هاريس تتقدم لكن ترمب لا يزال منافسا قوياhttps://www.majalla.com/node/322449/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%AA%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85-%D9%84%D9%83%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3%D8%A7-%D9%82%D9%88%D9%8A%D8%A7
يتفق المحللون السياسيون واستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة على أن كلا من كامالا هاريس ودونالد ترمب لا يزالان قادرين على الفوز. وفيما تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم هاريس على ترمب بين الناخبين على المستوى الوطني بنحو 49 في المئة مقارنة بنحو 47 في المئة لترمب، فإن الانتخابات الرئاسية هي انتخابات تجري في خمسين ولاية، حيث يسعى كل مرشح منهما للحصول على أغلبية الأصوات في الولاية الواحدة، كي يتسنى له أن يحصل على العدد الكلي لأصوات المجمع الانتخابي فيها.
وإذا نظرنا إلى عام 2020 وجدنا أن 155 مليون أميركي تقريبا صوتوا في الاقتراع، ولكن كان يمكن لتغير في أصوات 43 ألف شخص فقط في جورجيا وأريزونا وويسكونسن أن يعطي الفوز لترمب بدلا من بايدن. ويبدو أن انتخابات 2024 لا تختلف كثيرا عن سابقتها حتى الآن. لذا فإن تحول بضعة آلاف من الأصوات فقط في سبع ولايات رئيسة سيكون حاسما، كما يرى المحللون هنا.
هاريس تواجه تحديات كبيرة
يتمتع دونالد ترمب في هذا الشهر الأخير من الانتخابات ببعض المزايا الكبيرة. فقاعدته السياسية صلبة في غرب ووسط وجنوب البلاد. يضاف إلى ذلك، أن استطلاعات الرأي أظهرت طيلة عدة أشهر استياء عاما وشاملا من الحالة الاقتصادية على المستوى الوطني، ولا سيما ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسكن.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الناخبين يعتقدون أن دونالد ترمب سيدير الاقتصاد على نحو أفضل من هاريس. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب أن 55 في المئة من الأميركيين يثقون في ترمب في القضايا الاقتصادية أكثر من ثقتهم في هاريس التي حازت 45 في المئة من الأصوات. كما أن دخول ملايين المهاجرين إلى أميركا يمارس أيضا ضغطا على أسواق العمل المحلية، وأسواق الإسكان، وميزانيات الحكومة، والخدمات. والحق أن الهجرة باتت مصدر قلق وطني كبير، ومرة أخرى أظهر استطلاع مركز "بيو" للأبحاث أن ترمب يتمتع بثقة أكبر في التعامل مع هذه القضية، إذ حصل على 52 في المئة من الأصوات، مقارنة بـ45 في المئة لهاريس.
يشكل انضباط هاريس وسيطرتها على نفسها ميزة أخرى لها. وهي تتمسك بحزم في لقاءاتها العلنية برسالتها الأساسية حول أصولها من الطبقة الوسطى، وقضايا مثل الإجهاض وإنقاذ الديمقراطية
لذلك، ثمة تحديات حقيقية تقف قبالة هاريس. ولكي تتجاوز هذه الميزة التي يحظى بها ترمب بين الناخبين الأكبر سنا، تحتاج إلى عدد كبير من الناخبين الشباب. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الناخبين الشباب يؤيدون هاريس، ولكن الفارق بينها وبين ترمب في أوساط الناخبين الشباب أصغر مما كان عليه بين بايدن وترمب عام 2020، عندما فاز بايدن بصعوبة وبفارق ضئيل من الأصوات في تلك الانتخابات. فارتفاع تكلفة الإيجار وشراء منزل يؤلم الناخبين الشباب على الأخص. ولا تبذل هاريس في حملتها إلا جهدا قليلا للدفاع عن التدابير الاقتصادية التي اتخذتها إدارة بايدن، أو لشرح خططها الاقتصادية المستقبلية. وبالتالي، فإن مرشحي الحزب الديمقراطي ضعفاء في القضية الرئيسة للحملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجناح اليساري للحزب، ومعظمهم من الديمقراطيين الشباب، غير راضين عن رفض هاريس لتوسيع التأمين الصحي الحكومي ولا عن سياسة البيت الأبيض من الحرب في غزة.
هاريس ومزاياها الكبيرة
تسعى حملة هاريس للتعويض عن ضعفها في النقاش حول الاقتصاد والهجرة وغزة، إلى استبداله بالنقاش حول مخاطر فوز دونالد ترمب نفسه. فتشدد هاريس على نحو خاص على المخاطر التي تواجه النساء الأميركيات من القيود المفروضة على الوصول إلى الإجهاض، وهي قضية رئيسة عند ملايين الناخبين الأميركيين، والنساء منهم على الأخص. وأظهر استطلاع "بيو" للأبحاث حول قضية سياسة الإجهاض، أن 55 في المئة من الناخبين يعتقدون أن هاريس أكثر كفاءة من ترمب، الذي حصل على 44 في المئة. ويعتمد الديمقراطيون على قضية الإجهاض لحشد ملايين الناخبين، وخاصة النساء من جميع الطبقات الاجتماعية والمجتمعات العرقية، بما فيهن النسوة الشابات. فقضية الإجهاض مهمة للغاية حتى إن ترمب نفسه تردد قليلا حين أبدى دعمه العلني للقيود على الإجهاض.
أما في مسألة حرب غزة، فتحذر حملة هاريس الأميركيين غير الراضين عن هذه الحرب من أن ترمب سيكون أسوأ على الفلسطينيين بكثير. كما تشدد هاريس وحلفاؤها على الخطر الذي يتهدد الديمقراطية والمؤسسات الأميركية إذا عاد ترمب ثانية إلى المكتب البيضاوي، بتذكير الأميركيين على الأخص بالهجوم الذي شنه مؤيدو ترمب على مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021. وتسلط حملة هاريس الضوء أيضا على الدعم الذي تتلقاه من مجموعة متنوعة من الجمهوريين، بمن فيهم المدعي العام السابق لترمب وحتى نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، الذين يخشون ترمب أكثر مما يكرهون هاريس.
وتشير كثير من الدلائل على نجاح استراتيجية حملة هاريس. فقد كان بايدن متخلفا عن ترمب في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، والأهم من ذلك في استطلاعات الرأي في الولايات الرئيسة المتأرجحة. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه هاريس حتى الآن مع الناخبين الشباب، تظهر أحدث الاستطلاعات أن هاريس متقدمة على ترمب أو متساوية معه على المستوى الوطني، والأهم من ذلك على مستوى الولايات السبع الرئيسة وهي نورث كارولينا وجورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغان ونيفادا وأريزونا. (هذه ولايات رئيسة لأنها تمتلك الكثير من الأصوات في المجمع الانتخابي وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المرشحين لا يفصلهما عن بعضهما البعض سوى نسبة مئوية ضئيلة. لهذا السبب يقضي ترمب وهاريس معظم وقتيهما في هذه الولايات السبع أثناء هذه الانتخابات). وقد حضرت حشود كبيرة ومتحمسة تجمعات هاريس الانتخابية الأخيرة في كل من أريزونا وميتشيغان وكارولينا الشمالية.
ويشكل انضباط هاريس وسيطرتها على نفسها ميزة أخرى لها. وهي تتمسك بحزم في لقاءاتها العلنية برسالتها الأساسية حول أصولها من الطبقة الوسطى، وقضايا مثل الإجهاض وإنقاذ الديمقراطية. وقد استخدمت هذه الرسائل بنجاح واضح ضد ترمب في مناظرة 10 سبتمبر/أيلول. أما ترمب، فعلى النقيض منها، ليس منضبطا وغالبا ما ينتقل في خطابات حملته الانتخابية من الهجمات الشخصية الفظة على هاريس إلى سرد قصص عن مؤامرات غريبة. وقد كرر خلال هذه المناظرة ادعاءه الغريب والمتطرف بأن المهاجرين الهايتيين يمسكون بالكلاب والقطط الأهلية في بلدة صغيرة بأوهايو ويأكلونها. وقد نفى عمدة البلدة هذه الشائعة، وسرعان ما أنتج الديمقراطيون مقاطع فيديو على منصة "تيك توك" و"إنستغرام" يسخرون فيها من ترمب وقصته الخرافية هذه. ومع ذلك، ترسم قصص ترمب اليومية عن المهاجرين والجريمة صورة قاتمة لأميركا، بينما تحث هاريس على الأمل والوحدة ولو أنها لم تقدم سوى القليل من التفاصيل السياسية.
ترمب لا يعتمد هذه المرة على العاملين في "الحزب الجمهوري"، بل على المنظمات الخارجية لتمده بالتمويل والعمال
كما يحظى الديمقراطيون بميزة في مرشح نائب الرئيس. فقد اختارت هاريس لمنصب نائب الرئيس حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، الذي نشأ في بلدة صغيرة في ولاية نبراسكا ذات الميول الجمهورية، وعمل مدرسا في مدرسة ثانوية في بلدة صغيرة بمينيسوتا، لذا فهو يتفهم المناطق الريفية التي تدعم الحزب الجمهوري عادة. من المهم أيضا أن نشير إلى أن والز تطوع لإدارة فريق كرة القدم في مدرسته الثانوية إلى جانب عمله في التدريس. فالمباريات الأسبوعية لفريق كرة القدم في المدرسة الثانوية تعد حدثا اجتماعيا رئيسا في المدن الأميركية الصغيرة، لذا يشعر والز بأنه قادر على التحدث إلى ثقافة الأرياف هذه بارتياح.
وفي المقابل، اختار ترمب السيناتور الشاب عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، الذي لا يتمتع بخبرة سياسية. وقد لام فانس النسوة العازبات على المشاكل الاجتماعية في أميركا، فأهان بذلك ملايين الناخبات. وبعد أن قتل أحد الطلاب في مدرسة بولاية جورجيا الرئيسة طالبين ومعلمين في 4 سبتمبر، قال فانس إن "هذه الأشياء تحدث" ولا تستطيع الحكومة أن تفعل شيئا. يبدو والز متعاطفا بينما يبدو فانس باردا، وتُظهر استطلاعات الرأي أن والز يحظى بدعم أكبر من منافسه الجمهوري.
وقد جاء الأداء القوي لهاريس خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي بشيكاغو في أغسطس/آب، وخطاباتها القوية في التجمعات الانتخابية، والارتياح الذي أحدثه تنحي بايدن لصالح مرشح أصغر سنا، ليمكّن حملة هاريس من جمع تبرعات مالية ضخمة. وذكرت الحملة في تقريرها المقدم إلى لجنة الانتخابات الوطنية أنها جمعت 361 مليون دولار في أغسطس وحده، وهو ما يتجاوز بكثير الـ130 مليون دولار التي جمعتها حملة ترمب في الشهر نفسه. وذكرت حملة هاريس في 6 سبتمبر أنها تمتلك 400 مليون دولار تقريبا من السيولة النقدية، بينما ذكرت حملة ترمب أنها تمتلك 295 مليون دولار. وتعد الميزة النقدية أمرا هاما لأنها تمكن الحملة من توظيف المزيد من العاملين لصالحها وشراء الإعلانات، وعلى الأخص في هذه المرحلة الأخيرة الحيوية من الحملة.
استراتيجية جمهورية تحفّها المخاطر
يتخذ الحزب الجمهوري نهجا غير تقليدي في حملته الرئاسية لعام 2024، إذ ينشر منظمة أصغر حجما لحملته ويستهدف نوعا مختلفا من الناخبين الأميركيين. فبعد أن تولت "لارا ترمب"، زوجة إريك ابن ترمب، السيطرة على المنظمة الوطنية للحزب الجمهوري في مارس/آذار، دمجتها مع فريق حملة ترمب الانتخابية وطردت عشرات العمال. وقد صرح بعض المخضرمين في الانتخابات، ومنهم رئيسة الحزب الجمهوري السابقة، رونا ماكدانيل، لوسائل الإعلام بأن منظمة الحزب الجمهوري ليست مستعدة لحملة وطنية مكثفة. ويقولون إن الحزب الجمهوري ليس لديه ما يكفي من العاملين في الحملة للاتصال بالناخبين من منزل إلى منزل ومن مقاطعة إلى أخرى، وخاصة في الولايات الرئيسة. (لقد لاحظت في ولاية "مين" التي أعيش فيها أن عدد اللافتات وأعلام ترمب أقل بكثير مما رأيته في حملة عام 2020).
فترمب لا يعتمد هذه المرة على العاملين في الحزب الجمهوري، بل على المنظمات الخارجية لتمده بالتمويل والعمال. ويقدم إيلون ماسك وغيره من المانحين الأثرياء ملايين الدولارات للجنة ترمب للعمل السياسي لتمويل حملته الانتخابية. وفي الحملات العادية، يدير المنظمون من الحزبين السياسيين آلاف المتطوعين الذين يجرون مكالمات هاتفية ويذهبون من منزل إلى منزل لتشجيع الناخبين على دعم مرشحيهم.
لا تستطيع استطلاعات الرأي التنبؤ بالنتيجة بشكل موثوق، وسوف تحدد عدة عوامل رئيسة النتيجة النهائية
أما حملة ترمب لعام 2024 فتجرب تكتيكا مختلفا. إذ تؤدي منظمة سياسية مسيحية محافظة تسمى "نقطة انعطاف أميركا"، بقيادة الناشط المحافظ الشاب والشخصية الإعلامية تشارلي كيرك، دورا حاسما في الاتصال بالناخبين بالولايات الرئيسة مثل ويسكونسن وأريزونا. ولا تقوم استراتيجية هذه المنظمة على استهداف جميع الناخبين، بل تهدف إلى العثور على الناخبين المسجلين لدى الحزب الجمهوري في مكاتب الانتخابات المحلية، ولكنهم لا يخصصون وقتا كافيا للذهاب إلى مواقع الانتخابات للتصويت. ففي أريزونا عام 2020، على سبيل المثال، لم يصوت 230 ألف ناخب مسجل لصالح الحزب الجمهوري، وفاز بايدن في أريزونا بفارق 11 ألف صوت. وتعرف منظمة نقطة انعطاف أميركا، بناء على معلومات عامة عن الناخبين، كيف تعثر على هؤلاء الناخبين الجمهوريين المفقودين. فأنشأت تطبيقا على الهاتف المحمول يتضمن أسماء وعناوين هؤلاء الناخبين، ويحاول العاملون في هذه المنظمة على مستوى الشارع أن يتصلوا بهم بغية إقناعهم ببذل جهد كي يصوتوا هذا العام.
هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر. إذ يتطلب هذا العمل كثيرا من الوقت والعاملين في شوارع الولايات المتأرجحة. كما أن هذه المنظمة تعمل لصالح تشارلي كيرك، وليس لصالح آل ترمب أو الحزب الجمهوري، وهي التي تتحكم في التنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، ليس في سجل هذه المنظمة أي نجاح. لا بل فشل المرشحان اللذان دعمتهما في انتخابات فلوريدا عام 2022. ويخشى بعض قادة الحزب الجمهوري من أن المنظمة لا تملك عددا كافيا من العاملين كي تؤدي مهمتها، وأن الحزب الجمهوري ليس لديه من العاملين أو المتطوعين الجاهزين ليحلوا محلهم في الشهر الأخير من الحملة، بينما تتمتع منظمة الحزب الديمقراطي بالكثير من الموارد.
في مثل هذا السباق المتقارب، لا تستطيع استطلاعات الرأي التنبؤ بالنتيجة بشكل موثوق. وسوف تحدد عدة عوامل رئيسة النتيجة النهائية. أولا، هل يستطيع ترمب وفانس الحفاظ على الانضباط والتركيز على القضايا الأساسية مثل الاقتصاد والهجرة دون الانحراف إلى قصص غريبة أو هجمات شخصية تنفر كثيرا من الناخبين؟ هل يتمكن الحزب الجمهوري ومنظمة "Turning Point USA" من حشد جهد أرضي كبير لتحديد وإقناع الكثير من الناخبين الجمهوريين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة بالمشاركة هذه المرة؟
وفي الوقت نفسه، هل تستطيع هاريس والحزب الديمقراطي تأمين قاعدتهما في مدن الولايات الرئيسة، وخاصة بين النساء والناخبين الأصغر سنا؟
ومع دخول الحملة أسابيعها الأخيرة، فإن المواقع التي تختارها هاريس وزميلها في الترشح، والز، للحملة قد تكشف عن مستوى ثقتهما. فإذا زاروا البلدات الأصغر ذات الميول الجمهورية التقليدية داخل الولايات السبع المتأرجحة الحاسمة، فهذا يشير إلى أنهم يشعرون بالأمان في مناطقهم الحضرية والميول الديمقراطية ويحاولون توسيع جاذبيتهم للناخبين في المناطق الأكثر محافظة.