كان من بين أوائل القرارات التي اتخذتها حكومة حزب "العمال" الجديدة قرار إلغاء سياسة رواندا المثيرة للجدل التي تبنتها الإدارة السابقة. وجاءت تلك الخطوة بعد أن دعا حزب "المحافظين" إلى انتخابات عامة قبل تنفيذ السياسة بالكامل، فما كان ممكنا التنبؤ بما إذا كان تهديد ترحيل المهاجرين إلى أفريقيا عند وصولهم إلى سواحل مقاطعة كنت بالقوارب الصغيرة، سيمنعهم من القيام بالرحلة من فرنسا.
وقد يقول قائل إن دعوة ريشي سوناك إلى انتخابات مبكرة بدلا من الانتظار لمعرفة ذلك هي مؤشر كاف على أنها لم تكن لتنجح. وكان ذلك رأي رئيس الوزراء السابق، جون ميجور، الذي وصف السياسة بأنها مضللة، واعتبرها غير محافظة، بل وغير بريطانية، وأنها تستحق الفشل. وفي مقابلة مع "بي بي سي"، قارن ميجور هذه السياسة بالممارسات التاريخية لنقل المجرمين إلى الخارج، قائلا: "لقد كنا نفعل ذلك قبل ما يقرب من 300 عام حين كنا نرسل المذنبين، ولكن هؤلاء كانوا قد خضعوا للمحاكمة على الأقل. فنقل الناس لم يعد سياسة مناسبة في القرن الحادي والعشرين". كما عبّر عن انزعاجه من الهوس الحالي بقضية الهجرة، قائلا: "أشعر بعدم الارتياح الشديد تجاه الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الهجرة باعتبارها مشكلة. لم أوافق على ذلك أبدا". وأضاف أن الكثير من المهاجرين الذين يصلون بالقوارب الصغيرة يفعلون ذلك ببساطة لأنهم "غير متأكدين تماما إلى أين يذهبون."
ولكن هذه المواقف باتت الآن نادرة في خطاب "المحافظين" في الوقت الحاضر. خذ مثلا روبرت جينريك، أحد المتنافسين على خلافة ريشي سوناك كزعيم لحزب "المحافظين" المتقلص، الذي كان يركز بشكل كبير على الهجرة، وجادل بصفته وزير دولة لشؤون الهجرة في عام 2023، بأن طالبي اللجوء يجب أن يُسكنوا "في أبسط أنواع الإقامة الممكنة، بما في ذلك القواعد العسكرية المهجورة وربما على السفن"، لترغيب الناس عن السعي للجوء في المملكة المتحدة. ووسع في حديثه هذا في مجلس العموم قائلا: "يجب أن لا نضع رفاهية المهاجرين غير الشرعيين فوق رفاهية الشعب البريطاني."
واشتهر جينريك بتصريحاته حول مراكز استقبال الأطفال غير المصحوبين. كانت هذه المراكز تحتوي على جداريات لشخصيات ديزني مثل ميكي ماوس وبالو من كتاب "الأدغال"، فأمر جينريك بإزالة تلك الرسوم بهدف خلق بيئة أقل ترحيبا لهؤلاء الأطفال.
ويبدو أن هذه الخِسّة قد انتقلت إلى بعض الأفراد الذين آمنوا بفكرة أن البيئة العامة تجاه المهاجرين يجب أن تكون أقل ترحيبا، فبعد هزيمة "المحافظين" في الانتخابات العامة، حاصر بعض المتطرفين فندقا يُستخدم لإيواء المهاجرين وحاولوا إضرام النار فيه، ولعلهم كانوا يعتقدون أن تهديد الحريق قد يكون كافيا لثنيهم عن القدوم، بعد أن فشلت سياسة رواندا.
وقد يبدو غريبا أن يقوم رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر، نظرا إلى السرعة التي تخلص بها من سياسة رواندا، بعد ثلاثة أشهر فقط، بزيارة إيطاليا ويبديَ اهتماما كبيرا ومُعلنا بنهج جورجيا ميلوني في الحد من الهجرة. فميلوني، بعد كل شيء، بعيدة كل البعد عن اليسار، ومواقفها بشأن الهجرة ليست بعيدة عن تلك التي يتبناها روبرت جينريك، وهي التي اتخذت موقفا صارما من الهجرة غير الشرعية وجعلته جزءا أساسيا من رسائلها السياسية. وبين عامي 2016 و2018، كانت تتحدث كثيرا عن "الاستبدال العرقي"، وهي نظرية مؤامرة تُعرف أيضا باسم "الاستبدال الكبير"، والتي تشير إلى أن قوى غامضة تشجع الهجرة لاستبدال السكان الأصليين في إيطاليا بعمالة أجنبية منخفضة الأجر.