تشنّ إسرائيل حربا شرسة ضد فلسطينيي الضفة وضمنها القدس، بالتوازي مع حرب الإبادة الوحشية التي تشنّها ضد فلسطينيي غزة منذ عام كامل بهدف ترويعهم، بمثال غزة، وفرض هيمنتها عليهم، وتعزيز الاستيطان في أرضهم، وترسيخ عزل مدنهم وقراهم ومخيماتهم بعضها عن بعض، وتضييق عيشهم في كل المجالات، مع سعيها إلى وأد فكرة الدولة الفلسطينية، علما أن تلك الحرب تتركز أكثر ضد مخيمات اللاجئين في الضفة (في جنين وطولكرم ونابلس) إلى حد محاولة تجريفها.
نجم عن ذلك قتل إسرائيل نحو 721 من فلسطينيي الضفة، وزجّ بحوالي 11 ألف منهم في المعتقلات، مع إبقائهم في حالة من التوتر، سيما مع زيادة اقتحام الجيش الإسرائيلي مدنهم وقراهم ومخيماتهم، وانتهاكاتها المتواصلة للمسجد الأقصى.
وما يكشف خطورة السياسات التي تنتهجها إسرائيل، حاليا، في الضفة الغربية، هو تشكيل المستوطنين المتدينين ميليشيا رسمية تعمل كذراع عسكرية للدولة، في ظل وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير، زعيم حزب "القوة اليهودية"، الصهيوني-الديني المتطرف.
معضلة فلسطينيي الضفة
لعل معضلة الفلسطينيين في الضفة، الذين اختبروا كل أشكال النضال، من الانتفاضات والهبات الشعبية إلى عمليات فدائية فردية، وهو أمر طبيعي في مواجهة الاحتلال والظلم والقهر، إنهم يخوضون كفاحهم بكل أشكاله، دون وجود كيان سياسي جامع، أو دون مرجعية سياسية، في حال الاختلاف والانقسام والتهتك السائدة في كياناتهم، مع افتقادهم لرؤية وطنية جامعة، حول الهدف الممكن، وغياب استراتيجية كفاحية ممكنة ومجدية، ويمكن الاستثمار سياسيا فيها، بحسب المعطيات العربية والدولية.
ناحية أخرى، فإن مشكلة الفلسطينيين في الضفة أن قيادتهم، وهي قيادة "المنظمة" و"السلطة" و"فتح"، لا تشتغل كقيادة لحركة تحرر وطني، بقدر اشتغالها كسلطة، ومع كل السلبيات التي تنجم عن ذلك، ما يؤدي إلى ضعضعة العلاقة بينها وبين شعبها. ويفاقم من ذلك تعمد إسرائيل قضم مكانة السلطة الفلسطينية، وعدم قيام الأخيرة بما عليها لتعزيز صمود شعبها، وتطوير مؤسساته، وضمن ذلك تجديد شرعيتها.
بيد أن كل ما تقدم في كفّة، وحقيقة ارتهان الضفة عمليا لإسرائيل في كفة ثانية، بحكم اعتمادها المطلق عليها في مواردها، من المياه والكهرباء والدواء والوقود، وحتى المعاملات المالية والمعابر، إضافة إلى إحكام إسرائيل سيطرتها الأمنية والإدارية على الفلسطينيين، ما يقيّد، بشكل موضوعي، أي تحرك لهم ضد سياساتها، أو يفرض عليهم التحسّب لكل ذلك جيدا، من كل النواحي، على نحو ما حدث سابقا، ومرارا، في الانتفاضات والهبات الشعبية.