اقتصاديات النفط الخليجية... تحولات وتحدياتhttps://www.majalla.com/node/322442/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA
في سبتمبر/أيلول 1960 عقد اجتماع في بغداد ضم ممثلين عن كل من السعودية والعراق وإيران والكويت وفنزويلا نتج منه تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك". أي أن 64 عاماً قد مضت منذ تأسيس هذه المنظمة المهمة التي لعبت دوراً رئيساً في رسم معالم اقتصاديات النفط وأسواقه، بعدما كان منوطا بالشركات النفطية الكبرى، الأميركية والبريطانية والهولندية، مثل "Gulf" و "BP" و"Shell" وغيرها.
خلال تلك الفترة وبعد نهاية الحقبة الاستعمارية وتزايد أعداد البلدان المستقلة، وتنامي الأفكار المعادية للاحتكار واستغلال مصادر الثروة الطبيعية في البلدان النامية، تعزز الحراك الهادف لتحرير الثروة النفطية والعمل على استثمارها بشكل يعكس نتائجها بالكامل لصالح البلدان المنتجة للنفط.
الثقل الخليجي في الإنتاج النفطي
وصارت منظمة "أوبك" بعد تأسيسها بسنوات قليلة تمثل غالبية الدول المنتجة للنفط حيث التحق بعضويتها كل من قطر وليبيا والامارات والجزائر وأندونيسيا وعدد من البلدان الأفريقية وبلدان في أميركا اللاتينية. وبموجب البيانات الرسمية لهذه المنظمة تملك احتياطيات نفطية تقدر بـ 1.24 تريليون برميل تمثل 79.1 في المئة من احتياطيات النفط في العالم.
تنتج الكويت والسعودية والامارات مجتمعة، وهي من البلدان الأساسية في منظمة "أوبك"، 14.6 مليون برميل يوميا أو 68% من إنتاج "أوبك"
السعودية والكويت والامارات تملك 38.8 في المئة من احتياطيات النفط في العالم، و"أوبك" تنتج في الوقت الراهن ما يقارب 21.5 برميل من النفط الخام يومياً في حين أن طاقات بلدانها الإنتاجية تفوق الـ 27 مليون برميل يومياً. وقد انخفض الإنتاج بفعل خفوضات متفق عليها وأخرى طوعية من أجل استقرار الأسعار بعد تراجع الطلب خلال السنوات الماضية. ويأمل المنتجون أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلدان المستهلكة الرئيسة لزيادة الإنتاج وتحسن الأسعار.
تنتج الكويت والسعودية والامارات مجتمعة، وهي من البلدان الأساسية في منظمة "أوبك"، 14.6 مليون برميل يومياً أو 68 في المئة من إنتاج "أوبك". وهي يمكنها أن تصل بإنتاجها إلى 19.3 مليون برميل أو 71 في المئة من الإنتاج المحتمل لبلدان "أوبك". تعني هذه الأرقام القدرة المتميزة لبلدان الخليج في الإنتاج والتصدير وأهمية دورها في صياغة سياسات الإنتاج في منظمة "أوبك" والتأثير الكبير في سوق النفط واقتصادياته. وإذا أضفنا البلدان الخليجية الأخرى، قطر والبحرين وعمان، بالرغم من محدودية إنتاجها، فسنجد أن بلدان الخليج يمكنها أن تمثل أهمية أكبر في الامدادات وتلبية الطلب على النفط.
مأزق الطلب والإنتاج وتراجع النمو
قدرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) الطلب على النفط بنحو 103 ملايين برميل يومياً في عام 2024، وذلك يمثل نمواً بمقدار 900 ألف برميل يومياً عما كان عليه في العام الماضي. أما العرض من النفط فقد بلغ 103.5 ملايين برميل يومياً خلال العام نفسه. وتراجع الإنتاج بفعل قرارات "أوبك" وشركائها في "أوبك بلس" تم تعويضه من قبل منتجين آخرين مثل غينيا والبرازيل. لكن اقتصاديات الدول المستهلكة الرئيسة وتراجع معدلات النمو والتوجهات المستمرة نحو بدائل الطاقة زادت التحديات التي تواجه البلدان المصدرة للنفط على مدى سنوات طويلة.
يمثل الاقتصاد الصيني أهمية كبرى في الطلب على النفط وتستورد الصين 11.3 مليون برميل يومياً، وتقدر وارداتها من السعودية والكويت والامارات بنحو 3 ملايين برميل يوميا
وكالة الطاقة الدولية
يمثل الاقتصاد الصيني أهمية كبرى في تعزيز الطلب على النفط وتستورد الصين 11.3 مليون برميل يومياً بموجب بيانات وكالة الطاقة الدولية IEA وتقدر وارداتها من السعودية والكويت والامارات بنحو 3 ملايين برميل يومياً. تواجه الصين في الوقت الحاضر مشكلات اقتصادية مهمة تمثلت بإفلاس عدد من الشركات العقارية التي بنت الملايين من الوحدات السكنية بتمويل كبير من المصارف الوطنية ولم تجد من يقتنيها. كما أن الصادرات الصينية واجهت هذا العام انخفاضاً في الطلب في أوروبا والولايات المتحدة وأصبحت الصين دولة تنتج ما يزيد على احتياجات الأسواق الاستهلاكية في الصين والبلدان المستوردة.
التكيف الاقتصادي مع تراجع الأسعار
تواجه دول الخليج، منذ عام 2014 عندما تراجعت أسعار النفط بشكل حاد، عجوزات في موازناتها الحكومية حيث لا يزال ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات السيادية غير النفطية من المعضلات المهمة. يمكن الزعم أن عددا من دول الخليج تمكنت من العمل على تنويع القاعدة الاقتصادية للتحرر من الاعتماد الكبير على إيرادات النفط لكن هناك عوامل موضوعية تحول دون الإصلاح البنيوي، وذلك أيضا يتفاوت بين بلد وآخر. ومهما يكن من أمر، يمكن لدول الخليج أن تعمل على الإصلاح بشكل متدرج حيث إن الطلب على النفط لا يزال مناسباً، كما أن بدائل الطاقة قد تتطلب زمناً طويلاً لتكون متاحة بتكاليف منافسة ومقبولة.
لا تزال استخدامات بدائل الطاقة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية تمثل ما بين 8 إلى 10 في المئة من استخدامات الطاقة في العالم. ربما تزيد هذه الاستخدامات في عدد من البلدان الأوروبية والصين خلال السنوات المقبلة، ومن ثم على بلدان "أوبك" ومنها البلدان الخليجية بناء استراتيجيات لمواجهة المتغيرات في اقتصاديات الطاقة. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة التي كانت تعتبر أهم الدول المستوردة للنفط تمكنت في السنوات الأخيرة من تطوير طاقتها الإنتاجية من النفط لتصل إلى 13.25 مليون برميل في اليوم، في حين يقارب الاستهلاك اليومي 20 مليون برميل.
التنسيق بين دول الخليج المنتجة للنفط ضرورة، وتطوير التعاون في الاستراتيجيات ذات الصلة بالإنتاج والعلاقات مع الشركات والدول المستهلكة
لم تعد "أوبك" الإطار الشامل للدول المنتجة للنفط فحسب، فقد تمكنت من التحالف مع دول منتجة رئيسة مثل روسيا وكازاخستان والمكسيك وعمان، وتعتزم هذه البلدان التعاون مع "أوبك" منذ أن تراجعت أسعار النفط، وذلك من أجل تحديد سياسات الإنتاج والسيطرة على الامدادات، لحماية الأسعار ووضع حد للتراجع الذي يؤدي الى إنخفاض الإيرادات.
لا شك أن دول الخليج لا تزال ذات أهمية في مثل هذه التحالفات ويمكنها أن توجه التوافقات في شأن الإنتاج وتوزيع الحصص أو الخفوضات الالزامية والطوعية. تملك هذه الدول الاحتياطيات الكبيرة ويمكنها أن تنتج بتكاليف مخفضة، على الرغم من ارتفاع تكلفة الإنتاج في عدد من دول الخليج مثل الكويت، لكن هناك مساحة للمناورة والتوجيه في إطار "أوبك" و"أوبك بلس".
يضاف إلى ذلك أن العلاقات التاريخية التي تربط هذه البلدان مع شركات النفط الكبرى يمكن توظيفها من أجل تحسين القدرات الإنتاجية والاستثمار في القطاع النفطي والارتقاء بالكفاءة وتعزيز تسويق نفوطها ومنتجاتها البترولية والغازية. كما أن العلاقات المتوترة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي بسبب الحرب في أوكرانيا، يمكن أن تتيح فرصا جيدة لتصدير النفط إلى بلدان عدة تعويضاً عن النفط الروسي.
إذاً، التنسيق بين دول الخليج المنتجة للنفط أصبح ضرورياً ويفترض العمل ككتلة موحدة في الأهداف والاستراتيجيات ذات الصلة بالإنتاج والعلاقات مع الشركات والدول المستهلكة. فالمتغيرات في سوق النفط واقتصاديات الطاقة تتطلب خلال السنوات المقبلة توافقاً خليجياً في شأن النفط والغاز، ليس فقط في مسائل إنتاج النفط الخام ولكن أيضا في التكرير والصناعات البترولية المستهلكين.