عُرف الفنان العراقي علاء بشير (1939) بالطبيب الرسام. لا لأنه درس الطب في الوقت نفسه الذي درس فيه الرسم فحسب بل وأيضا لأن حضوره في المجالين كان قويا للغاية، إلى درجة أن سؤالا من نوع "هل تفضله طبيبا ام تفضله رساما؟" لا ينطوي على قدر من الحيرة وسوء الفهم بقدر ما يعبر عن سذاجة في فهم المعنى الذي أراده بشير لحياته. وهو معنى سخي في عطائه، ممعن في شفافيته وعميق في اتصاله بالمبادئ الإنسانية.
رسوم بشير تكشف عن معرفة تفصيلية بالجسد البشري وهي معرفة لا تتصل إلا في جزء صغير منها بدرس التشريح الذي تلقاه حين دراسته للرسم، أما الجزء الأكبر فمستلهم من عشرات الالاف من العمليات الجراحية التي أجراها للجنود والمدنيين المصابين في الحرب. وإذا كان الجراح اشتهر بإعادة أعضاء مبتورة إلى أماكنها من خلال عمليات معقدة، فإن ذلك كان مصدرا لمعرفة مجاورة آخت بين الألم والأمل. تلك معرفة وجودية جعلته خبيرا بأسئلة تتحدى التفكير في الموت مندفعة في اتجاه شواطئ لا تُرى من فكرة العيش القلقة. ذلك ما أهّله لكي يكون الرسام السوريالي الوحيد في تاريخ الرسم الحديث في العراق. لقد رأى في عيون مرضاه وسمع في أنينهم وشمّ في روائحهم ما لم نره ونسمعه ونشمه من صور وأصوات وروائح في الحياة اليومية. جعلته تلك التجربة التي امتدت عبر أكثر من عقدين من الزمن، يقف في مكان بين الموت والحياة. ذلك كابوسه الذي ظل يرافقه في كل أرض وطئتها قدماه.
الرسم يقاوم الموت
قبل "المساومة القاسية" وهو عنوان معرضه الحالي الذي يقيمه في قاعة "المنتدى الهندي" بلندن، أقام علاء بشير قبل سنة في المكان نفسه معرضا نحتيا بعنوان "أفكار من تراب" كان بمثابة إعادة عرض لمعرض أقامه في بغداد في ثمانينات القرن العشرين كتب جبرا إبراهيم جبرا مقدمة دليله التي قال فيها "إن علاء بشير اجترح معجزة في تاريخ النحت الحديث بالعراق". في ذلك المعرض حول الفنان كوابيسه إلى مشاهد جسّدها بالطين لكي يثبت أن سورياليته كانت مستمدة من الواقع.