مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

AL_MAJALLA
AL_MAJALLA

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرّف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: اللّابس المتلبّس-من أوراق أبي الطيب المتنبي

الكاتب: عبدالله الغذامي

الناشر: المركز الثقافي العربي – المغرب - لبنان

عندما يُصدر الناقد الثقافي السعودي عبدالله الغذامي كتابا جديدا، فذلك يعني أن القارئ العربي سيجد نفسه في مطرح واسع ينطوي، من جانب، على ما هو جديد ومبتكر، ومن جانب آخر، على ما هو مثار جدال واختلافات غنية مشبعة بروح النقد والغنى التأملي. وهذا هو الحال مع كتابه الجديد "اللّابس المتلبّس- من أوراق أبي الطيب المتنبي" الذي كشف فيه عن الأنساق الثقافية المضمرة في شعر المتنبي، التي لطالما بقيت متوارية خلف قوته الشعرية والبلاغية وعلوّه الفني.

يرى الغذامي أن المتنبي لابسٌ للحكمة، وهذا صحيح بقرينة أن العرب يرددون أبياتا من قصائده في شتى المناسبات، حتى أيامنا هذه، لما تعبر عنه من رجحان في العقل وبعد في النظر. لكنه متلبّسٌ بالنسق أيضا، فهو متعال على الآخرين، نتيجة خضوعه لنسق الأنا المتضخمة والتباهي بالذات المتغلغل في الثقافة العربية، الشعرية على وجه الخصوص.

يرى الغذامي أن المتنبي لابسٌ للحكمة، وهذا صحيح بقرينة أن العرب يرددون أبياتا من قصائده في شتى المناسبات

يرى الكاتب أنه كلما كان المتنبي ذاتيا كان نسقيّا، وكلما ابتعد عن ذاتيته المتعالية كان فيلسوفا. ويضرب مثلا على ذلك مرتبطا بمقتل الشاعر المتهور وغير الحكيم، من حيث أن نسق الأنا المتضخمة والمتعالية هو الذي جعله يُقبل على المبارزة ويُقتل فيها، ولو أنه لم يكن ذاتيا حينها لتحاشى ذلك. فلما اعترض فاتك الأسدي طريقه داعيا إياه لمبارزة، هرب المتنبي مستجيبا لحكمته القائلة إن تلك معركة صغيرة لا تليق به، لكن الأسدي ذكّره بنسقيّته المتمثلة بالأنا عبر بيته الشعري الشهير: "الخيل والليل والبيداء تعرفني..."، فغلبت نسقيّته حكمته ومات مقتولا. عبر هذا المثل الدّال، نكتشف الطريقة التي يفكر بها الغذامي في النقد الثقافي.

أما لماذا المتنبي؟ فإن الغذامي يتساءل إزاء ذلك: هل لأنه يعبّر عن نسقيّتنا وتعالينا على الآخرين واستعدادنا الذهني للانقلاب عليهم متى ما غضبنا منهم؟ أي أنه يمثل الشر الذي فينا ونحاول تغطيته، ونترك المتنبي يعبّر عنه نيابة عنا بدليل تمثّلاتنا لقصائده ذات الطابع الممعن في نرجسيته؟ أم أن شعريته وجمالياته هي شفيعته عندنا لنغفر زلّاته ونداوي سيئاته بحسناته؟

يؤكد الكاتب أن المتنبي هو شاعرنا العظيم، وهو الكاشف النسقيّ في الذات البشرية، وهو الشجاع الذي لم يخجل من عيوبه مراهنا على علوّ مقامه الشعري.

الكتاب: وجوه أفريقية – هوامش في قضايا الفكر والاستعمار والتحرر

الكاتب: د. محمود عبدالكريم أحمد

الناشر: دار المرايا للإنتاج الثقافي – مصر

قسّم الكاتب د. محمود عبدالكريم أحمد كتابه "وجوه أفريقية – هوامش في قضايا الفكر والاستعمار والتحرر" أربعة أبواب، يتضمن كل منها عددا من الفصول، تدور حول قضايا شغلت القارة الأفريقية حكومات وشعوبا، مثل الاستعمار القديم والجديد ومساعي التحرر والتنمية وغير ذلك، عبر مناقشة العديد من الإشكاليات التي أثارت جدالا في حينها، مثل الجدال الذي أثاره اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون(1922) حول الهوية المصرية، ثم المناقشات حول موقع مصر في "المركزية الأفريقية" التي وصلت إلى طرح أفكار حول "زنوجة مصر" التي ناقشها الكتاب كاشفا عن سياقاتها والظروف التي رافقت نشوءها. وغير ذلك من قضايا تُثار مجددا لدى كل حدث يعصف بالقارة السمراء: انقلاب عسكري، تنافس دولي حول موارد القارة وثرواتها، وغيره.

 يناقش الكتاب ما يتعلق بشؤون القارة عبر نحو عشرين شخصية أفريقية، سياسية وثقافية وفنية

يناقش الكتاب ما يتعلق بشؤون القارة عبر نحو عشرين شخصية أفريقية، سياسية وثقافية وفنية، مثل: فرانز فانون، باتريس لومومبا، سمير أمين، الصادق المهدي، ستيف بيكو، توماس سانكارا، ألبير ميمي، عثمان سيمبين... وذلك عبر دراسة كتابات هؤلاء وإنجازاتهم الفنية والثقافية وغيرها، وما كُتب عنهم، وما أثاروه من ردود أفعال متباينة، وكان لهم أثر كبير في الحركة الثقافية والفنية للقارة. ويربط بين توجهاتهم وإنجازاتهم ومواقفهم والمناقشات المستمرة حول الهوية الأفريقية والاستعمار والتحرر. كما يناقش نضالات المرأة الأفريقية في النصف الأول من القرن العشرين، كما في حركة "البان أفريكانيزم" في الولايات المتحدة الأميركية والكاريبي.

وكما يتضمن الكتاب نظرة الأفارقة إلى الآخرين من الشرق والغرب، يتضمن كذلك نظرة الآخرين إلى الأفارقة، عبر البحث في ما أسفر عن لقاءات بين زعماء من الشرق أو الغرب مع زعماء من أفريقيا، كلقاء ماو تسي تونغ مع هواري بومدين، ومناقشة الأفكار العنصرية لبعض كتاب الغرب تجاه الإسلام الأفريقي.

يمكن القول إن الكتاب هو بحث في هوية القارة السمراء.

الكتاب: ألف ليلة وليلة في ثقافات العالم المعاصر- عولمة التسليع والترجمة وصناعة الثقافة

الكاتب: د. محمد جاسم الموسوي

ترجمة: د. قصي مهدي

الناشر: كلمة للترجمة – الإمارات العربية المتحدة

ربما يتبادر، أول ما يتبادر، إلى الذهن، لدى صدور كتاب جديد عن "ألف ليلة وليلة" هو التساؤل عما يمكن أن يضيفه إلى كتب لا تحصى كُتبت عن تلك "الليالي العربية" وحولها، إضافة إلى أفلام سينمائية وأفلام "إنيميشن" وموسيقى ورسم وغير ذلك، من حيث أن كتاب "ألف ليلة وليلة" شغل داخل ثقافات العالم، وفق د. محمد جاسم الموسوي، موقعا لم تشغله سوى الكتب المقدسة لدى معتنقيها. غالبا فإن هذا التساؤل، وإن كان مشروعا، إلا أنه ليس صحيحا مع الدكتور الموسوي، فهو متخصص في البحث والتفكير في هذا الكتاب الكوني، وألّف فيه العديد من الكتب، وكان ينطلق من وجهة نظر مختلفة وجديدة فيها جميعها، وفي هذا الكتاب "ألف ليلة وليلة في ثقافات العالم المعاصر..." بشكل خاص.

يحلل الكتاب شبكة الترجمة الواسعة لهذا الأثر الفريد، والأثر السلبي الذي نشأ جراء ذلك

يمكن اعتبار أن ترجمة هذا الكتاب فرصة جديدة للتفكير في الطروحات العديدة التي قدمها، وهي في مجملها نقدية على نحو لاذع لتحويل الكتاب من كونه قيمة ثقافية عظيمة أسست لسرد ليس عربيا فقط، بل غربي أيضا، إلى كونه سلعة في مجتمعات الاستهلاك، خاضعة للعرض والطلب من جانب، بالإضافة إلى أنها، من جانب آخر، عرضة لتمثّلات غربية عن الشرق، وفق ما يُعرف بالاستشراق، متمثلة نزعة استعمارية استحواذية هدفها نزع الكتاب من أصوله، ليكون كتابا غربيا عن الشرق.

يحلل الكتاب شبكة الترجمة الواسعة لهذا الأثر الفريد، والأثر السلبي الذي نشأ جراء ذلك، وعلى نحو خاص انطلاقا من اعتماد العديد من الباحثين والفلاسفة والمفكرين والسينمائيين والشعراء والرسامين... على ترجمة أنطوان غالان في القرن الثامن عشر، وقد حُذف منها ما يعتبر "غير أخلاقي"، بالإضافة إلى أنه أضاف عليها قصصا ليست موجودة أصلا في الكتاب الأصلي.

لا يبحث الكاتب في الروايات والسينما والرسم والشعر فقط، بل في المنتديات الرقيمة والمصطلحات السياسية، مما يجعل كتابه غنيا وشاملا على نحو يثير الإعجاب.   

الكتاب: إغراء الشعبوية في العالم العربي – الاستعباد الطوعي الجديد

الكاتب: حسن أوريد

الناشر: دار نوفل / هاشيت أنطون والمركز الثقافي العربي - لبنان

يحذر الكاتب المغربي حسن أوريد، بقوة، من انتشار الشعبوية في العالم عامة، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، إذ إنها تتحول إلى سلطوية تمارس الاستعباد ذاته الذي تمارسه الديكتاتورية من إقصاء للمؤسسات والأحزاب السياسية، وغيرها من فعاليات سياسية واجتماعية تساهم في تطور المجتمعات، وذلك تحت ذريعة حفظ الأمن وفق ما يسميه الكاتب "العقد الاجتماعي المستند إلى فكرة أن الأمن أولا والأمن أخيرا". 

يرى الكاتب أن ثمة أرضية صلبة أسست لصعود الشعبوية تتمثل في فشل المشاريع التي طُرحت لفترة طويلة

يرى الكاتب في كتابه الجديد "إغراء الشعبوية في العالم العربي – الاستعباد الطوعي الجديد" أن ثمة أرضية صلبة أسست لصعود الشعبوية تتمثل في فشل المشاريع التي طُرحت لفترة طويلة على أنها الكفيلة بجعل العرب يتقدمون، مثل المشاريع القومية العربية ومن ثم الإسلامية وبشكل خاص "فشل" الربيع العربي الذي منح العرب أملا في التغيير، إلا أن الإنسان العربي "مُني بإخفاق في مسرى كل موجة، لكي لا يلقى من بديل لهجير الكبوات سوى سراب الشعبوية"، ثم يتساءل: "هل يكون الدواء من صميم الداء: الهروب من رمضاء تشوه السياسة وكساد الاقتصاد وكبوة الثقافة إلى هجير الشعبوية؟"، ويصل إلى نتيجة تتمثل في أن الشعبوية هي سلطوية "بلبوس شعبوي"، وهذا ما يطلق عليه تعبير "الاستعباد الطوعي"، من حيث أن الفكرة هذه تخدع "الجماهير" وتجعلها تظن أنها تقود نفسها نحو التقدم والتطور، إلا أنها في الحقيقة تقودها نحو "حتف أنفها" كما يقول الكاتب مستخدما هذا التعبير القاسي.

يعتبر الكاتب أن الشعبوية ظاهرة عرضية أو مرضية وليست ديماغوجيا، أو أسلوبا في بناء الدول والمجتمعات، ويقترح أن تتم مواجهتها منذ بدايات تشكلها قبل أن تصل إلى السلطة وتتحول إلى استبداد جديد.

إنه كتاب في الشعبوية، لكنه أيضا كتاب تشريحي لمشكلات العالم العربي يستعيد خلاله تساؤل شكيب أرسلان الشهير "لمَ تقدم الغرب وتأخرنا" عبر سؤال خاص بالكاتب، وهو "لماذا تقدم غير العرب ولم يتقدم العرب".

الكتاب: التفلسف قبل أفلاطون – مقدمة أولى لكل فلسفة

الكاتب: عبد الحكيم أجهر

الناشر: ابن النديم للنشر والتوزيع – الجزائر / دار الروافد الثقافية، ناشرون – لبنان

عنوان مثير بلا شك "التفلسف قبل أفلاطون..."، إذ يشي بأنه يبحث في قضية ذات مراجع إما قليلة، أو أنها غير معروفة ربما إلا على نطاق ضيق، فالشائع أن كل تفكير في الفلسفة يبدأ مع سقراط وأفلاطون. فهل كان ثمة فلسفة قبلهما؟ وإن وجدت، فلماذا الفلسفة الحديثة، الأوروبية خاصة، ترى أنها بدأت معهما؟ يجيب الكاتب السوري عبد الحكيم أجهر، المتخصص في الفلسفة عامة، والفلسفة الإسلامية بشكل خاص، عن هذه التساؤلات بالقول إن ثقافات البحر الأبيض المتوسط شاركت في الحكمة اليونانية قبل أفلاطون، وإنها ازدهرت في المدن الأقرب إلى شمال أفريقيا وغرب آسيا وليس في أثينا. آنذاك لم تكن الفلسفة غربية ولا شرقية، لكن أوروبا في العصر الحديث اجتهدت، على يد رومنسييها الألمان مثل هيغل وهايدغر ونيتشه وغيرهم، في تأويل تلك المرحلة وجعلها بداية التفلسف وجذر الفلسفة الأوروبية اللاحقة، وبهذا صنعت مصيرا غير متوقع لثقافة المنطقة وثقافات شعوب المتوسط.

 تضمحل ثنائية شرق – غرب، ويُعاد ترتيب المدارس الفلسفية قبل أفلاطون على نحو تحل فيه "مدينة السؤال محل المدينة الجغرافية"

يُعنى الكتاب بالأسئلة الكبرى التي شغلت تلك الشعوب قبل أفلاطون، مثل: "من أين جاء العالم، وكيف تشكّلت أشياؤه المفردة؟ ما هي طبيعته؟ وما هو العنصر الإنساني المناسب ليكون عنصرا كونيا يتحكم في العالم كسلطة كونية، هل هو الحب، أم النور، أم العقل، أم الكلمة؟".

ولكي يزيل الكاتب شبهة الصراع الشرقي أو العربي الإسلامي – الأوروبي، ينوّه إلى ذلك بالقول: "لن يتوقف عملنا على المنازعة في حصّتنا من ميراث الإجابات، فنأتي بشاهد من هنا وآخر من هناك للبرهنة على ملكية فكرة قيلت، ولكننا نريد حصّتنا من القلق، ونصيبنا من الأسئلة، نريد اليقظة والصحو والفعل ورفض الوهن الثقافي، نريد استئناف تأويل هذا القلق (الأسئلة) لنصله مع القلق نفسه الذي شغل المفكرين المسلمين، والذي يشغلنا نحن اليوم أيضا". لذلك وضع عنوانا فرعيا للكتاب هو "مقدمة أولى لكل فلسفة"، قاصدا بذلك أن هذا الكتاب هو تلك المقدمة الأولى حتى للفلسفة العربية الإسلامية، إذ من المهم معرفة البدايات والتشكل والأصول.

بذلك، تضمحل ثنائية شرق – غرب، ويُعاد ترتيب المدارس الفلسفية قبل أفلاطون على نحو تحل فيه "مدينة السؤال محل المدينة الجغرافية".

font change

مقالات ذات صلة