شهادات صادمة عن عمليات اغتصاب ممنهج في السودان

صدمات نفسيّة يتسبّب بعضها بالانتحار

Reuters
Reuters
ضحية تبلغ من العمر 15 عاما تعرضت للعنف الجنسي في الجنينة، غرب دارفور، شُوهدت خارج مأوى مؤقت في أدري، تشاد، في 1 أغسطس 2023.

شهادات صادمة عن عمليات اغتصاب ممنهج في السودان

هل لك أن تتخيل أن تكون ورقة تغليف فوطة نسائية سببا في مقتلك؟

"نعم، فوطة صحية هي التي كشفت أمرنا وكانت سببا في مقتل خالي، وهو يدافع عنا"، كانت جثة خال الشابة سلام (24 عاما) هي بطاقة الخروج لها ولشقيقاتها من إحدى مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع" بمدينة الخرطوم، كما تروي.

سلام، وهو اسم مستعار لشابة سودانية تنتمي إلى أسرة مؤلفة من والديها وأربع فتيات هي أكبرهن وأخ يصغرها بثلاثة أعوام، تحدثت الى "المجلة" عن حظ العائلة العاثر "حين وقعت المنطقة التي كنا نعيش فيها تحت سيطرة قوات الدعم السريع في بداية الحرب الحالية".

مع بداية الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023 واشتداد وتيرة المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم بين قوات "الدعم السريع" وقوات الجيش السوداني، كانت سلام التي تقطن وأسرتها في منطقة بحري، في زيارة بيت جدتهم لأمهم الواقع في منطقة "الخرطوم 3"، حيث تعيش جدتها مع خاليها.

تغيّر الوضع في شهر رمضان الماضي "كنا نقضي بعض ليالي رمضان في بيت جدتي، وكانت أحياء ’الخرطوم 3’ من أكثر الأحياء تضررا، فمنذ إطلاق الرصاصة الأولى قُطع التيار الكهربائي والماء"، لم تكن هذه المشكلة الكبرى بالنسبة إلى سلام وأسرتها، المشكلة كانت "دخول قوات الدعم السريع الى هذه المنطقة منذ اللحظات الأولى واحتلالها وممارسة أبشع الانتهاكات فيها حتى قبل أن تخرج أخبار هذه الانتهاكات الى العلن".

وكان السودان دخل منتصف أبريل/نيسان 2023 في صراع مسلح بين أكبر مكوّنين عسكريين في البلاد بعد انهيار التحالف بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، صراع أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف ونزوح وتهجير خمسة ملايين و800 ألف شخص بحسب جلليان كيتلي، مديرة مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان في السودان، ناهيك عن انتشار جرائم اغتصاب لنساء في مدن وقرى سودانية عدّة.

عاشت سلام وأخواتها الثلاث عاما كاملا داخل الغرفة المغلقة من الخارج بجنزير حديدي وقفل كبير لتبدو غرفة مهجورة في حال اقتحام المنزل


Reuters
امرأة سودانية نازحة تستريح داخل مأوى في مخيم الزمزم، في شمال دارفور، السودان، في 1 أغسطس 2024.

حبس اختياري افضل من الاغتصاب

"حظنا كان سيئا جدا" تقول سلام: "تمركز مسلحون من الدعم السريع في محيط البيت، مما اضطر خاليّ إلى حبسنا في غرفة صغيرة في آخر المنزل، كانت الغرفة شبه منعدمة التهوئة ففيها نافذة واحدة صغيرة ومع انقطاع التيار الكهربائي بات الوضع جحيما حقيقيا".

يخيل إليك وأنت تسمع القصة أن ما يروى هو قصة لفيلم، بحسب وصف سلام، ولكن التفاصيل التي ترويها تجعلك تعود للواقع، حيث عاشت هي وأخواتها الثلاث عاما كاملا داخل الغرفة المغلقة من الخارج بجنزير حديدي وقفل كبير لتبدو غرفة مهجورة في حال اقتحام المنزل، وهو ما حدث في أحد الأيام "دخلوا بيتنا وفتشوه وانهالوا بالضرب على خاليّ وحتى جدتي العجوز لم تسلم من الضرب، أتذكر هذه اللحظة جيدا كما في الأفلام تماما، الغرفة المغلقة من الخارج بجنزير حتى تبدو مهجورة كان فيها سريران فقط، نزلنا تحتهما وسددنا أفواهنا بأيدينا حتى صرنا لا نسمع أنفاسنا، حتى هذه اللحظة لا أعرف ما السبب في عدم دخول المسلحين إلى الغرفة لكن مرت تلك اللحظات علينا كأنها أيام".

بعد فترة من الحبس الاختياري لسلام وأخواتها في بيت جدتها استطاع والدها الدخول الى المنطقة والوصول إلى بيت الجدة وهو ما اعتبرته الأسرة معجزة كونه وصل سالما "عندها علمنا بسوء الوضع في الخارج، وتصميم والدي وخاليّ على حبسنا في الغرفة كان ناتجا عما سمعوه عن حوادث إغتصاب سيدات وفتيات واختطافهن".

وبحسب سليمة إسحاق الخليفة مديرة "وحدة مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة والطفل في السودان"، ومعنية بمسائل حماية الفتيات والنساء، فإن "استخدام العنف الجنسي هو وسيلة واضحة استخدمتها قوات الدعم السريع، كلّ منطقة ظهرت فيها هذه الحالات بكثرة كانت من المناطق التي دخلتها تلك القوات وسيطرت عليها، ومعظم الحالات التي وقعت في الخرطوم حصلت في منازل الضحايا".

إسحاق شبهت لـ "المجلة" ما يحدث اليوم للنساء والفتيات في السودان بما حصل مع الأيزيديات مع تنظيم "داعش" في العراق "هناك نساء تم الاتجار بهم عبر الحدود وبيعهن، وهو أشبه بما حصل مع الأيزيديات في العراق" مشيرة إلى أن التهمة جاهزة "فلول ورافضين للدعم السريع، وبسبب ذلك حصل التهجير القسري، الخوف والرعب الأساسي من الدعم السريع هو الخوف من العنف الجنسي والاختطاف، هناك فتيات اخُطفن منذ مدة طويلة ولا يزلن مختطفات، ومصيرهن مجهول".

استخدام العنف الجنسي وسيلة واضحة استخدمتها قوات "الدعم السريع"، كلّ منطقة ظهرت فيها هذه الحالات بكثرة هي من مناطق سيطرتها

سليمة إسحاق الخليفة

 

AFP
نازحات سودانيات في طابور للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بمدينة القضارف الشرقية في 23 سبتمبر 2024.

ورقة الخروج

مرّ عام كامل وسلام وشقيقاتها لا يزلن في تلك الغرفة "كان والدي يأتي كل فترة باحتياجاتنا وبالأخص الشهرية منها (احتياجات الدورة الشهرية)، يخبئها داخل الملابس، كل هذه حتى لا تشعر هذه القوات المتواجدة بالخارج بأن هناك فتيات هنا، عام كامل ونحن محبوسات في الغرفة لا نخرج الا للضرورة، نخرج على رؤوس أصابعنا حتى لا يسمعنا من بالخارج، نسير كالطيف حتى لا يرونا" تخبرنا سلام أن المسلحين كانوا يتمركزون في الأبنية المحيطة بمنزل جدتها.

"كانت ورقة فوطة صحية التي كشفت أمرنا" تقول سلام، "ففي تمام الساعة العاشرة صباحا داهمت قوة من الدعم السريع منزل جدتي، ذهب خالي وفتح الباب فضربوه وأزاحوه عن الطريق، كانوا مصرّين على أن هناك فتيات في المنزل، كان الهرج والمرج والصراخ سيد الموقف ولم يتوقف كل هذا حتى سمعنا صوت إطلاق نار، نعم لقد كان خالي من قتلوه، وهو يدافع عنا".

انسحب المسلحون بعد مقتل خال سلام لتخرج الأسرة بعد ذلك من المنزل، حيث قام أفرادها بدفن الرجل أمام المنزل على عجل وغادروا المنطقة، "لم أشعر أني أرى الحياة إلا عند خروجنا من الخرطوم" تقول سلام.

Reuters
سفيرة النيات الحسنة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كيت بلانشيت تلتقي بالطلاب اللاجئين خلال زيارة لمخيم غوروم للاجئين في جنوب السودان، في 10 يوليو 2023.

وكان ممثل "صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان" محمد الأمين، صرّح في وقت سابق أن "حوالي 7 ملايين امرأة وفتاة في السودان يتعرض لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. الجرائم- ومنها الاغتصاب الجماعي- تكرّرت وستمتدّ آثارها على الأفراد والمجتمع لسنوات طويلة".

وكانت "وحدة مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة والطفل في السودان"، وثقت ما مجموعه 191 حالة اغتصاب منها 34 حالة تحت سن الـ  18، من بينها أطفال بعمر 10 و11 عاما.

وتقول سليمة إسحاق الخليفة وهي مديرة الوحدة في حديث لـ "المجلة": "لم يستثن أحد من عمر 60 و70 عاما وحتى عمر الطفولة، تعاملت مع حالات كثيرة بشكل مباشر، أكثر من 50 ضحية بشكل مباشر حوّلت إلى مناطق فيها خدمات. تأمين خروج آمن لها".

وحول حالات الحمل التي تنتج عن عمليات الاغتصاب تقول إسحاق إنه لا يوجد إحصائيات رسمية حول حالات الحمل "تعاملت مع 8 حالات حصل لها حمل بعد الاغتصاب، 5 حالات تم الإجهاض والبقية ولدوا وسُلّم الأطفال للأسر البديلة لأن النساء الحوامل لا يريدن الأطفال".

7 ملايين امرأة وفتاة في السودان يتعرضن لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي 

محمد الأمين

AFP
عائلة نازحة سودانية تجلس خارج مأواها، في 26 يوليو 2004 في مخيم بردايج في الخارج من الجنينة، غرب دارفور.

اغتصاب جماعي

مغالبة دموعها تخبرنا "ن" ذات السبعة عشر ربيعا عن تعرضها "لاغتصاب جماعي من أفراد يرتدون زي الدعم السريع"، بحسب قولها.

ففي طريق عودتها من منزل صديقتها عصرا، وجدت "ن" عربة قتالية بها عدد من الجنود في الشارع، فحاولت مسرعة أن تغير طريقها باتجاه آخر، لكنها لشدة الخوف والرهبة كانت تشعر بأن قدميها ثقيلتان جدا والأرض تطوى تحتها، لسوء حظها فقد لمحها أحد المسلحين، مما جعلهم يلاحقونها حتى وصلوا إليها في الشارع الآخر. تصمت هنيهة كأنها تستدرك شيئا ما لتعاود الكلام، قائلة إنها لم تشعر سوى بانهيال العصي التي كانوا يحملونها على جسدها، وإن أحدهم اقتلع طرحتها وأصبح يمسكها من شعرها وبعدها تناوبوا على اغتصابها.

"هذه اللحظات كأنها سقطت من ذاكرتي" تقول "ن"، "لا أستطيع أن أذكر سوى والدتي وهي تقف أمام رأسي وتصرخ لأغيب عن الوعي مرة أخرى ثم أجد نفسي في المستشفى، يبدو أن أحدهم اخذني لمنزلي"، "ن" اليوم في بداية رحلة علاجها فهي تعاني من تهتكات حادة وآلام لا تستطيع بسببها حتى الوقوف عدا عن الصدمة النفسية التي تعانيها.

AFP
صورة التُقطت في 20 مارس 2024، تُظهر امرأة نازحة وأطفالها يجلسون في ظل كُشك من القش في مخيم في ولاية القضارف الجنوبية، للناس الذين فروا من ولايتي الخرطوم والجزيرة في السودان الذي يعاني من الحرب.

وقد نشرت منظمة العفو الدولية هي الأخرى شهادات عن نساء تعرضن للاغتصاب في السودان، حيث أفادت بقيام أفراد من قوات الدعم السريع باختطاف مجموعة مكونة من 24 امرأة وفتاة، اقتادوهن إلى فندق في نيالا حيث احتجزوهن لعدة أيام تعرَّضن خلالها للاغتصاب على أيدي عدة مسلحين، في ظروف ترقى إلى العبودية الجنسية.

"تعرَّضت عشرات النساء والفتيات، وبعضهن لا تزيد أعمارهن عن 12 عاما، للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، بما في ذلك الاغتصاب، على أيدي أفراد الأطراف المتحاربة، وبالأساس أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها"، تفيد المنظمة وتذكر أن معظم الضحايا سودانيات، لكن بعضهن من مواطني بلدان أخرى، وقد تعرَّضن للاختطاف والعنف الجنسي داخل منازلهن أو أثناء خروجهن بحثا عن الطعام أو غيره من الضروريات.

 قمنا بتوثيق ورصد 244 حالة اغتصاب واغتصاب جماعي، وتوصلنا حتى الآن إلى رصد ومتابعة 14 حالة حمل غير مرغوب فيه نتيجة للاغتصاب الجماعي


المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي

وكانت "المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي" ذكرت أن حالات الحمل الإجباري وغير المرغوب به نتيجة متوقعة للاغتصاب الممنهج الذي ظل يحدث في السودان خلال العام الماضي، "قمنا بتوثيق ورصد 244 حالة اغتصاب واغتصاب جماعي، وتوصلنا حتى الآن إلى رصد ومتابعة 14 حالة حمل غير مرغوب فيه نتيجة للاغتصاب الجماعي، وهي في تقديرنا نسبة ضئيلة من الأرقام الحقيقية، نظرا إلى صعوبة الحصول على المعلومات لتعثر شبكات الاتصال وخطورة الطرق السفرية والتدهور المريع في الأوضاع الأمنية".

وذكرت المبادرة أن ضحايا الاغتصاب يتعرضن إلى عواقب صحية ونفسية خطيرة بما في ذلك الانتحار، "رصدنا 7 حالات انتحار من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار".

font change

مقالات ذات صلة