عندما نشر في 17 مارس/ آذار 2024 خبر وفاة زوجة الشاعر اليمني القدير عبدالله البردوني فتحية الجرافي تساءل الكثيرون من هي هذه المرأة، ومتى تزوجها؟
للأسف، مثل كثيرات من اليمنيات اللواتي كانت لهنّ بصمة في تاريخ اليمن، لم تُوثّق حياة فتحية الجرافي، ولم يُوضع كتاب يتناول سيرة حياتها، على الرغم من أنها لم تكن زوجة شاعر بارز فحسب، وإنما كانت من اليمنيات الرائدات في المجتمع المدني اليمني.
في شمال اليمن قبل ثورة 1962 كان هناك شح في المدارس التعليمية باستثناء ما يسمى "المعلامة"، وهي المكان الذي يتعلم فيه الأطفال تلاوة القرآن الكريم. لكنّ فتحية الجرافي كانت من الفتيات القليلات اللواتي سافرن إلى مصر، وتعلّمن في الجامعة، وتخرّجت في منتصف الستينات. عادت فتحية الجرافي لتكون أول معلمة للغة الإنكليزية في شمال اليمن.
يصف البردوني حبيبته في قصيدته "جلوة" على النحو التالي:
كرائحة الصمت بعد الضجيج
كإغفاءة الحزن بعد النشيج
كأجمل من كل ما في الجمال
تجلّيتِ ذات مساء بهيج
وهي صفات اتّفق معها عدد من طالباتها اللواتي وصفنها بأنها كانت تميل إلى الخجل، لا تفتعل الكلام والنقاش، وتقول فكرتها بهدوء كان غالبا على شخصيتها.
تعرّف البردوني الى فتحية الجرافي خلال توليه إدارة البرامج بإذاعة صنعاء، وكانت هي مديرة لـ"مدرسة بلقيس" المجاورة للإذاعة، إذ كانت طالباتها يطلبن منها سماع البردوني، وهو يُلقي الشعر.
ويقول عبد الرحمن الغابري، المصور والفنان والروائي اليمني، إنه عرف فتحية الجرافي قبل زواجها من البردوني عندما كان يعمل في إذاعة صنعاء، حيث عملت الجرافي مدرّسة في مدرسة بلقيس، ومدرسة الصبَّاح. ثم بعد ذلك حضر حفل زفافهما، الذي كان في بدايات حكم الرئيس الحمدي عام 1976.
وقد عرفت الجرافي باهتمامها بالأيتام، وأيضا بتنشئة جيل جديد واعٍ يحبّ الفنون والعلم.
يقول الغابري بأن الجرافي تبوَّأت مركز وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع الأمومة والطفولة، وكانت مشرفة على دور رياض الأطفال الحكومية.
لم تكن فتحية الجرافي مهتمة بتوثيق حياتها كواحدة من أولى الأكاديميات في اليمن والعاملات في المجتمع المدني رغم أهمية سيرتها في مسيرة الحراك النسوي، والكتاب الوحيد الذي نشرته لم يكن يحكي عن مسيرتها الشخصية، وإنما عن مسيرتها مع البردوني، وسفرياته التي رافقته في معظمها، والمقابلات الصحافية التي أجراها، وإلى يومنا هذا لا يزال كثيرون يتساءلون مَن هذه المرأة التي تجلس بجانب البردوني، وترتدي النظارات و"المَصَر"، ولا يعرفون أن هذه المرأة كانت من الرائدات اليمنيات في مجال التعليم والعمل المدني، وغيّرت الكثير بكل هدوء، وبدون ضجيج كما وصفها البردوني.
سيرة حياة فتحية الجرافي التي لا نعرف عنها الكثير هي مجرّد مثال للكثير من قصص النساء الرائدات التي نسيها التاريخ
تقول البروفسورة والكاتبة إلهام مانع "إن عدم تدوين تاريخ النساء اليمنيات الرائدات هي ظاهرة لا تقتصر على اليمن فقط، بل نجدها في العديد من دول العالم، ومنها إقليمنا العربي. هناك مقولة تقول إن التاريخ يكتبه المنتصر. وأنا أفضّل القول، إن التاريخ يكتبه الرجل، بغضّ النظر عن هويّته القوميّة. التركيز هو على دور الرجال في صنع التاريخ، ويغفل عن إدراج المرأة في هذا السياق كأنها هامش. ولذا كان من الضروريّ إعادة النظر في هذا التدوين والبحث، إن لم يكن التنقيب عن دور هذه المرأة، في صنع التاريخ".
سيرة حياة فتحية الجرافي التي لا نعرف عنها الكثير هي مجرّد مثال للكثير من قصص النساء الرائدات التي نسيها التاريخ بسبب عدم الاهتمام، أو تعمد تجاهل توثيقها. "حان وقت البدء في تدوين تاريخ المرأة في اليمن على نسق مؤسسة المرأة والذاكرة في مصر. فالصمت عن هذا التاريخ، يظهر لنا طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه. ويعكس لنا أيضا واقع المرأة فيه" كما ترى إلهام مانع.