الموسيقار الجزائري سليم دادة لـ"المجلة": مزجت التراث بالموسيقى العالمية لابتكار لغة فنية فريدةhttps://www.majalla.com/node/322441/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B2%D8%AC%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9
في هذا الحوار مع "المجلة"، يشارك الموسيقار الجزائري سليم دادة تفاصيل رحلته الفنية على مدار العام الماضي، التي تنوعت بين إصدارات موسيقية جديدة وتعاونات دولية مع فرق أوركسترا مرموقة. يتناول دادة تجاربه في مزج التراث الموسيقي الشرقي والغربي بأسلوب فريد جذب الشباب المعاصر، مع الحفاظ على عمق الموسيقى الكلاسيكية. كما يتطرق إلى دوره كخبير ثقافي دولي ضمن "يونسكو" والاتحاد الأوروبي، ومساعيه لتطوير الساحة الثقافية العربية والعالمية. يستعرض أيضا ارتباطه الوثيق بالشعر العربي، وتأثيره على إبداعاته الموسيقية، مشيرا إلى أعماله المستقبلية الكبيرة.
تنقلت هذه السنة بين بلدان عدة في إطار تعاونات فنية مختلفة... ماذا تخبرنا عن ذلك؟
- صحيح، لقد أمضيت سنة حافلة بالنشاط الموسيقي والمشاريع الثقافية والأسفار، حيث شهدت صدور عديد من مدوناتي الموسيقية لأوركسترا الوتريات لدى ناشري الإيطالي والمتمثلة في "أغنية حب ورقصة الحرية"، "المنمنمات الجزائرية"، "نهاية البداية"، كما أصدرت في لندن خلال هذه الصائفة بالشراكة مع العازفة الرومانية النيجيرية ريبيكا اومورديا ألبوم البيانو الموسوم "أفريبيانيزم جزء 2". بالإضافة إلى العديد من العروض والتسجيلات التي أجريتها مع السمفونية الوطنية البلغارية في صوفيا وأيضا مع أوركسترا شباب الجزائر في موسكو وفرقة مهرجان أبلاشيان الأميركي، بالإضافة إلى فرقة بوهو للوتريات البلجيكية وخماسي إيبونتو الإنكليزي، وهي مغامرة فنية ثرية قادتني إلى كل من قطر والإمارات والبحرين وبلغاريا وروسيا وفرنسا وإيطاليا والأرجنتين وسويسرا وكندا وعمان.
تكللت هذه السنة أيضا بتعزيز دوري كخبير ثقافي دولي ضمن بنك الخبرات العالمي التابع لمنظمة "يونسكو" والإتحاد الأوروبي الذي انضممت إليه في شهر يونيو/ حزيران 2023 لعهدة رباعية السنوات، قبل اختياري كذلك للمساهمة في فريق التشاور التابع لـ"يونسكو" المتخصص في تنوع أشكال التعبير الثقافي في البيئة الرقمية. مما أتاح لي الإشراف على التقارير الدولية لإتفاقية 2005 لكل من دولة قطر وسلطنة عمان، وتنشيط حلقات تدعيمية ومنهجية لصالح 14 دولة عربية، كما شاركت في إطلاق بنك الخبرات في بوينس آيريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والاجتماع الأول لفريق التشاور في كيبيك سيتي في شهر مايو/ أيار الماضي.
عملت على مزج التراث الموسيقي الشرقي والغربي لخلق توازن بين الأصالة والحداثة دون السقوط في الفولكلورية
تؤسس موسيقاك لعلاقة فريدة بين الموسيقى والتراث على نحوٍ يجعل حتى الجيل الجديد من الشباب الشغوف بالإيقاع والموسيقى الغربية الحديثة يستمتع بها. ما التوابل التي لجأت إليها لتحقق هذه التوليفة شبه المستحيلة؟
هي الوصفة الصعبة التي اشتغلت عليها سنوات عديدة في بدايات مشواري المهني كمؤلف موسيقي، حيث كنت أبحث عن خط التوازن الذي يحول دون السقوط في فخ الفولكلورية من جهة أو فك النخبوية من جهة أخرى.
الاعتماد على التأليف الموسيقي والتدوين الصولفاجي والتمكن من تقنيات الكتابة الموسيقية الغربية كان أحد هذه التوابل، حيث أن عالمية الموسيقى لا يمكنها أن تتأتّى من دون لغة تواصل وكتابة يفهمها جميع الموسيقيين المحترفين في العالم. فهم الموسيقى التقليدية والتشبع بها من خلال ممارستها ضمن إطارها الطبيعي وتحليلها الموسيقى والجمالي كان أيضا مفتاحا لخوضي هذه التجربة التألفية التي حاولت من خلال مجموعة من الأعمال السمفونية ("سماعي أشواق"، "لونجا نهاوند"، "فانتازيا على لحن أندلسي"، "بنت الصحراء"، "رقصة الرجل الأزرق"، "الطاووس"، "آفري"، "لوحات من حياة عربية"، "الحب هو اعتقادي"، "افتتاحية الألعاب المتوسطية وهران 2022"، إلخ)، الجمع ما بين نقائض الشرق والغرب، الشمال والجنوب، الشفاهة والكتابة، الارتجال والتأليف. أما العنصر الثالث في هذه الوصفة فقد تمثل في الدراسة المعمقة لأهم أعمال موسيقيي الشرق والغرب الذين نهجوا هذا النهج والانطلاق من النقطة التي وصلوا إليها (ريمسكي كورساكوف، سترافينسكي، دي فالا، بارتوك، خاتشاتوريان، أميروف، كاراييف، جار، سايغون، عبد الرحيم، الوادي، غلمية، خليفة، ...) .
في البدء كانت...
ما علاقة الشعر بالموسيقى، وأنت الشغوف بالشعر العربي، بل لا تفوّت فرصة إلا ووظفته في العديد من ألحانك؟
الشعر موسيقى والموسيقى شاعرية بطبعها، وهو النقاش الدائم في الأعمال الأوبرالية، "في البدء كانت الكلمة أم الموسيقى؟". والنص في كل الحالات هو حافز للتلحين والتأليف الموسيقي، ولسنوات عدة اشتغلت على النصوص القديمة والشعر العربي الفصيح. ففي "وصلة الأشواق" تطرّقت من خلال 13 عملا تعكس وتشكل هذه الوصلة إلى أشعار لحسان بن ثابت وابن سهل الإشبيلي ولسان الدين بن الخطيب وابن نباتة المصري وصفيّ الدين الحلي، وهي مسيرة أسلوبية شعرية تقودنا من فجر الإسلام إلى العهد العباسي المتأخر.
من بين الدواوين أيضا التي رافقتني لسنوات ،"ترجمان الاشواق" لمحيي الدين ابن عربي الذي ترجمته موسيقيا في أعمال كـ"الحب هو اعتقادي"، "أرى البرق الشرقي 1 و2" .
وفي السنوات الأخيرة بدأت في التعامل مع شعراء معاصرين للتعبير عن قضايا معاصرة بلغة متجدّدة. أما اليوم فأنا في صدد الاشتغال على عمل كبير يوظف كلاًّ من الفرنسية والإيطالية والاسبانية والبرتغالية والبولونية بالإضافة الى العربية.
الشعر العربي كان دائما مصدر إلهام لي، واستخدمته في العديد من أعمالي
بين الأوركسترا وتأليف الألحان المرافقة للأفلام والمشاهد المسرحية، أين تجد نفسك ولماذا؟
في الكتابة الموسيقية المطلقة، أو كما يسميها الإيطالي أنيو موريكوني، لفصلها عن الموسيقى الوظيفية في السينما أو المشهدية الركحية (المسرحية). الأمر يعود بطبيعة الحال إلى دور المؤلف الموسيقي، حيث أنه في الحالة الأولى يكون السيد في تصميم الفكرة واتخاذ القرارات والاختيارات في تجسيدها، بالإضافة إلى كون الموسيقى اللغة الفنية الأولى في أعمال كهذه، وأن التعابير الأخرى تأتي لخدمتها والانصهار فيها كالشعر والنثر والصورة والرقص والفيديو وغيرها.
أما الكتابة الموسيقية في السينما أو التلفزيون أو حتى في المسرح، فهي تلتزم رؤية المخرج أولا وتأتي كإضافة وتكملة لعناصر أخرى سبقتها في الوجود كالسيناريو والتمثيل والصورة والمونتاج. العمليتان مختلفتان تماما ودور المؤلف الموسيقي بينهما يتراوح ما بين الحامل الرئيسي للمشروع ومنفذ لجزئية فيه. وقد لمست هذا الاختلاف جيدا ونقاط الإيجاب والسلب لكل وضعية منهما من خلال موسيقى الأفلام التي كتبتها على غرار "بن بولعيد" لأحمد راشدي و"أغسطينوس: ابن دموعها" لسمير سيف وأيضا في"ابن باديس" لباسل الخطيب و"هيبنوتيزيا" لمروان لخضر حمينة.
في مديح العمل الأخير
متى يمكن الموسيقار أن يقول لنفسه إنه وجد أسلوبه ولم يعد في حاجة إلى البحث عن ذاته، أم أنه افتراض مستحيل؟
هذا السؤال يتطرّق الى نقطتين منفصلتين، أما الأولى فيمكنك القول إنك أسست لأسلوب ولغة خاصة بك، عندما يتعرف أطفالك الى أعمالك من ضمن أعمال عدة دون أن تقول لهم ذلك. أما مسألة البحث عن الذات (المتجددة) فهي مسألة وجودية والشغل الشاغل لكل مبدع مفكر، ولا يمكن الاستعاضة عنها إلا بالجنون أو بالموت.
مسألة البحث عن الذات مسألة وجودية لا يمكن الاستعاضة عنها إلا بالجنون أو بالموت
إذا كان لك أن تختار منجزا موسيقيا واحدا من منجزاتك تشعر أنه عبّر عن موهبتك حقا، فماذا تختار؟
هو دوما العمل الأخير أو الذي نعتكف عليه الحين. وهذا ما يقودني إلى التحدث عن عمل "Sé/Ré.paration" وهو أوبرا حجرة من فصلين، قائم على دراما عائلية أثير من خلال سرديتها أسئلة معاصرة كالهجرة والسفر والغربة والطلاق. وهو بلا شك، أحد أكبر الأعمال التي اشتغلت عليها وأطولها وأكثرها تعقيدا، لوجود عناصر فنية عدة أخرى في روح العمل كالشعر والنثر والتمثيل والدراما والأصوات والفيديو الوثائقي، يجب الموازنة بينها جميعا في ظل لغة موسيقية ركحية.
المشروع يعود إلى سنة 2022 بطلب من المجموعة الصوتية لدار أوبرا ليل الفرنسية، سيبتونتريون. وأنا في صدد الانتهاء من كتابة هذا العمل الذي سيعرض في عدد من القاعات المهمة الفرنسية في مقدمها متحف اللوفر. يشارك في هذه الأوبرا 16 عضوا في المجموعة الصوتية، من بينهم أربعة أصوات فردية تمثل أدوار الأب والأم والبنت وشخصية إيتر الوهمية، هناك أيضا تسعة موسيقيين (بيانو، الكلارينات، ماندولين، خماسي وتري وإيقاع) بالإضافة إلى نحو 25 طفلا سيشاركون كمجوعة صوتية هاوية في عديد المشاهد خلال الـ70 دقيقة المقدرة لهذا العمل.