هل أحرقت قنابل الـ"هافي هايد" دولارات "حزب الله"؟

استهداف خزائن "الكاش" والمسؤولين عنها لإضعاف قدراته المالية

هل أحرقت قنابل الـ"هافي هايد" دولارات "حزب الله"؟

أتون الحرب التي فتحت بين إسرائيل و"حزب الله" أطاحت قواعد الاشتباك التي كانت قائمة بينهما، فقد تمددت العمليات العسكرية لتطال مقار الحزب وقادته في الضاحية الجنوبية والعاصمة وفي معظم قرى وبلدات الجنوب والبقاع، وتخللتها اغتيالات للعديد من قادة الصفين الأول والثاني، بدا منها أنها ترمي الى تقييد القدرات المالية للحزب، وهو أمر سبق وعملت دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة الاميركية، على تحجيمه عبر استصدار عدد من القوانين الرامية الى منع ولوج "حزب الله" الى النظام المالي العالمي.

وترجح الأنباء المتواترة أن الغارات الضخمة الذي تعرض لها المقر الرئيس لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية، أتلفت الصناديق الحديد المحفوظة فيها الأموال في مخابئ الحزب ومقاره.

وبحسب الخبراء العسكريين فإن 80 قنبلة من نوع "هافي هايد" (MK84 – Heavy Hide)، تزن الواحدة منها طناً، ومصممة لاختراق التحصينات والانفجار تطال أي مخزونات بعمق يتراوح ما بين 50 إلى 70 متراً تحت الأرض، مما يحمل على الاعتقاد بأن جزءا كبيرا من الأموال الخاصة بالحزب ومؤسساته وأبرزها "مؤسسة القرض الحسن" التابعة له قد أتلفت أو احترقت، هي والصناديق الحديد المحفوظة فيها.

يرجح خبراء أن الحزب قد احتاط للحرب بعد تجربة حرب يوليو 2006 وتدمير العديد من مواقعه ومقار القرض الحسن، وبات يحتفظ بمخزون نقدي استراتيجي في مخابئ محصنة في السلسلة الشرقية من جبال لبنان

هذه المعلومات سيئة لآلاف المقاتلين والموظفين والإداريين والموالين في مؤسسات الحزب، الذين ينتظرون، هم وآلاف من عائلات القتلى والجرحى والمعوقين، الرواتب والمساعدات الشهرية منه. إضافة الى الموازنات المخصصة لعشرات المؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية التابعة له. وحتى لو نجت الخزائن أو بعضها حتى الآن، تثار التساؤلات عن قدرة "حزب الله" على الاستمرار في تأمين التزاماته المالية الدورية، إضافة إلى تكاليف النزوح والحرب، خصوصا في حال طال أجلها وتمددت رقعتها.

موقع "مؤسسة القرض الحسن"
صراف آلي تابع لـ"موسسة القرض الحسن" التابعة لـ "حزب الله"

 في المقابل، يتحدث خبراء أن الحزب قد احتاط للأمر بعد تجربة حرب يوليو/تموز 2006 وتدمير العديد من مواقعه ومقار القرض الحسن، وبات يحتفظ بمخزون نقدي استراتيجي في مخابئ محصنة في السلسلة الشرقية من جبال لبنان، وموزعة على مئات أمناء الصناديق، إضافة الى الأموال العراقية المقدرة بمليارات الدولارات التي حصل عليها خفية بحسب تحريات محقق الفساد الأميركي، ستيوارت دبليو باون، وفق ما نشرته الـ"نيويورك تايمز" في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2014.

شبكة الحزب المالية

معروف أن تمويل "حزب الله" يأتي، بشهادة أمين عامه الراحل، من إيران ومن دول أخرى، أهمها فنزويلا والعراق، وأيضا من مجموعات وأفراد ورجال أعمال مناصرين له يعملون في أفريقيا والولايات المتحدة وغيرهما، ومنهم من انغمس في عمليات غير قانونية في منطقة الحدود الثلاثية على طول تقاطع دول الباراغواي والأرجنتين والبرازيل، وفي فنزويلا والمكسيك وحتى في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وتشمل هذه العمليات الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وانشطة غير شرعية اخرى.  

سبق لـ "حزب الله" أن اغتنم الانهيار النقدي والمصرفي في لبنان، فوسع دائرة عملياته وعملائه وفتح أبواب "مؤسسة القرض الحسن" بعدما سدت في وجوههم أبواب المصارف نظير تقديمهم ضمانات من الذهب

وقد نفى نصر الله هذه الاتهامات واصفا إياها بأنها "محاولة لتشويه صورة الحزب ونضاله". ولم تأخذ العديد من الدول والمنظمات الدولية بدفاعه، فأدرجت الحزب على لائحة المنظمات التي تتعاطى الجريمة المنظمة ومنعت تمويله والتعامل معه ومع مؤسساته.

ما مصير ضمانات من الذهب

وكانت "مؤسسة القرض الحسن" قد اغتنمت واقعة الانهيار النقدي والمصرفي في لبنان، فوسعت دائرة عملياتها وعملائها وفتحت أبوابها أمام من استبعدتهم المصارف بسبب علاقاتهم مع الحزب، وقدمت القروض الاستهلاكية إلى العديد من العملاء الذين سدت في وجوههم أبواب المصارف نظير تقديمهم ضمانات من الذهب للحصول من المؤسسة على هذه القروض. كما زودت فروعها التي بدأت بالتوسع خارج بيئة الحزب أجهزة الصراف الآلي. 

كذلك، وثق الحزب تواصله مع العديد من مؤسسات الصرافة في شتى المناطق، مما سمح له بالتعامل معهم بكميات كبيرة من العملات الصعبة، وأيضا من خلال وسطاء مع مصرف لبنان في معرض اعتماد الأخير لـ"صيرفة"، لشراء وبيع العملات الأجنبية مع الجمهور.

ومعلوم ان الضائقة المالية للحزب كانت قد تبدت من قبل اندلاع الحرب الراهنة، وأطلق "حزب الله" حملة لجمع التبرعات روج لها على لوحات إعلانية وملصقات وعبر الإنترنت بعنوان "حملة تجهيز المجاهدين"، وهي تدعو إلى تقديم تبرعات نقدية لتجهيز مقاتلي "حزب الله". أيضا كانت هناك اعلانات تشير الى انه بامكان القادر على الجهاد العزوف عنه شرط التبرع للحزب بمبلغ  1000 دولار  اميركي، على نحو يشبه المعتمد في روسيا وتركيا ماضيا للتملص من التجنيد الإجباري.  

من أجل المال

وتشير نقاشات جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي التي انعقدت بتاريخ 8 حزيران 2017 لدرس سبل تقييد ومنع المعاملات المالية مع "حزب الله" بأن واحداً من كل أربعة من رجال بيئة  الحزب يتلقى راتباً منه، وان العديد من الذين ينضمون إليه للقتال في صفوفه  هم ممن لا يملكون فرص عمل ويقومون بذلك من أجل المال.  

لا شك أن التطورات الميدانية الأخيرة ستقلب خرائط وموازنات القدرات المالية للحزب ومؤسساته نتيجة تعثره المتوقع في التزاماته تجاه عملائه

لا شك أن التطورات الميدانية الأخيرة ستقلب خرائط وموازنات القدرات المالية للحزب ومؤسساته نتيجة تعثره المتوقع في التزاماته تجاه عملائه على نطاق أوسع بكثير مما حصل في حرب عام 2006، مع تعمد الإسرائيليين هذه المرة قصف المجمع الرئيس للحزب ومكاتب مالية وصرافين تابعين له.

استهداف قنوات التمويل بالاغتيالات والتدمير

ويمكن حاليا ملاحظة ضمور خدماته المالية للنازحين، حيث غابت تقريبا هذه المرة الفرق التي كانت، أثناء حرب يوليو/تموز عام 2006، تزور مراكز إيواء النازحين، عارضة عليهم شتى المساعدات والخدمات المالية. أيضا، سيؤجج غضب العملاء أي تقصير من "مؤسسة القرض الحسن" برد ضماناتهم الذهبية التي يكون قد فقدها نتيجة الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية على مراكزه، وكانت فئة منهم قد سبق لها أن أعلت الصوت بشعارات شائنة لـ"القرض الحسن" عند إصراره على إيفائهم القروض الممنوحة منه لهم على أساس سعر الصرف الفعلي للدولار وليس سعر صرفه الرسمي المتدني، خلافا لموقف المصارف في ما يتعلق بإيفاء القروض الاستهلاكية.

أ.ف.ب.
صراخ المودعين المحتجزة أموالهم في المصارف اللبنانية لم يهدأ منذ خمس سنين

ويرى آدم توز، مدير المعهد الأوروبي في جامعة كولومبيا، في مقال نشرته "فورين بوليسي" في الشهر المنصرم بعنوان "لماذا 'حزب الله' ثري ولبنان فقير"، أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران يقدر بأكثر من 400 مليار دولار، وهي تقدم لـ"حزب الله" مباشرة أو من خلال شركات واجهة، اعتبارا من عام 2018، نحو 700 مليون دولار سنويًا، وبالتالي هي تستطيع تحمل تكاليف الدعم المطلوب من الحزب خلال حربه الراهنة مع إسرائيل.

لا بد أن ينعكس التقييد المالي للحزب سلبا على حجم العملات الأجنبية التي يتعامل بها في أسواق "إقتصاد الكاش" السائد حاليا في لبنان، مما سيضغط على السلطات النقدية لسد النقص وتأمين البديل

وهذا كلام غير دقيق، فمعروف أن إيران هي على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي لرعايتها الارهاب وهي بالتالي لا تستطيع تنفيذ عملياتها من خلال النظام المالي، كما هدد الطيران الإسرائيلي قبل أيام عدة بقصف طائرة إيرانية كانت تحمل، بحسب ادعائه، العتاد العسكري والمساعدات المتنوعة للحزب من إيران، ومتجهة للهبوط في مطار بيروت. فما كان منها إلا أن عدلت مسارها وعادت إلى طهران. وقد تلا الأمر قصف شقة في مبنى قرب مستشفى الزهراء في منطقة الجناح جنوب بيروت، واستهداف مكتب فيها. وقتل في العملية محمد جعفر قصير المسؤول عن نقل الأموال من إيران وسوريا إلى "حزب الله"، هو مسؤول رئيس في تمويل الحزب من قبل  فيلق القدس الايراني ويشرف على العديد من الشركات الواجهة المستخدمة في مقدمها تلك الخاصة بمبيعات النفط وبأنشطة اخرى غير قانونية، كما اغتيل في سوريا شقيقه حسن جعفر قصير، صهر الراحل حسن نصر الله، والمسؤول المالي في الحزب، وكان سبق للموساد الاسرائيلي أن قام بتصفية الصراف محمد سرور الخاضع كالشقيقين قصير للعقوبات الاميركية على خلفية تلقيه أموال إيرانية لنقلها الى "حماس".

لا بد أن ينعكس التقييد المالي للحزب سلبا على حجم العملات الأجنبية التي يتعامل بها في أسواق "إقتصاد الكاش" السائد حاليا في لبنان، مما سيضغط على السلطات النقدية لسد النقص وتأمين البديل. والمتيسر الباقي هو اعتماد هذه السلطات سياسة تضغط على العائلات لاستخدام مدخراتها من هذه العملات للحصول على احتياجاتها، أو ما يعرف بسياسة "كادابرا" (CADABRA) في إشارة إلى الكلمة التي يرددها عادة البهلوان لسرقة ما يقتنيه أحدهم رغما عنه.

font change

مقالات ذات صلة