في موسيقى الفلامنكو لمسة عربية (أو شرقية) يمكن التقاطها من أول نغمة، ورغم ذلك، يصعب تحديدها وقياسها بموضوعية، أو عزلها بشكل واضح ودقيق. لعل الخيار السهل أن نرجعها إلى تأثير التراث العربي في الثقافة الأندلسية، كما هو واضح في العمارة مثلا، وحتى في اللغة. وبالتالي، يمكن مقاربة هذا التأثير في مجال الموسيقى، بالعودة إلى الروابط التي تجمع الموسيقى الأندلسية والعربية بالفلامنكو، على امتداد الحضور الإسلامي خلال ثمانية قرون، أو منذ نهايته حتى وقتنا الراهن، من خلال التشابه بين الأغاني الشرقية ذات الجذور العربية وغناء الفلامنكو، وأيضا التناغم الغريب لإيقاع الغيتار وبعض حركات اليد في الرقصة الشهيرة، التي قد تكون هي أيضا ذات أصول عربية.
رغم الفضول والبحث المستمر حول أصل كلمة "فلامنكو"، لا يزال هناك عدم اتفاق بين الباحثين، وذلك بسبب نقص الأدلة التي ترجح نظرية على أخرى بشكل حاسم. من بين هذه النظريات المتداولة، هناك تلك التي تفترض أن كلمة "فلامنكو" مشتقة من التعبير العربي "فلاح منجو"، رغم أن لا وجود لكلمة "منجو" في العربية، وصولا إلى نظرية تقترح عبارة "فلاح منكوب"، التي قد تعني أيضا "فلاح هارب"، وهو ربما التفسير الأقرب والأرجح، لأن هذا الفن قد نشأ أصلا بين المورسكيين المطاردين من محاكم التفتيش والفلاحين والعبيد الهاربين الذين اختلطوا بالغجر في الأندلس. إنها نظرية تركز على التأثيرات اللغوية العربية في الأندلس وكيف أن العديد من الكلمات الإسبانية ذات جذور عربية. وعلى الرغم من أن كل هذا صحيح، إلا أن الربط المباشر بين كلمة"Flamenco" وجذر عربي محدّد لا يزال غير واضح، بحسب كثير من الباحثين، لعدم وجود دلائل وثائقية قوية تدعم هذا الافتراض.
مع ذلك، فالعلاقة بين الفلامنكو والموسيقى العربية لا يمكن إنكارها أو التشكيك في وجودها، فهي تظل جزءا لا يتجزأ من الإرث الموسيقي المشترك بين الثقافات المتوسطية وتعكس التأثير العميق للحضارة العربية في شبه الجزيرة الإيبيرية. لقد لعبت فترة حكم المسلمين في إسبانيا (1492-711)، باعتبارها بوتقة للتبادل الثقافي والفكري بين الغرب والعالم الإسلامي، دورا حاسما في تشكيل الهوية الثقافية والموسيقية لما سيصبح فيما بعد فنا عالميا شهيرا: الفلامنكو. هذه الموسيقى الشجية، بأصواتها الحزينة وإيقاعاتها القوية وتقنيات العزف المعقدة على الغيتار، هي في الحقيقة نتاج تاريخ طويل من التبادل الثقافي في إسبانيا، خاصة خلال الفترة الإسلامية في الأندلس.