وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى

الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مقال في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية

وكالة الأنباء السعودية
وكالة الأنباء السعودية
جانب من مشاركة الأمير فيصل بن فرحان في جلسة لمجلس الأمن بنيويورك (واس)

وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى

في ظل المأساة المستمرة في غزة، من الضروري إدراك الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار. فدورة العنف المستمر يجب أن تنتهي. من السهل إشعال الحرب بينما تنزلق المنطقة إلى دورة تصعيد خطيرة. وتتطلب التهدئة وإيجاد طريق نحو سلام دائم وسط الخراب واليأس، شجاعةً وقيادةً. وقد حان الوقت للشروع في طريق لا رجعة فيه نحو الحل، الذي ينتهي بدولتين مستقلتين، فلسطينية وإسرائيلية، تعيشان جنبا إلى جنب.

لقد التزمت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة بالسعي لإيجاد حل عادل لهذا الصراع. وأكد ولي العهد محمد بن سلمان مؤخرا التزامنا بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وأكد أن "القضية الفلسطينية تتصدر اهتمامات المملكة العربية السعودية"، وأدان بشدة جرائم إسرائيل وتجاهلها للقانون الدولي. وستعمل المملكة العربية السعودية بلا كلل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون القدس الشرقية عاصمة لها، ولن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون تحقيق هذا الشرط. حيث إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو ما سيحقق العوائد التي نسعى إليها: الاستقرار الإقليمي، والاندماج، والازدهار.

إن حل الدولتين ليس مجرد حل مثالي، بل هو الطريق الوحيد القابل للتطبيق لضمان أمن فلسطين وإسرائيل والمنطقة على المدى الطويل. كما أن دورات التصعيد غير المنضبطة هي اللبنات الأساسية لحرب أوسع نطاقا، ونحن نشهد هذا بأعيننا في لبنان. لا يمكن بناء السلام على أساس الاحتلال والكراهية، فالأمن الحقيقي سيأتي لإسرائيل من خلال الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومن خلال تبني حل يسمح لكلا الشعبين بالتعايش بسلام، يمكننا تفكيك دائرة العنف التي أوقعت الطرفين في شَرَكها لفترة طويلة جدا.

حان الوقت للشروع في طريق لا رجعة فيه نحو الحل، الذي ينتهي بدولتين مستقلتين، فلسطينية وإسرائيلية، تعيشان جنبا إلى جنب

من الضروري أن نفهم أن العقبة الحقيقية أمام السلام ليست الفلسطينيين والإسرائيليين التوّاقين إلى الاستقرار والتعايش، بل المتطرفون ودعاة الحرب من كلا الجانبين، الذين يرفضون الحل العادل ويسعون لنشر هذا الصراع في منطقتنا وخارجها. ينبغي أن لا يحدد هؤلاء المتطرفون مستقبل شعوبنا أو يفرضوا الحرب عليهم. يجب أن تعلو أصوات الاعتدال فوق ضجيج الصراع، ومن مسؤوليتنا الجماعية ضمان أن تُسمع هذه الأصوات.

لقد شهدنا مثابرة السلطة الفلسطينية في الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية المحتلة، رغم العقبات المستمرة. ويجب دعم التزامها بعدم العنف والتعاون. ولا يمكن الوصول إلى حل دائم دون أن تكون غزة والضفة الغربية المحتلة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

في المقابل، أصبح من الواضح أن هدف إسرائيل في هذه الحرب يتجاوز الدفاع عن النفس. فالأعمال الجارية، بما في ذلك الهجمات على غزة- التي أودت بحياة أكثر من أربعين ألف شخص حتى الآن وشردت ما يقرب من مليوني إنسان– إلى جانب توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وفرض القيود على الحركة، تهدف إلى تقويض أي إمكانية لوجود كريم للفلسطينيين. وتؤدي هذه الأعمال إلى تآكل احتمالات قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وتصعيد التوترات، وتآكل الثقة، وجعل المفاوضات الدبلوماسية صعبة على نحو متزايد. ونتيجة لهذا فإن المعاناة على الجانبين تطول، الأمر الذي يدفع بالمنطقة إلى صراع أوسع نطاقا.

الحق في تقرير المصير غير قابل للتصرف، والشعب الفلسطيني يستحقه وجدير به. وقد عمل دبلوماسيونا، بالتعاون مع آخرين، بلا كلل من أجل تحقيق الاعتراف العالمي بفلسطين كدولة ذات سيادة

إن الحق في تقرير المصير غير قابل للتصرف، والشعب الفلسطيني يستحقه وجدير به. وقد عمل دبلوماسيونا، بالتعاون مع آخرين، بلا كلل من أجل تحقيق الاعتراف العالمي بفلسطين كدولة ذات سيادة. ولذلك، فإنني أحث الدول التي أعربت عن دعمها لهذا الأمر، لكنها لم تُعلن عنه، على التقدم خطوة إلى الأمام وتأييده علنا، فالآن هو الوقت المناسب للوقوف مع الجانب الصحيح من التاريخ.

ولكن الاعتراف وحده لا يكفي. يتعين علينا أن ندفع نحو المزيد من المساءلة بما يتماشى مع أحكام محكمة العدل الدولية. وهذا يشمل إنفاذ قرارات الأمم المتحدة، وتطبيق التدابير العقابية ضد أولئك الذين يقوّضون أسس الدولة الفلسطينية، وتوفير الحوافز لأولئك الذين يدعمونها.

وثمة اليوم تحالف عالمي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية داعم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف إطلاق النار الدائم، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، ومعالجة الأزمة الإنسانية في غزة. وسوف يعمل هذا التحالف على القيام بتدابير ملموسة تدعم القانون الدولي، وتنهي الاحتلال، وتضع جدولا زمنيا واضحا لتحقيق حل الدولتين.

إن الدولة الفلسطينية ليست نتيجة ثانوية للسلام، بل هي شرط أساسي لتحقيقه. وهذا هو المسار الوحيد القابل للتطبيق لكسر حلقة العنف وتمهيد الطريق لمستقبل يمكّن الإسرائيليين والفلسطينيين من العيش في سلام وأمن واحترام متبادل. ولم يعد بإمكاننا أن نتحمل المزيد من التأخير.

* نُشر مقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 2 اكتوبر/تشرين الأول 2024

font change

مقالات ذات صلة