وسائلةٍ أين الرحيل وسائلٍ
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبُهْ
مذاهبُهُ أنّ الفجاج عريضةٌ
إذا ضنّ عنه بالفعال أقاربُهْ
الشاعر الصعلوك، ونموذجُه عروة بن الورد، ليس له مذهب، وإنما له مذاهب. ومذاهبه هذه ليست معروفة أو متوقعة، وإنما هي مفتوحة على جميع التوقعات. مذاهب الشاعر هي كالمفاجآت. وهذا المعنى متحقق في قول عروة "مذاهبه أنّ الفجاجَ عريضةٌ". وكلمة "الصعلوك" في كلام عروة تعني الشاعر الحرّ، من جملة ما تعنيه من معان كثيرة. وحرية الشاعر هي في جوهرها نفي لكلّ شكل من أشكال "المذهبية"، أو "التمذهب".
لقد أُرهقت كلمة "المذهب" كثيرا، وصارت في كثير من المجالات مرادفا للتعصب، وربما للتخلف أو التحجر. واشتُقّ منها المصدر الصناعي "المذهبية"، الذي يعني مختلف أنواع الفرقة أو الشقاق في المجتمع. ومع ذلك، ظلّت كلمة "المذهب" تُستخدم ملحَقة بالشعر أو مضافة إليه، ولكن بصيغة الجمع في الغالب، كأنْ يقال "مذاهب الشعر" ويُقصد بها مدارسه أو تياراته أو اتجاهاته.
نادرا ما يقال "المذهب الشعري"، أو "مذهب الشعر". بينما يقال في العادة "مذاهب الشعر". ربما لأن جعْلَ المذهب مذاهبَ عند إضافته إلى الشعر يخفف وطأته عليه، يخفف ثقله الذي تأتى له من كثرة الاستعمال في المصطلَح السياسي، وكذلك في المصطلَح الديني أو الفقهي. إضافة كلمة "مذهب" إلى الشعر قد توحي بشيء من التناقض، نظرا لما تحمّلته هذه الكلمة من أثقال السياسة والفكر والدين، ونظرا لما يعنيه الشعر من تفلت وتحليق في فضاءات تعصى على أي تحديد أو تضييق أو ضبط.