ترجيحا. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، يتعاون مع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في استهداف شخصيات ميدانية مثل مغنية، الذي كان مسؤولا عن مقتل مئات الأميركيين في لبنان في الثمانينات. لكن قتل جنرال إيراني بارز مثل سليماني، وقائد سياسي مثل نصرالله كان أمرا يتجاوز الحدود. وهكذا، حصلوا على فرصة مؤقتة للبقاء.
قُتل مغنية بعد عام ونصف في عملية أميركية-إسرائيلية في دمشق. لكن الاثنين الآخرين لم يعمرا طويلا. فقد اغتيل سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد عام 2020، وفي 27 سبتمبر/أيلول 2024، قُتل حسن نصرالله البالغ من العمر 64 عاما في غارة إسرائيلية هائلة دمرت عدة مبان سكنية في منطقة الضاحية الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية في بيروت، والتي لطالما كانت قاعدة لـ"حزب الله".
ركن ولاعب
خلال 32 عاما كأمين عام لـ"حزب الله" نجح نصرالله في تحويل "الحزب" إلى ركن أساسي في السياسة اللبنانية ولاعب رئيس في الحروب الإقليمية. كان خريج الحوزات الشيعية في النجف وقم، وكان رجل دين متعلما وخطيبا مفوها، يتقن اللغة العربية الفصحى واللهجة اللبنانية، بالإضافة إلى اللغة الفارسية التي تحدثها بطلاقة. وبعد انتقاله للعيش في إيران لأول مرة عام 1989، بالتزامن مع تولي خامنئي قيادة الجمهورية الإسلامية، بنى علاقات وثيقة مع "المرشد الأعلى" ودمج "حزب الله" بشكل أكبر في "محور المقاومة" الإيراني، وهو مسار ساعده فيه سليماني.