تواجه إيران بلا شك أعظم أزمة لها منذ الثورة عام 1979، وذلك عقب قرارها بشن هجوم صاروخي باليستي هائل ضد إسرائيل ردا على اغتيال زعيم "حزب الله"، حسن نصرالله.
وفي تصعيد كبير للأعمال العدائية بين طهران وتل أبيب، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، مما دفع الإسرائيليين إلى البحث عن الحماية في الملاجئ المقاومة للقنابل. وقد شوهدت الصواريخ وهي تدخل الأجواء الإسرائيلية، من تل أبيب إلى القدس.
وصرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأميرال البحري دانييل هاغاري، بأن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعترضت الكثير من الصواريخ، على الرغم من أن بعضها سقط في جنوب ووسط إسرائيل. كما ساهمت أنظمة الدفاع الجوي الأميركية في التصدي لهذه الصواريخ، ولم يسجل سوى حالة وفاة واحدة في الضفة الغربية.
ومع ذلك، يشكل هذا الهجوم استفزازا كبيرا لإسرائيل، حيث سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى التعهد بالانتقام، قائلا إن طهران "ستدفع ثمنا غاليا". وصرح في بيان صدر عقب الهجوم الذي وقع عشية (روش هاشناه) رأس السنة اليهودية: "النظام الإيراني لا يدرك مدى تصميمنا على الدفاع عن أنفسنا، لكنه سيفهم. سنلتزم بالقاعدة التي أسسناها: من يهاجمنا، سنهاجمه".
من جانبها، أدانت إدارة بايدن الهجوم الذي زعمت إيران أنه جاء ردا على اغتيال زعيم "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران في أغسطس/آب، واغتيال حسن نصرالله مؤخرا في بيروت، وهما العمليتان اللتان حملت إيران مسؤوليتهما لإسرائيل.
وصرح وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في بيان مقتضب بعد الهجمات قائلا: "القوات الأميركية في الشرق الأوسط اعترضت عدة صواريخ أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل"، واصفا الهجوم بأنه "عمل عدواني شنيع من إيران".
وقد أثار الهجوم الإيراني مناقشات حادة داخل إسرائيل وبين الحكومة الإسرائيلية وحلفائها الرئيسين، مثل الولايات المتحدة، حول طبيعة الرد الإسرائيلي. وكان أبرز المخاوف هو الخوف من اندلاع حرب شاملة في المنطقة إذا كان الرد الإسرائيلي شديدا.
أثار الهجوم الإيراني مناقشات حادة داخل إسرائيل وبين الحكومة الإسرائيلية وحلفائها الرئيسين، مثل الولايات المتحدة، حول طبيعة الرد الإسرائيلي
وفي أبريل/نيسان الماضي، عندما شنت إيران أول هجوم مباشر بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ردا على هجوم استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، جاء الرد الإسرائيلي مدروسا عبر غارة جوية استهدفت منشأة رادار قرب أصفهان.
ولكن مع توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية ضد مسلحي "حزب الله" المدعومين من إيران في جنوب لبنان، تتزايد المخاوف من أن الإسرائيليين يخططون لهجوم أكثر شمولا ضد إيران، يشمل أهدافا محتملة مثل المنشآت النووية والنفطية في البلاد.
لا شك أن اغتيال نصرالله ونائبيه في لبنان دفع كثيرا من الشخصيات البارزة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى اعتبار أن إزالة قيادة "حزب الله" تمثل فرصة لإعادة تشكيل التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط. وكما قال رئيس "الموساد" السابق بعد مقتل نصرالله، فإن إسرائيل أمام "فرصة لا ينبغي تفويتها"، وهي فرصة ستتعزز بشكل أكبر إذا نجحت إسرائيل في توجيه ضربة قاصمة للنظام في إيران.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مسؤولين عربا يعتقدون أن إسرائيل أرسلت رسائل واضحة إلى إيران، تفيد بأنها سترد على أي هجوم يستهدف أراضيها، بغض النظر عن حجمه أو عدد ضحاياه، مع احتمال استهداف المنشآت النفطية والنووية الإيرانية.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضغوطا داخلية كبيرة لشن ضربة حاسمة ضد طهران، حيث دعا رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، بلاده إلى اغتنام الفرصة لتدمير قدرات إيران النووية.
وفي تصريحات له عبر منصة "إكس" بعد الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة، قال بينيت: "ارتكبت القيادة الإيرانية، التي كانت بارعة في لعبة الشطرنج، خطأ فادحا الليلة. علينا أن نتحرك الآن لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ومنشآت الطاقة الرئيسة، وشل هذا النظام الإرهابي بشكل نهائي".
التصعيد الأخير في التوترات بين إسرائيل وإيران يضع القيادة الإيرانية في موقف حرج، قد يهدد مستقبلها. وقد انعكست المخاوف من أن يستخدم النشطاء المناهضون للنظام هذه الأزمة لتكثيف الضغط على الحكومة في تعليمات أصدرها "الحرس الثوري" الإيراني، حث فيها الإيرانيين على عدم نشر منشورات مؤيدة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي.
وجاء في بيان صادر عن الجناح الاستخباراتي لـ"الحرس الثوري" الإيراني، في وقت مبكر من يوم الأربعاء في طهران: "إن أي نشاط يدعم النظام الصهيوني يُعد جريمة، وسيجري التعامل مع المجرمين بحزم".
إن اضطرار النظام الإيراني إلى تحذير مواطنيه من دعم إسرائيل، عدوهم المعلن، هو مثال واضح على الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها النظام، وهو موقف حاول آيات الله تجنبه منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وقد سعت إيران، قبل اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله، إلى الحفاظ على مسافة تفصلها عن الصراع بين إسرائيل ووكلائها، مثل "حماس" و"حزب الله" و"الحوثيين" في اليمن. إلا أن النجاح العسكري الإسرائيلي، خاصة ضد "حزب الله" في جنوب لبنان، لم يترك لطهران أي خيار سوى الانخراط المباشر في النزاع، وهو تطور قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبل النظام.
ورغم التحذيرات السابقة من أن إسرائيل تحاول استدراج إيران إلى حرب مباشرة، أدرك الإيرانيون بعد اغتيال نصرالله، أحد أقرب حلفاء طهران وأكثرهم نفوذا، أنه لم يعد أمامهم خيار سوى الرد.
وعرض مقطع فيديو نشره "الحرس الثوري" الإيراني صورا للقائد العام حسين سلامي، وهو يأمر بالضربات، مبررا الهجوم بقوله: "بإذن الله، وانتقاما لدماء إسماعيل هنية في طهران، وللاعتداء على سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولما ارتكبه هذا النظام الإجرامي من فظائع أدت إلى استشهاد القادة والزعيم العظيم لـ(حزب الله)، نبدأ عملية (الوعد الحق-2)".
وتسعى إيران إلى وضع حد للصراع بعد الهجمات، حيث صرح مسؤولون إيرانيون بأن الضربات الصاروخية على إسرائيل قد انتهت ما لم تحدث استفزازات إضافية. وأوضح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في منشور على منصة "إكس" صباح الأربعاء: "تحركنا انتهى ما لم يقرر النظام الإسرائيلي استدعاء مزيد من الرد. وفي هذه الحالة، سيكون ردنا أقوى وأكثر حزما".
لكن هذا قد يكون مجرد تفاؤل من جانب النظام الإيراني، إذ يرى كثيرون في إسرائيل أن نجاحهم ضد "حزب الله" في لبنان يمثل فرصة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بطريقة قد تمهد لعصر جديد من السلام والاستقرار في المنطقة.