لغةُ العالم بألحان الأوركسترا السعودية في قلب لندن

هاني فرحات لـ"المجلة": لقاء حواري فريد بين ثقافتين موسيقيتين

من حفل "روائع الأوركسترا السعودية" في لندن

لغةُ العالم بألحان الأوركسترا السعودية في قلب لندن

لندن: في محطّة عالمية جديدة، وبحضور كلّ من وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وسفير المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة الأمير خالد بن بندر بن سلطان، والأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، أحيت فرقة الأوركسترا والكورال الوطني السعودية حفلها الذي نُظِّمَ بعنوان "روائع الأوركسترا السعودية" يوم السبت 28 سبتمبر/أيلول، على خشبة مسرح قاعة ويستمنستر المركزية في قلب العاصمة البريطانية لندن، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها هيئة الموسيقى التابعة لوزارة الثقافة لتعزيز حضور الثقافة والفنون السعودية على الصعيد الدولي.

فبعد محطاتها السابقة في باريس والمكسيك ونيويورك، ومشاركتها في إحياء حفلٍ على هامش اجتماع وزراء الثقافة لدول "مجموعة العشرين" في الهند، وبعد تحضيرات امتدّت على مدار عام تقريبا، أمتعت الأوركسترا السعودية جمهور العاصمة البريطانية لندن بباقة متنوعة من المختارات الموسيقية والأدائية الفريدة (بمشاركة مميّزة من هيئة المسرح والفنون الأدائية) التي قدّمت لوحات فريدة مثّلت عراقة التراث السعوديّ وتنوّعه بقوالب موسيقية بارعة قابلها الجمهور اللندنيّ الذي ملأ مدرّجات القاعة التي تتسع لقرابة 2000 شخص بالتصفيق الحار.

لغة العالم بحروف النّغَم السعوديّ

وفي حديثه إلى وسائل الإعلام التي حضرت لتغطية الحفل، لفتَ باول باسيفيكو، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للموسيقى- الذي حرص على الترحيب بالحضور بجمُل نطقها باللغة العربية- إلى الأهمية التاريخية لهذه القاعة التي تستضيف ما يزيد على 800 فعالية سنويّا، والتي استضافت على مدار قرن من تاريخها مجموعة من أبرز الفعاليات العالمية، من بينها أول اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946، وإلى أهمية اختيارها مكانا للاحتفاء بالموسيقى والثقافة السعوديّتَين في هذه الأمسية. فالموسيقى، كما قال باسيفيكو، لغة للحوار العالمي تفوق قدرتها التعبيرية قدرة الكلمات.

لوحات فريدة مثّلت عراقة التراث السعوديّ وتنوّعه بقوالب موسيقية بارعة قابلها الجمهور اللندنيّ بالتصفيق الحار

هذا الحوار تجلّى في العمل الدؤوب الذي انكبّ عليه أفرادُ الفِرقَتَين على مدى عام من التحضيرات لهذه الأمسية، وشارك في الحفل ما يزيد على 100 من العازفين وفنّاني الأداء السعوديين الذين قدّموا باقة من أكثر الأغاني والمعزوفات شعبيّة في المملكة العربية السعودية.

منسوجةٌ ثريّة من الموروث السعوديّ

وأبرزَ الحفل ألوانا أدائية متنوّعة شملت مختلف مناطق المملكة بأزيائها التراثية وهويّات طرَبِها. فمِن السامري، وهو فنّ أدائي يودّيه الرجال والنساء معا، والذي جاءت تسميته من "السّمَر"، لكونه فنّا مسائيا تشتهر به المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ويؤدّى في مكان رَحبٍ يؤنِسه المؤدّون بأنغام القصائد العاطفية، إلى الينبعاوي، الفنّ الأدائيّ الذي تختصّ به المنطقة الغربية في السعودية، والذي يؤدّى على أنغام آلة السمسمية في حركاتٍ تحاكي أمواج البحر، إلى الينبعاوي والرّبش (جازان).

كما تضمّن الحفل أداء موسيقيا مشتركا لأشهر الأغاني السعودية مع الأوركسترا الملكية الفلهارمونية البريطانية، إلى جانب مقتَطَفِ سوبرانو من أوبرا "زرقاء اليمامة" أدّتها مغنّية الأوبرا الشهيرة سارة كونولي، التي تُعدّ من رموز الفن الكلاسيكي البريطاني وكانت أدّت دور البطولة في عرضها الأول في مدينة الرياض في وقت سابق من هذا العام. وقدّمت كونولي تجسيدا بارعا لشخصية زرقاء اليمامة التاريخية.

وتكريما لإرث الشاعر الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن آل سعود، أحد أبرز روّاد الحداثة الشعرية في المملكة، استهلّت الأوركسترا السعودية بقيادة المايسترو رئاب أحمد، فقرات الحفل برائعة الأمير الراحل "أنا من هالأرض" التي لحّنها الموسيقار عبد الرب إدريس وتألّقت أصوات أعضاء الكورال السعوديّ في أدائها. تلى ذلك أغنية "حْنّا طَلَبنا الله" التراثية، وهي أغنية من التراث الينبعاوي شارك في أدائها مؤدُّو رقصات من هيئة المسرح وأثارت تفاعُلا ملحوظا من الجمهور الذي راح يتمايل مع عذوبة الألحان الينبعاوية التي كأنّها أمواجُ البحر.

عذوبة ومهارة

ومع خلفية إضاءة خافتة، تردّد صدى المقدمة الموسيقية البديعة لقصيدة "اسمحيلي يالغرام"، من كلمات الشاعر "أسير الشوق"، في ردهات قاعة ويستمنستر المركزية تواكبها أصوات الكورال العذبة والأداء الساحر لكمنجات العازفين السعوديين التي أذابتَ الحضور في عذوبة مقام الصبا. بعد ذلك كان الحضور على موعد مع الإيقاع الحماسيّ لأغنية "سعوديين" التي تعكس ألحانها لون الربش التراثي الذي تشتهر به منطقة جازان ويتّسم بطابع العنفوان والحماسة، رافقه عرضٌ أدائيّ لراقصين ارتدوا أزياء منطقة جازان بألوانها البهيّة. وجاء ختام الفقرة الأولى بأداءِ أغنية المغنّية البريطانية الشهيرة أديل، "رولِنغ إن ذي ديب" تألّق فيه العازفون والمؤدّون السعوديون في أداء الأغنية ضمن قالبٍ أدائيٍّ مزجَ الثقافَتين الموسيقيّتَين الغربية والشرقية في نسخةٍ فريدة من الأغنية.

الحضور في حفل "روائع الأوركسترا السعودية"

قبل الانتقال إلى فقرة الحفل الثانية، صعد الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى خشبة المسرح ليكرّم باسم وزارة الثقافة السعودية، الطالب السعودي عبد المجيد إبراهيم خنكار الحاصل على المرتبة الأولى في برنامجه الأكاديمي لدراسة الموسيقى الكلاسيكية الغربية في كليّة غولدسميث بجامعة لندن. ولفتَ باسيفيكو إلى أنّ الهيئة، وبإشراف وزارة الثقافة، أتمّت هذا العام تدريب 9500 معلّمة لتعليم الموسيقى في رياض الأطفال في المملكة العربية السعودية.

وبعد استراحة قصيرة، أطلّت الفرقة الملكية الفلهارمونية البريطانية بقيادة المايسترو بنجامين بوب لتبدأ ثانية فقرات الحفل بأداء مقطوعة "كراون إمبريال" من تأليف السير ويليام والتون، المؤلف الموسيقي البريطاني البارز المعروف بأعماله الأوركسترالية وتوزيع جون رَتَر، وهو ملحّن وقائد أوركسترا بريطاني معاصر، اشتهر بموسيقاه الكورالية.

تضمّن الحفل أداء موسيقيا مشتركا لأشهر الأغاني السعودية مع الأوركسترا الملكية الفلهارمونية البريطانية، إلى جانب مقتَطَفِ سوبرانو من أوبرا "زرقاء اليمامة"

وقد تأسست الأوركسترا الملكية الفلهارمونية البريطانية في عام 1946 وهي تُعدّ واحدة من أبرز الفرق الموسيقية في العالم وتمتاز ببراعتها في أداء روائع الموسيقى الكلاسيكية. وقد أتبَعت الأوركسترا البريطانية مقطوعة "كراون إمبريال" بثلاث مقطوعات أخرى هي "لي برادشو" الفصل الثاني، المشهد الثامن، بتوزيع رامي باصحيح، شاركت فيها مغنية الأوبرا سارة كونولي التي أمتعت الحضور بأدائها الساحر الذي امتَزَج بألحان الهجيني السعوديّ بينما راحت كونولي تصدح بجمل عربية يواكبها عازف القانون في الأوركسترا السعودية، ما استدعى تصفيقا حارّا من الحاضرين.

حوار بين ثقافتين

وبعد أداء متميّز لمقطوعَتَي "مسيرة الأبّهة والمراسم" لإلغار، و"صادوق الكاهن" لهاندل، اتّحدّت الفرقتان، السعودية بقيادة المايسترو هاني فرحات، والفلهارمونية البريطانية بقيادة المايسترو بنجامين بوب، وأعضاء الكورال في الفرقتَين، في أداء ثنائيّ مدهش من أجمل الأغاني السعودية، ألّف ألحانه محمد عشّي ورامي باصحيح، تلاه أداءٌ ختاميّ لأغنية "عاشقينك" من كلمات أحمد علوي وألحان أحمد الهرمي وتوزيع محمد عشّي، وهي من الأغنيات المحبوبة للفنّان السعودي راشد الماجد.

فرقة الأوركسترا والكورال الوطني السعودية على مسرح ويستمنستر

وفي حديث أدلى به إلى "المجلة"، قال المايسترو هاني فرحات إن هذه الحفلة جاءت بعد عملٍ دؤوب ومُكثّف لأعضاء الفرقتين تكلّل بنجاح انعكس في هذا التفاعل اللافت الذي شهدته قاعة ويستمنستر المركزية من الجمهور العربي والبريطانيّ، وأن أهمية هذه التجربة تتجلّى في هذا اللقاء الحواري الفريد بين الثقافتَين الموسيقيّتَين السعودية والبريطانية.   

ومن الجدير بالذكر أنّ جمهور "معرض الرياض للكتاب" استمتَع بمتابعة فعاليات الأمسية على شاشة القناة "الثقافية السعودية" وعدد من المحطات التي حرِصت على نقل الفعالية لجمهور المعرض نقلا حيّا.

font change

مقالات ذات صلة