لا يقوم المترجم المصري سمير جريس بترجمة ما يحبّه ويرضي ذائقته من الأدب الألماني فقط، بل هو يعيش في ألمانيا منذ ثلاثة عقود، ويتابع حركة النشر فيها، ويكتب متابعات صحافية ونقدية عن إصدارات ألمانية، وعن أحداث ثقافية فيها. تجربته الطويلة في الترجمة وضعت اسمه بين أهم الأسماء التي اشتغلت على نقل الأدب الألماني إلى العربية. من خلال الترجمة نفسها وقراءاته المستمرة لما يُنشر في ألمانيا، طوّر جريس أسلوبه في مقاربة العوالم التي ينقلها إلى العربية، إلى درجة يمكن القول عنه إنه يُعيد تأليف ترجماته بحسب الأساليب الأصلية للنصوص الألمانية، بما يعني ذلك من تنوع وبراعة في عمليات التأليف هذه التي تجمع بين نقل النص وإعادة صياغته في العربية. وهذا يعني في النهاية ضرورة أن تكون قارئا جيدا قبل أن تكون مترجما جيدا.
درس سمير جريس اللغة الألمانية في القاهرة، وتابع دراستها في مدينة ماينتس الألمانية، ويعيش حاليا في برلين. حصل على جوائز عدة أبرزها جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عام 2018، وجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة عام 2022.
هنا حوار معه حول تجربته ككل وآخر ترجماته، وكذلك حول صدمته من الموقف الرسمي الألماني تجاه ما يحدث في الحرب على غزة.
- درست اللغة الألمانية في الجامعة بينما كانت دراسة الإنكليزية والفرنسية شائعة أكثر، هل كان في بالك أنك يوما ما ستترجم من الأدب الألماني؟
شيوع دراسة الإنكليزية والفرنسية كان تحديدا هو السبب الذي حدا بي إلى اختيار لغة أخرى. ما فكرت فيه آنذاك كان كالتالي: الجميع يتحدث الإنكليزية والفرنسية، وهناك آلاف من متخرجي المدارس الأجنبية في مصر الذين يتقنون هاتين اللغتين، فإذا درست إحدى تلك اللغتين فلن أستطيع منافستهم والعثور على عمل بسهولة. لذلك كنت أود اختيار لغة تتيح لي فرصا أفضل. من هنا كان اختياري للألمانية. كان اختيارا عقلانيا عمليا بحتا، ولم أفكر يوما أنني سأصبح مترجما للأدب الألماني. لكن خلال الدراسة -وكان المترجم الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى ماهر، هو أحد الذين تعلمنا على يديه- بدأت أفكر ربما في الأمر. لا شك أنني وزملائي كنا نرنو بعين الإعجاب البالغ إلى الدكتور ماهر الذي نقل عيون الأدب الألماني إلى اللغة العربية، فترجم أعمالا لغوته وشيلر وهرمان هسه وكافكا وصولا إلى أعمال إلفريده يلينيك، وكنا نتمنى أن نساهم نحن أيضا في حركة الترجمة من الألمانية إلى العربية.