على خلفية تراجع الاهتمام بالأزمة السورية عالميا، تمر الذكرى التاسعة للعملية العسكرية الروسية في سوريا نهاية الشهر الحالي. ورغم النجاح العسكري الواضح منذ الشهور الأولى، وتحويل سوريا إلى ميدان تدريب في ظروف قتالية حقيقية لعشرات الآلاف من الجنود والضباط الروس، وتجريب مئات الأنواع من الأسلحة في "ميدان الرماية السوري"، والترويج المجاني للأسلحة الروسية، فإن النتائج السياسية والاقتصادية لم تكن على قدر التوقعات.
ورغم نجاحها في تعطيل مسار جنيف للحل السياسي وجذب الأمم المتحدة إلى مسار آستانة ولاحقا سوتشي، أخفقت روسيا في إعادة تسويق النظام السوري عالميا. وساهمت الحرب الروسية على أوكرانيا في تراجع قيمة الورقة السورية في أي صفقة شاملة مع الغرب والولايات المتحدة التي بدا أن انخراطها المباشر في الملف السوري تراجع منذ 2019، واقتصر على المحافظة على قوات رمزية في شمال شرقي البلاد الأغنى بالثروات الطبيعية والمحاصيل الزراعية، وإقرار قوانين، مثل قانون قيصر، تعطل أي انفتاح على الحكومة في دمشق يمكنها من إعادة الإعمار، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ويمنح واشنطن الكلمة الفصل في أي تسوية سياسية مستقبلا.
ونجحت روسيا في تغيير معادلات الأزمة السورية، عبر ترجيح ميزان القوى إلى حد كبير لصالح النظام على حساب المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، وإدارة العلاقات مع القوى الإقليمية الفاعلة في الأزمة، بتسوية الخلافات معها على أرضية تقاطع المصالح. وفرضت روسيا مسار آستانة، بمشاركة تركيا وإيران، كبديل عن مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة على أساس مرجعية بيان "جنيف-1" وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، مستغلة انقسام قوى وفصائل المعارضة السورية على نفسها وتضارب أجنداتها، والانكفاء العربي والأميركي والأوروبي، ما مكّن موسكو في المحصلة من إحكام قبضتها على الملف السوري طوال السنوات التسع الماضية، كلاعب رئيس لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية للأزمة في الأفق المنظور.
وفي المقابل، تواجه روسيا تحديات كبيرة في الملف السوري وهي معرضة لخسارة بعض المكاسب المهمة التي حققتها بسبب التردي المتواصل للأوضاع الاقتصادية للنظام، وبقاء مناطق واسعة خارج سيطرته، والفشل في دفعه للقيام بإصلاحات جدية تساعد على إعادة تعويمه وتسويقه، ودخول مسار آستانة واللجنة الدستورية في حالة جمود، وعدم وجود أفق لعملية إعادة الإعمار ضمن المعطيات القائمة، والتداعيات التي قد تترتب على الحرب الأوكرانية.
مكاسب
نجحت روسيا في منع سقوط النظام السوري، وأظهر دبلوماسيوها براعة في اشتقاق تكتيكات في المفاوضات وخلق أزمات تخدم أهدافها وإطالة عمر النظام تحت شعار إعطاء الأولوية لمكافحة "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى المتطرفة. وحققت مكاسب مهمة منها الحصول على أول قاعدة عسكرية خارجية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، في مطار حميميم باللاذقية، كخطوة رمزية مهمة لتثبيت وجودها العسكري في سوريا ضمن مشروعها الجيوسياسي الجديد- القديم، لإعادة رسم خريطة تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
وحسب الاحصاءات الرسمية قتل 184 عسكريا روسيا منذ بداية العملية العسكرية في سوريا حتى نهاية 2023. ولا تشير الإحصاءات إلى خسائر مجموعات المرتزقة مثل "فاغنر" التي فقدت في يوم واحد من فبراير/شباط 2018 ما بين 200 و300 مقاتل أثناء هجوم على حقل نفطي في ريف دير الزور شمال شرقي سوريا. ومن الواضح أنه لا يمكن مقارنة الخسائر الروسية مع ما فقده الجيش الأحمر في أفغانستان حيث قتل ما يزيد على 15 ألف جندي.