بريطانيا تُعيد قراءة تجربة "إخوة إيطاليا" في ملف الهجرة

اهتمام بالصفقة الألبانية لجورجيا ميلوني

أ.ف.ب
أ.ف.ب
جورجيا ميلوني وكير ستارمر خلال مؤتمر صحافي مشترك بعد لقائهما في إيطاليا

بريطانيا تُعيد قراءة تجربة "إخوة إيطاليا" في ملف الهجرة

كان من بين أوائل القرارات التي اتخذتها حكومة حزب "العمال" الجديدة قرار إلغاء سياسة رواندا المثيرة للجدل التي تبنتها الإدارة السابقة. وجاءت تلك الخطوة بعد أن دعا حزب "المحافظين" إلى انتخابات عامة قبل تنفيذ السياسة بالكامل، فما كان ممكنا التنبؤ بما إذا كان تهديد ترحيل المهاجرين إلى أفريقيا عند وصولهم إلى سواحل مقاطعة كنت بالقوارب الصغيرة، سيمنعهم من القيام بالرحلة من فرنسا.

وقد يقول قائل إن دعوة ريشي سوناك إلى انتخابات مبكرة بدلا من الانتظار لمعرفة ذلك هي مؤشر كاف على أنها لم تكن لتنجح. وكان ذلك رأي رئيس الوزراء السابق، جون ميجور، الذي وصف السياسة بأنها مضللة، واعتبرها غير محافظة، بل وغير بريطانية، وأنها تستحق الفشل. وفي مقابلة مع "بي بي سي"، قارن ميجور هذه السياسة بالممارسات التاريخية لنقل المجرمين إلى الخارج، قائلا: "لقد كنا نفعل ذلك قبل ما يقرب من 300 عام حين كنا نرسل المذنبين، ولكن هؤلاء كانوا قد خضعوا للمحاكمة على الأقل. فنقل الناس لم يعد سياسة مناسبة في القرن الحادي والعشرين". كما عبّر عن انزعاجه من الهوس الحالي بقضية الهجرة، قائلا: "أشعر بعدم الارتياح الشديد تجاه الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الهجرة باعتبارها مشكلة. لم أوافق على ذلك أبدا". وأضاف أن الكثير من المهاجرين الذين يصلون بالقوارب الصغيرة يفعلون ذلك ببساطة لأنهم "غير متأكدين تماما إلى أين يذهبون."

ولكن هذه المواقف باتت الآن نادرة في خطاب "المحافظين" في الوقت الحاضر. خذ مثلا روبرت جينريك، أحد المتنافسين على خلافة ريشي سوناك كزعيم لحزب "المحافظين" المتقلص، الذي كان يركز بشكل كبير على الهجرة، وجادل بصفته وزير دولة لشؤون الهجرة في عام 2023، بأن طالبي اللجوء يجب أن يُسكنوا "في أبسط أنواع الإقامة الممكنة، بما في ذلك القواعد العسكرية المهجورة وربما على السفن"، لترغيب الناس عن السعي للجوء في المملكة المتحدة. ووسع في حديثه هذا في مجلس العموم قائلا: "يجب أن لا نضع رفاهية المهاجرين غير الشرعيين فوق رفاهية الشعب البريطاني."

واشتهر جينريك بتصريحاته حول مراكز استقبال الأطفال غير المصحوبين. كانت هذه المراكز تحتوي على جداريات لشخصيات ديزني مثل ميكي ماوس وبالو من كتاب "الأدغال"، فأمر جينريك بإزالة تلك الرسوم بهدف خلق بيئة أقل ترحيبا لهؤلاء الأطفال.

ويبدو أن هذه الخِسّة قد انتقلت إلى بعض الأفراد الذين آمنوا بفكرة أن البيئة العامة تجاه المهاجرين يجب أن تكون أقل ترحيبا، فبعد هزيمة "المحافظين" في الانتخابات العامة، حاصر بعض المتطرفين فندقا يُستخدم لإيواء المهاجرين وحاولوا إضرام النار فيه، ولعلهم كانوا يعتقدون أن تهديد الحريق قد يكون كافيا لثنيهم عن القدوم، بعد أن فشلت سياسة رواندا.

وقد يبدو غريبا أن يقوم رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر، نظرا إلى السرعة التي تخلص بها من سياسة رواندا، بعد ثلاثة أشهر فقط، بزيارة إيطاليا ويبديَ اهتماما كبيرا ومُعلنا بنهج جورجيا ميلوني في الحد من الهجرة. فميلوني، بعد كل شيء، بعيدة كل البعد عن اليسار، ومواقفها بشأن الهجرة ليست بعيدة عن تلك التي يتبناها روبرت جينريك، وهي التي اتخذت موقفا صارما من الهجرة غير الشرعية وجعلته جزءا أساسيا من رسائلها السياسية. وبين عامي 2016 و2018، كانت تتحدث كثيرا عن "الاستبدال العرقي"، وهي نظرية مؤامرة تُعرف أيضا باسم "الاستبدال الكبير"، والتي تشير إلى أن قوى غامضة تشجع الهجرة لاستبدال السكان الأصليين في إيطاليا بعمالة أجنبية منخفضة الأجر.

ليس سرا أن لميلوني ماضيا يمينيا متطرفا، وفي شبابها دافعت حتى عن موسوليني

في أبريل/نيسان 2023، ردد جينريك أفكارا مماثلة عندما قال إن اللاجئين الذين يعبرون القناة الإنكليزية "يلتهمون" المجتمعات من خلال جلب "أنماط حياة وقيم مختلفة"، مما يؤدي، كما يزعم، إلى تقويض "التماسك الثقافي". وأردف أن "للأمة الحق في الحفاظ على نفسها". ولفهم من المقصود بآكلي لحوم البشر، يمكن النظر إلى أشخاص مثل دوغلاس موراي أو آخرين، مثل ريتشارد دوكينز، الذين لا يبرزون عادة خلفيتهم المسيحية. ومع ذلك، عندما يواجهون جماعات دينية يرونها أقل قبولا، وخاصة المسلمين، يبرزون فجأة ارتباطهم بالثقافة المسيحية كوسيلة للدفاع عن الهوية الغربية. ولتوضيح من المقصود بأولئك الذين يلتهمون المجتمعات الأوروبية، يمكن الرجوع إلى آراء أشخاص مثل دوغلاس موراي أو آخرين اكتشفوا، مثل ريتشارد دوكينز، مدى "مسيحيتهم الثقافية" عند مواجهة جماعات دينية توحيدية أقل قبولا.

ولا مراء في أن جون ميجور كان شديد المثالية حين جادل بأن معارضة الهجرة "غير محافظة وغير بريطانية"، بل أضاف– "إذا تجرأ المرء على قول ذلك في مجتمع علماني"– أنها غير مسيحية أيضا. لقد عبرت جورجيا ميلوني عن آراء مماثلة في الماضي، رغم أنها تخفف من حدة خطابها الآن. وقد صرحت بأن إيطاليا لا تريد مهاجرين من أفريقيا، وخاصة المسلمين. وكما قالت ميلوني: "كل دولة لها الحق في اختيار الهجرة التي تتوافق أكثر مع ثقافتها. في فنزويلا، هناك ملايين من الناس يتضورون جوعا– وهم مسيحيون، وغالبا من أصول إيطالية، فإذا كنا بحاجة إلى مهاجرين، فلنأخذهم من فنزويلا إذن."

دفاعا عن موسوليني

ليس سرا أن لميلوني ماضيا يمينيا متطرفا، وفي شبابها دافعت حتى عن موسوليني. في عام 1996، وهي في التاسعة عشرة من عمرها فقط، أجرت مقابلة على التلفزيون الفرنسي قالت فيها: "كان موسوليني سياسيا محنكا، وقد فعل ما فعل من أجل مصلحة البلاد، على عكس السياسيين في الخمسين عاما الماضية."

ويستمد حزب ميلوني السياسي (إخوة إيطاليا) اسمه من كلمات النشيد الوطني الإيطالي، الذي تقول كلماته:

"يا إخوة إيطاليا،

ها إيطاليا قد استيقظت،

وعلى رأسها خوذة سكيبيو.

أين النصر؟

ليأتِ فينحني،

لأن الله جعله

خادما لروما."

مهاجرون غير قانونيين في قارب مطاطي عبر القنال الإنكليزي متجهين إلى دوفر على الساحل الجنوبي

إنه لأمر مثير. إن الأبيات الافتتاحية والختامية هي الأكثر تأثيرا وإثارة، حيث تثير مشاعر قوية وعزة وطنية. ومع ذلك، فإن الجزء الأوسط درامي للغاية أو مبالغ فيه في تعبيره، وهو ما لا يروق لذوقي الشخصي. ومع ذلك، أشجع أي شخص مهتم بالأناشيد الوطنية أن يستمع إليه. أنا أستمتع بشكل خاص بالطريقة التي تُغنى بها الكلمة الأخيرة، "Si" [نعم]، بحماسة كبيرة. ولذلك لا أستغرب أن ينهي جيمس جويس، الذي عاش لفترة في ترييستي، روايته الأشهر "يوليسيس" بكلمة ""Si، على الرغم من اختلاف دلالة "نعم" في الحالتين اختلافا صارخا.

وأعلن أحد شعارات حملة "إخوان إيطاليا" الانتخابية: "نحن ندافع عن الله والوطن والعائلة"، وهو الشعار الذي اتخذه موسوليني شعارا لحملته، وقد استقبلته الصحافة اليسارية في إيطاليا باستياء. ولكن ميلوني حريصة على الإشارة إلى أن هذا الشعار صاغه أساسا جوزيبي مازيني، أحد الآباء المؤسسين لإيطاليا في زمن توحيدها في القرن التاسع عشر. ولعل إمكانية قراءتها بطريقتين- إما كتعبير عن القومية الديمقراطية أو كصدى للفاشية– هي نموذج لدرجة معينة من الغموض الذي تحب ميلوني الحفاظ عليه، والذي يطلق عليه منتقدوها "doppiezza" أو الازدواجية.

عبرت جورجيا ميلوني عن آراء مماثلة في الماضي، رغم أنها تخفف من حدة خطابها الآن. وقد صرحت بأن إيطاليا لا تريد مهاجرين من أفريقيا، وخاصة المسلمين

يعتقد ألكسندر ستيل أن "ميلوني تتمتع، في الوقت الحالي، بكلا الأمرين: فهي معتدلة في السياسة الاقتصادية والخارجية، ويمينية في قضايا مثل الهجرة وسياسة الأسرة، وتعمل بجد لإغلاق الهجرة غير الشرعية وقمع محاولة الأزواج المثليين تبني الأطفال. إنها ترى نفسها مدافعة عن إيطاليا ضد التأثيرات التآكلية والمتجانسة للرأسمالية العالمية، والبيروقراطية المفرطة النشاط في الاتحاد الأوروبي، والقيم العلمانية والهجرة الفوضوية". (ألكسندر ستيل في "الغارديان"، 19 سبتمبر/أيلول 2024).

داخليا، تُعرف ميلوني بأسلوبها المباشر والبسيط. فهي غالبا ما تلجأ إلى لهجة أهل روما لتوضيح وجهة نظرها، ونادرا ما تخفي مشاعرها، سواء كانت تبتسم بسعادة، كما فعلت عندما استقبلت وفد حزب "العمال"، أو تبدو منزعجة بوضوح، كما حدث عندما عبست في وجه إيمانويل ماكرون خلال قمة للاتحاد الأوروبي. وقد لا يتماشى أسلوبها الصريح دائما مع التكتيكات السياسية المزدوجة، ولكنْ على الرغم من ميل السياسيين للتناقض الذاتي أو اتخاذ مواقف غير متسقة، فإن ما يميزها هو الكاريزما التي تتمتع بها، ولديها– للحق– الكثير منها، وهذه الصفة النادرة تميزها عن كثير من السياسيين الأوروبيين الآخرين، ما يمنحها مكانة متقدمة عليهم.

قالت ذات مرة: "أنا فخورة بأن معظم الناس ما زالوا ينادونني جورجيا. هذا أمر مهم جدا وغال على قلبي. لسنوات، سخر الناس من خلفيتي المتواضعة، كانوا يسمونني بائعة سمك، أو بائعة فواكه، أو فتاة الشارع، لأنهم يعتقدون أنهم متحضرون جدا. ما لم يفهموه أبدا هو أنني فخورة بكوني امرأة من الشعب."

أعجب ستارمر بنجاح إيطاليا في تقليص أرقام المهاجرين "غير النظاميين" بنسبة 60 في المئة

أين يقع رئيس الوزراء البريطاني الجديد، إذن، في هذا كله؟ إن كير ستارمر يفتقر إلى الكاريزما لدرجة قد يتساءل معها المرء عما إذا كان ذهابه لزيارة ميلوني ليست سوى محاولة لكي تنتقل بعض هذه الكاريزما إليه. وكانت نظيرته الإيطالية حريصة على التأكيد على أن البريطانيين مهتمون جدا بصفقتها مع ألبانيا، ولعلها في ذلك على حق. فمن دون أن ينكر ذلك، أرجع ستارمر اهتمامه المفاجئ إلى "برغماتية" بريطانيا. وقال إنه أعجب بإحراز إيطاليا لمثل هذا "التقدم الملحوظ" ونجاحها في تقليص أرقام المهاجرين "غير النظاميين" بنسبة 60 في المئة. في غضون ذلك، رفضت ميلوني الادعاءات بأن إيطاليا، حين فعلت ذلك، انتهكت حقوق الإنسان، ووصفتها بأنها تهمة "لا أساس لها من الصحة تماما."

والحق أن الصفقة الألبانية، وإن بدت صفقة ثنائية تماما، فقد تعرضت لانتقادات مستمرة من المعارضة باعتبارها سياسة باهظة الثمن وقاسية ولا معنى لها. وهي الكلمات المرتبطة نفسها التي استُخدمت في بريطانيا لوصف خطة إرسال اللاجئين إلى رواندا. والفكرة هي أخذ المهاجرين "غير النظاميين" من قواربهم وإرسالهم إلى ميناء في ألبانيا، حيث سيتم نقلهم إلى مركز لمعالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. إن أولئك الذين يعتبرون مستحقين للجوء سوف تتم إعادتهم إلى إيطاليا. أما أولئك الذين يعتبرون محض مهاجرين اقتصاديين فسوف يتم ترحيلهم. ولن يتم إرسال أي أشخاص معرضين للخطر- من الأطفال أو النساء الحوامل أو "أشخاص فروا من الاضطهاد"– إلى ميناء شينغجين، على بعد حوالي 45 ميلا إلى الجنوب من العاصمة الألبانية، تيرانا. أما الأقل حظا فسوف يصلون إلى مركز استقبال لم ينته بناؤه بعد. ويبدو أن أغلب المهاجرين البالغ عددهم 36 ألفا الذين تخطط إيطاليا لإرسالهم كل عام سوف يكونون من الرجال، وفي بعض الأحيان منفصلين عن أسرهم.

ستتمكن الحكومة الإيطالية من إبعاد المهاجرين عن الأنظار العامة، في حين تستفيد ألبانيا من دعم ميلوني في الضغط من أجل الحصول على عضويتها في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن ألبانيا تفتخر بضيافتها، في حين يبدو أن إيطاليا لا تفتخر بذلك.

وقد حظيت الاتفاقية بين إيطاليا وألبانيا بدعم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التي أشادت بها باعتبارها "مثالا للتفكير خارج الصندوق، القائم على تقاسم المسؤوليات بشكل عادل مع دول ثالثة."

بيد أن رد الفعل داخل إيطاليا كان أقل حماسة. فقد قدر ماتيو ماوري، عضو الحزب الديمقراطي المعارض، أن الصفقة ستكلف إيطاليا 653 مليون يورو على مدى السنوات الخمس الأولى، مقابل ما وصفه بعدد ضئيل من المهاجرين. وعلق ماوري قائلا: "إن الاتفاقية، إضافة إلى كونها عديمة الفائدة تماما وكونها مشكوكا فيها بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، فهي باهظة التكلفة أيضا". وزعم أن الأفضل هو أن تنفق تلك الأموال على تحسين مراكز المعالجة الحالية في إيطاليا.

ووصف ستيفانو مانسيرفيسي، أستاذ الحوكمة العابرة للحدود الوطنية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، الاتفاق بأنه "بناء على طراز الباروك"، أي إنه معقد للغاية، ويخلق نظامين منفصلين للتعامل مع المهاجرين. وهذا– في رأيه– يعيد إلى الأذهان الانتقادات المألوفة للازدواجية في التعامل (doppiezza) المألوف في إيطاليا، حيث "تزعم إيطاليا أن الهجرة يجب إدارتها على المستوى الأوروبي، ومع ذلك فإنها تزيل جزءا من هذه القضية من المناقشة الأوروبية. من ناحية، تقول إيطاليا إنها لا تتلقى سوى القليل من المساعدة من النظام الأوروبي، ومن ناحية أخرى، تنشئ نظاما لا يمكنه الاستفادة من الدعم الأوروبي."

يتفق المنتقدون عموما على أن الخطة أشبه ما تكون بحيلة دعائية. وعلى غرار مخطط رواندا، تسمح خطة ميلوني للحكومة الإيطالية بالظهور بمظهر استباقي. فلماذا إذن يُظهر الوزراء في حكومة حزب "العمال" برئاسة ستارمر "اهتماما" بمثل هذه الخطة المشكوك فيها وغير الإنسانية المحتملة؟ الواقع أنهم ربما لا يهتمون. كل ما في الأمر هو التركيز على انخفاض نسبة المهاجرين بنسبة 60 في المئة، وهو– بالمناسبة– انخفاض لا علاقة له بخطة لم يتم تنفيذها حتى الآن.

يتفق المنتقدون عموما على أن خطة روما لمكافحة الهجرة أشبه ما تكون بحيلة دعائية، وعلى غرار مخطط رواندا، يسمح مشروع ميلوني بالظهور بمظهر استباقي

السر الحقيقي في هذا الانخفاض يكمن في الصفقات السابقة التي أبرمتها إيطاليا وأوروبا مع موريتانيا وليبيا وتونس ومصر. وهذه الاتفاقيات، التي تنطوي على مبالغ كبيرة من المال، هي التي أدت إلى انخفاض الأعداد. ولكنها ليست صفقات ثنائية. فقد توصلت إيطاليا إلى اتفاق خاص بها مع خفر السواحل الليبي في عام 2017. أما بقية الاتفاقيات، فلم تكن روما طرفا إلا في واحد منها. أما الأموال فقد جاءت من الاتحاد الأوروبي ككل.

وعلى الرغم من وجود حكومة جديدة في بريطانيا وتهدئة أعمال الشغب العرقية، لا تزال مسألة الهجرة موضوعا محوريا في النقاش العام في بريطانيا. ومع ذلك، تغيرت اللغة المستخدمة في هذا السياق، فمنذ سقوط حكومة "المحافظين"، أصبح مصطلح "الهجرة غير النظامية" مفضلا على "الهجرة غير الشرعية". وتتركز المناقشات حول تفكيك قوة مهربي البشر، وتعزيز التعاون الأمني مع أوروبا، ومعالجة المشكلة "عند المنبع"- وهو التعبير الذي كثيرا ما يستخدمه وزير الخارجية ديفيد لامي.

وفيما تسعى ميلوني في إيطاليا إلى "تدويل" حدود بلادها، يبدو أن لامي يميل إلى الاستثمار في الدول التي يهرب منها المهاجرون، مثل تلك الموجودة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لتحسين الأوضاع هناك، على أمل تقليل دوافع الهجرة. ومع ذلك، ستكون هذه المهمة صعبة نظرا للتقشف المالي المتوقع في الميزانية المقبلة.

وفي الوقت عينه، شهدت أوروبا تحولا في المصطلحات ولكن في الاتجاه المعاكس، ودعا اليمين المتطرف في ألمانيا علنا إلى ترحيل ليس فقط طالبي اللجوء ولكن أيضا المواطنين الألمان من أصول أجنبية. وأبرز تقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومؤسسة الثقافة الأوروبية تزايد "بياض" السياسة في الاتحاد الأوروبي وارتفاع نسبة كراهية الأجانب. وأخذت أحزاب مثل "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) وحزب "ليغا" الإيطالي، أخذت تروج لـ"السرديات المعادية للمسلمين"، مما ساهم تدريجيا في تطبيع "رؤية عالمية معادية للأجانب."

وفي الوقت نفسه، تفيد تقارير من ألبانيا بأن مطعما جديدا للمأكولات البحرية قد افتتح في شنغين، الميناء الذي يصل إليه المهاجرون بعد محاولاتهم الفاشلة للوصول إلى إيطاليا. مالك المطعم، الذي تربطه علاقات وثيقة برئيس الوزراء الألباني إيدي راما، استأجر أحد أشهر الفنانين في البلاد، هيلدون هاليتي، لتزيين المكان بسبعين لوحة تصور شخصية وطنية إيطالية معروفة. في بعض اللوحات، تبتسم، وفي أخرى تبدو جادة أو غاضبة. وعلى الرغم من أن الفنان لا يشاركها وجهات نظرها السياسية، فإنه معجب بقوة بـ"شخصيتها المثيرة والقوية."

حسنا، ألسنا جميعنا كذلك؟ يبدو هذا المطعم في شنغين– واسمه "تراتوريا ميلوني"– المكان المثالي لمعجبيها الجدد من البريطانيين.

font change

مقالات ذات صلة