المناظرة "النائب-رئاسية"... وولز وفانس اللذان تفوقا على رئيسيهما

نقاش مهذب ومعقول للقضايا العامة التي تهم البلد

اكسيل رانغيل غارسيا/المجلة
اكسيل رانغيل غارسيا/المجلة

المناظرة "النائب-رئاسية"... وولز وفانس اللذان تفوقا على رئيسيهما

"في الحقيقة أنا أتفق مع تيم وولز، ينبغي أن نتخلص من هذه الفكرة. إن شراء منزل مجرد شأن بضاعي تجاري [متاح للموسرين ماديا]"...

"أتفق مع كثير مما قاله السيناتور فانس حول ما يحدث [بخصوص ضرورة توفير الرعاية الطبية المتعلقة بالإجهاض]...

في مناظرتهما على امتداد ساعة ونصف، تبادل نائبا المرشحين الرئاسيين، تيم وولز وجي دي فانس، الكثير من تعبيرات الاتفاق هذه أحدهما مع الآخر، بخصوص قضايا كثيرة كالإجهاض والاستخدام الآمن للبنادق والإسكان والاقتصاد، مع تأكيدهما على الاختلاف مع السياسة التي تتبناها حملة الخصم، وانتقادهما المفهوم لصاحب التكتل الانتخابي.

كان لافتا على امتداد المناظرة "النائب-رئاسية" هدوء الرجلين وتهذيبهما في التعبير عن الاختلاف وفي عرض آرائهما، بعكس مناظرة رئيسيهما، كامالا هاريس ودونالد ترمب، التي ساد فيها روح الهجوم الشخصي على الخصم ومحاولة استفزازه لاستنفار الأسوأ فيه على شاشة التلفزيون.

استعادت مناظرة الرجلين التلفزيونية حسا تقليديا يتشكى الناخبون الأميركيون كثيرا من غيابه منذ سنوات، على أثر دخول ترمب حلبة الصراع الانتخابي في 2016 بخصوص معنى المناظرات الانتخابية: نقاش مهذب ومعقول للقضايا العامة التي تهم البلد يختلط فيه الترويج السياسي بالحقائق والأرقام، بعيدا عن الشخصنة المبالغ بها التي طبعت معظم المناظرات في السنوات الأخيرة..

وفي انعكاس واقعي للأحداث الراهنة المؤثرة، بدأت المناظرة، على نحو غير مألوف، بالسياسة الخارجية التي تُعد من الاهتمامات القليلة الأهمية للناخب الأميركي وتأتي قضاياها غالبا في نهاية المناظرات: القصف الصاروخي الإيراني ضد إسرائيل الذي كان قد انتهى قبل ساعات قليلة من بدء المناظرة. تجاوز فانس الجمهوري وولز الديمقراطي بسرعة نقطة اتفاقهما التي تمثل إجماعا جمهوريا-ديمقراطيا تقليديا بخصوص دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، ليصلا إلى نقطة خلافهما المتعلقة بإيران. اتهم فانس الإدارة الديمقراطية بالتراخي إزاء إيران، قائلا: "بفضل إدارة كامالا هاريس حصلت إيران على 100 مليار دولار من الأموال التي رُفع التجميد عنها. في أي شيء ينفق الإيرانيون هذه الأموال؟ يستخدمونها لشراء الصورايخ التي يطلقونها الآن ضد حلفائنا، ولا سمح الله، يمكن لهم أن يطلقونها ضد الولايات المتحدة".

في ثنايا هذا الاتهام الفاقد للدقة، تكمن الصعوبة التي واجهها فانس على امتداد معظم المناظرة: ربط كامالا هارس، النائبة الرئاسية في البيت الأبيض منذ 2021 التي ليس بيدها القرار، بسجل أفعال وقرارات "سلبية" هي لم تكن جزءا منها. فالمئة مليار دولار التي رفع التجميد عنها، كانت في عهد الرئيس باراك أوباما، وبدعم شركاء أميركا الأوروبيين، فضلا عن الصين وروسيا، في إطار التزام أميركا القانوني بتنفيذ الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته في 2015.

انتقاد وولز لترمب بخصوص إيران كَرر موقفا ديمقراطيا تقليديا هو الآخر ويتعلق بخطأ الخروج من الاتفاق النووي وتأطير هذا الخروج على أنه دليل على فوضى التفكير واتخاذ القرار لدى ترمب

الرقم الحقيقي للأموال التي رُفع التجميد عنها في عهد هاريس كنائبة للرئيس بايدن، في عام 2023 تحديدا، هو 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المودعة لدى كوريا الجنوبية. كان رفع التجميد هذا مقابل إطلاق سراح 5 أميركيين من أصول إيرانية كانت تحتجزهم الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، لم تذهب هذه الأموال لإيران، بل وضعت لدى قطر في حساب مصرفي كي تنفق منها إيران، تحت رقابة أميركية، لشراء مواد طبية وغذائية وإنسانية فقط، وليس لشراء أسلحة كما قال فانس (مؤخرا صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنه لم يُنفق لحد الآن دولار واحد من هذا الحساب)..

انتقاد وولز لترمب بخصوص إيران كَرر موقفا ديمقراطيا تقليديا هو الآخر ويتعلق بخطأ الخروج من الاتفاق النووي وتأطير هذا الخروج على أنه دليل على فوضى التفكير واتخاذ القرار لدى ترمب. بهذا الصدد اتهم وولز ترمب بأنه قوة تنشر الفوضى: "كان لدينا تحالفُ دولٍ قَيَّد برنامجَ إيران النووي ومنعها من التقدم فيه، ثم جاء ترمب ليسحب أميركا من هذا البرنامج من دون أن يأتي ببديل له. ولذلك إيران اليوم أقرب للحصول على سلاح نووي مما كانت عليه سابقا بسبب القيادة المزاجية لترمب. وعندما أسقطت إيران طائرة أميركية في الأجواء الدولية، قام ترمب بكتابة تغريدة لأن هذا هو الفهم السائد لديه بخصوص إدارة السياسة".

 لم يخلُ اتهام وولز من بعض التضليل أيضا، فحديثه عن الطائرة الأميركية التي أسقطها الإيرانيون يعطي انطباعا بحصول كارثة بشرية، لكن إشارته كانت لحادثة مختلف عليها تتعلق بطائرة درون، عندما أسقطت إيران في 2019 طائرة تجسس أميركية دون طيار، اتهمت طهران أميركا بإرسالها للتجسس عليها (قال الإيرانيون وقتها إن الطائرة دخلت المجال الجوي الإيراني، فيما أصر الأميركيون على أنها كانت تحلق في الأجواء الدولية فوق مضيق هرمز).

على هذا النحو مضت معظم المناظرة: هجوم وولز على ترمب الذي بدأ في الدقيقة الأولى من كلامه في المناظرة عبر إظهاره شخصا متقلبا وفاقدا للقدرة على السلوك الرئاسي الحكيم، وعاجزا عن الدفاع عن المصالح الأميركية، حتى باستخدام حجة العمر التي كان الجمهوريون، إلى وقت قريب، يستخدمونها ضد بايدن قبل انسحابه من الترشح الرئاسي: "إن دونالد ترمب البالغ من العمر نحو 80 عاما تقريبا المأخوذ بالحديث عن حجم الجمهور الذي يحضر في خطاباته ليس ما نحتاجه في هذه المرحلة... حتى الذين كانوا الأقرب لدونالد ترمب يفهمون مقدار خطورته.. لقد قال رئيس هيئة موظفيه، جون كيلي، إنه الإنسان الأكثر أخطاء الذي التقاه في حياته. ووزيرا دفاعه ومستشاراه للأمن القومي قالوا إنه ينبغي أن لا يقترب من البيت الأبيض بأي حال من الأحوال. بل حتى الشخص الأقرب إليه الآن قال إنه ليس مناسبا لتولي المنصب الأعلى في البلد. كان هذا هو السيناتور فانس". وكانت هذه الإشارة الأخيرة تذكيرا للجمهور بأن فانس نفسه كان ناقدا شرسا لترمب في السابق قبل أن يتحول لتأييده. 

على امتداد قضايا النقاش في المناظرة من السياسة الخارجية إلى الإجهاض والتغير المناخي والهجرة والاقتصاد، كان وولز يناقش السياسات الجمهورية عبر ترمب الشخص، ليظهر هذا الأخير شخصا أنانيا ونزقا قصير النظر لا يمكن ائتمانه على إدارة البلد.

وعلى الجانب الآخر، كان فانس يرد هذه الهجمات ببراعة متمرسٍ يشوبها تهذيب عال، إذ كان الرجل يستوعبها من خلال تجنب الحديث عن شخصية ترمب، والتركيز بدلا من ذلك على سياساته وآثارها، حتى في شرح انتقاداته القوية السابقة له "لقد اختلفت مع الرئيس [ترمب]، لكني أيضا كنت منفتحا إلى الحد الأقصى بالإقرار بأنني كنتُ مخطئا بخصوص دونالد ترمب. كنتُ على خطأ، لأني، أولا وقبل كل شيء، صَدَّقتُ بعض التقارير الإعلامية التي ظهر تاليا أنها عبارة عن أكاذيب افتُعلت عن قصد حول سجله. لكن الأهم من ذلك هو أن دونالد ترمب قدم إنجازات للشعب الأميركي: ارتفاع الأجور وتخفيض الضرائب الذي يفيد العمال، واقتصاد يخدم مصالح الأميركيين العاديين، وحدود جنوبية آمنة". اختصرت مثل هذه الأجوبة المباشرة نقاط َ قوة حملة ترمب: الاقتصاد والضرائب والهجرة، فضلا عن موضوع ترمب المفضل بلوم كل شيء سلبي بخصوصه على إعلام يستهدفه اعتاد الرجل على شيطنته عبر نعته بعبارته المشهورة "الإعلام المزيف" (Fake News).

قد يقود شح المناظرات الرئاسية إلى منح مناظرة النائبين المجتهدين ميزة جديدة تجعلها مؤثرة مقارنة بالمناظرات "النائب-رئاسية" في السنوات الانتخابية الماضية

الحكمة السائدة بخصوص المناظرات "النائب-رئاسية" أنها لا تؤثر في القرارات التصويتية للناخبين، فضلا عن أن نسبة متابعتها بين الجمهور العادي أقل من متابعة المناظرات الرئاسية. فحسب إحصاء أُجري بهذا الصدد على أساس مراجعة المناظرات الرئاسية و"النائب-رئاسية" منذ عام 2008 حتى عام 2020، ظهر أن عدد الذين يتابعون المناظرات الرئاسية، كمعدل عام، يبلغ 65.7 مليون شخص فيما كان حظ المناظرات "النائب-رئاسية" في حدود 54.1 مليون شخص.

وفي ظل انتخابات تنافسية جدا كالتي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تشير استطلاعات الرأي إلى تقارب نتائجها، ويقع التفوق البسيط لأحد المرشحين على منافسه ضمن هامش الخطأ، يمكن لمناظرة "نائب-رئاسية" في ظروف حادة كهذه أن تصنع فارقا حاسما بين الفوز والخسارة.

أ.ف.ب
المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس (إلى اليسار) وحاكم ولاية مينيسوتا والمرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس تيم وولز في المناظرة التي استضافتها شبكة سي بي إس نيوز

تدعم هذا الافتراض حقيقة أخرى في هذا العام الانتخابي الساخن: شح المناظرات الانتخابية الرئاسية، إذ جرت مناظرة واحدة بين المرشحين الرئيسين الديمقراطي والجمهوري، هارس وترمب، بدلا من الثلاث مناظرات المعتادة. وقد يقود هذا الشح إلى منح مناظرة النائبين المجتهدين ميزة جديدة تجعلها مؤثرة مقارنة بالمناظرات "النائب-رئاسية" في السنوات الانتخابية الماضية.

ليس صعبا الانتباه إلى أن أداء النائبين الرئاسيين، وولز وفانس، في مناظرتهما "النائب-رئاسية" كان أفضل بكثير من أداء رئيسيهما في مناظرتهما الرئاسية اليتيمة، لجهة التركيز والانضباط وتناول القضايا، والاستعداد للعمل مع الطرف الآخر، حتى مع ضخهما جرعة دعائية قوية في دفاعهما عن المرشحين الرئاسيين اللذين ينوبان عنهما. 

لن تظهر جدوى اجتهاد الرجلين إلا في السادس من نوفمبر، إذا كان لمناظرتهما جدوى عملية في المقام الأول، بعيدا عن الالتزام بإمضاء تقليد انتخابي راسخ بخصوص إجراء مناظرة "نائب-رئاسية".

font change

مقالات ذات صلة