وقعت الحرب وقوع البلاء، على بلد يعاني قاطنوه منذ خمس سنوات من جحيم اقتصادي لم يسبق أن مروا به من قبل، لتُتوج الأزمات بأزمة جديدة عنوانها "الحرب والنزوح"، أكثر من مليون مواطن لبناني، والآلاف من اللاجئين السوريين، اضطروا بين عشية وضحاها إلى ترك منازلهم وقراهم، وفروا من القصف العنيف الذي تعرضوا له، ليمضوا ساعات وساعات على الطرقات، في رحلة محفوفة بالمخاطر على وقع كثافة الغارات الإسرائيلية، قبل الوصول إلى المناطق المصنفة الأكثر "أمانا" وهي مناطق خارج سيطرة "حزب الله"، وهناك تبدأ رحلة جديدة، وهي محاولة تأمين مأوى لآلاف المواطنين.
في الوقت نفسه تخيّم "الفوضى" ومشاهد البؤس واليأس والخوف، رغم أن الحرب لم تكن وليدة اللحظة. فلبنان الذي يعيش اليوم حربا شبه شاملة، كان يعيش حربا على حدوده منذ 8 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قرر "حزب الله" فتح جبهة سماها جبهة "مساندة لأبناء غزة"، لتنقلب في الأيام الأخيرة إلى حرب تدميرية، تحولت بسببها قرى الجنوب اللبناني وقرى البقاع شرق لبنان، إلى أهداف للجيش الإسرائيلي، وصولا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تتعرض يوميا لوابل من الصواريخ التي تدمر مباني سكنية بكاملها، تحت ذريعة استخدام "حزب الله" لهذه المناطق لتخزين أسلحته وترسانته الصاروخية.
ولكن يبدو أن وقوع بلاء الحرب لن يقتصر على مناطق نفوذ "حزب الله"، فلبنان مقسم اليوم إلى قسمين، جزء من شعبه أصبحوا نازحين بلا مأوى، وقراهم وبيوتهم تحت مرمى القصف الإسرائيلي، وجزء ثان، يعيش تحدي استقبال النازحين في البيوت والقرى والمدن ذات الأغلبية التي لم تكن تؤيد يوما خوض "حزب الله" غمار هذه الحرب. ويبدو أن حتى تلك المناطق هي في مرمى الأهداف الإسرائيلية، فحتى كتابة هذا التقرير، استُهدفت العاصمة بيروت مرتين، خلال أيام قليلة، ففي المرة الأولى تم استهداف شقة في مبنى سكني يسكنها قياديون من "الجبهة الشعبية" في منطقة الكولا، وفي المرة الثانية استهدفت منطقة الباشورة القريبة من وسط بيروت، وكان الهدف هذه المرة مركز الهيئة الصحية التابع لـ"حزب الله". كذلك لم تسلم مناطق عدة في جبل لبنان من القصف، ناهيك بقطع إسرائيل الطريق المؤدي من البقاع إلى بيروت في منطقة المصنع.
بيروت... بين "التجاوزات" والنيران
يقول الشاب يوسف شهاب لـ "المجلة"، وهو الذي همّ منذ اللحظة الأولى لمساعدة النازحين، الذين وصلوا إلى العاصمة بيروت: "إن الخوف بين أهالي بيروت كبير جدا، هناك كثير من الشائعات التي توتر الناس، وتزرع الخوف في قلوبهم، خصوصا بعد الاستهداف الإسرائيلي، لا أحد هنا يستطيع أن يعرف ما إذا كان هناك المزيد من القيادات أو الأهداف الإسرائيلية في العاصمة، وبخاصة أن الإجراءات الخاصة بتطمين الناس وتخفيف قلقهم معدومة للأسف الشديد".