أمير تاج السر لـ"المجلة": أفضل ما يكتبه الكاتب غالبا عن بلاده وعالمها

حضور طاغ للسودان في معظم أعماله

أمير تاج السر لـ"المجلة": أفضل ما يكتبه الكاتب غالبا عن بلاده وعالمها

يتميز الروائي السوداني د. أمير تاج السر بغزارة الإنتاج، فقد أصدر نحو ثلاثين كتابا في الرواية والشعر والمقالات والسيرة. كتب الشعر مبكرا ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. من أشهر رواياته "مهر الصياح"، "زحف النمل"، "توترات القبطي"، "العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات" التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011 ورواية "366" التي أهلته للحصول على جائزة "كتارا" للرواية العربية عام 2015. ترجمت رواياته الى لغات عدة بينها الإنكليزية والإيطالية.

اعتاد تاج السر على نشر إصدار جديد في كل سنة. إذ يقول في حديثه لـ"المجلة": "نشرت العام الماضي رواية: "فوتوغرافي- غليان الصور" عن دار "تشكيل" السعودية. وهذا العام ربما تصدر لي رواية اسمها "عورة في الجوار" عن دار "هاشيت أنطوان" في بيروت، والإصدار السنوي يأتي من منطلق قناعته بأنه يكتب وفق مشروعه الأدبي الخاص. هنا حوار معه.

  • على الرغم من غيابك عن السودان وعملك طبيبا في الدوحة، منذ عام 1993. لكنك تستحضر السودان في معظم رواياتك، فلماذا هذا الحضور الطاغي؟

سافرت بعدما وعيت تماما بحالة السودان، أي ولدت ونشأت هناك وعملت أيضا في مجالي الطبي، وذهبت إلى المناطق الحدودية، أقصد أن تجربتي التي ستشكل عالمي، اكتملت في بلادي، وجاء السفر بعد ذلك بتجارب إضافية جيدة، واحتكاكات كثيرة ما كانت ستحدث لولا السفر، إضافة إلى أنني لم أترك السودان، وتابعت المتغيرات باستمرار، حيث كنت أقضي جزءا من إجازتي السنوية فيه. هناك أيضا اعتقاد راسخ عندي، أن أفضل ما يكتبه الكاتب هو غالبا عن بلاده وعالمها، ومهما عاش في بلاد أخرى، تجدين كتابته متجهة نحو منبعه، اقرئي لكتاب كبار عندنا وفي أوروبا، هم في أماكن وكتابتهم في مكان تشكلهم، اقرئي مثلا لأمين معلوف والطاهر بن جلون، وحتى ماركيز الذي عاش زمنا في فرنسا، وكتب روائعه عن بلاده. في النهاية لا مانع لدي من الكتابة عن البلاد الأخرى التي عشت فيها، وكونت حياتي الاجتماعية والثقافية، فأنا أحبها كثيرا، فقط أخاف أن أغفل أشياء لا يجب أن تغفل، لكن سأكتب إن شاء الله رواية أو سيرة حياة. خاصة أن هناك من عشت معهم هنا، حياة طيبة جدا.

تنبأت في "توترات القبطي" بظهور تنظيم "داعش" المتطرف وهي تاريخ للتطرف والغوغائية، ومطابقة تماما لما حدث بعد ذلك

  • هل أثّر عملك كطبيب وعلاقتك مع المرضى على أسلوبك، وألهمك بعض الأفكار في كتابة الرواية؟ 

بالتأكيد، العمل بيئة يومية متجددة، وحكايات المرضى فيها كثير من الإلهام وبعضها غريب بالفعل، أنا أستخدم حكايات قد أكون أحتاج إليها في أعمال أكتبها، وأحيانا استلّ حكاية كبيرة من حكاية صغيرة، مثل رواية "إيبولا 76" التي استوحيتها من حكاية طبيب زميل، عاش رعب "إيبولا" أثناء ظهوره الأول في منطقة أنزارا في جنوب السودان، وحكايات أسطورية دونتها في كتابي "سيرة الوجع" عن مدينة طوكر، والحدود الإريترية، استوحيتها أثناء عملي هناك، إضافة إلى أسماء كنت أحتاج إليها بشدة وعثرت عليها وسط المرضى والأمراض مثل: "صاحب الشأن مولانا" في رواية "أرض السودان" و"عجيب تمبولي" في "مهر الصياح" و"مرحلي" في جزء مؤلم من حكاية، هكذا. بالطبع لا تكتب الحكاية كما هي ولكن يتم تطويرها إبداعيا، وتغيير ما يجب تغييره منها، ونقول دائما إن الرواية فيها شيء من الواقع، وشيء من الخيال. أحيانا أكتب حكايات قصيرة، أسميها خامات الكتابة، وهي مواقف حدثت لي، هذه الخامات قد تنتج منها أعمال روائية بالفعل، وقد لا يحدث ذلك.

الروائي السوداني د. أمير تاج السر

  • أصدرت الكثير من الأعمال الروائية، فما الهاجس الروائي الذي يحركك ويجعلك غزير الإنتاج؟  

لدي ستة وعشرون إصدارا، وقد أصدرت مرة روايتين في عام واحد، وهذا حدث حين أصدرت "تعاطف" و"رعشات الجنوب" عام 2013، وكلا الكتابين كتبتهما في زمن مختلف، لكن النشر جاء في عام واحد، فضلا عن بعض الكتب عن الكتابة، وهي ناتجة من مقالات أكتبها أتحدث فيها بصراحة عن جو الكتابة.

أنا في الحقيقة أكتب سنويا، وهذا شيء مشروع، لواحد في مثل سني وتجربتي، ولا أكتب بقصدية أبدا، إنما أكتب حين تأتيني فكرة، ولأن الناس في العالم العربي، لا يكتبون وفق مشروع، في الغالب، فإنهم يستغربون الكتابة السنوية، بينما هي رائجة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، الناس تترقب كتابا سنويا لكتابها المفضلين. 

استحضار التاريخ

  • استحضارك التاريخ سمة بارزة من سمات كتاباتك الروائية، وتجلى هذا في "مهر الصياح" وغيرها من روايات، فمتى تستحضر التاريخ؟

ليس لديّ منهج معين في هذا الشأن، بمعنى لا أقول إنني سأكتب رواية تاريخية أو غير ذلك، أنتظر فكرة ما، ثم أشرع في كتابتها، وهذه الفكرة قد تكون عن رواية تاريخية أو معاصرة، والتاريخ الذي أكتبه في الغالب ليس تاريخا حقيقيا، حدث بالفعل، إنما هو تاريخ مواز، تاريخ متخيّل لزمن ما، أقوم بدراسته جيدا أثناء الكتابة بحيث ألمّ بكل المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والصحية والدينية، وأضع قصتي وشخصياتي. "مهر الصياح" مثلا ليست سيرة مملكة كانت موجودة، ولكن مملكة موازية، ممكن جدا أن تكون موجودة، جزء مؤلم من حكاية، والأمر سيان في "توترات القبطي" التي تنبأت فيها بظهور تنظيم "داعش" المتطرف، كتبتها عام 2009، وهي تاريخ للتطرف والغوغائية، ومطابق تماما لما حدث بعد ذلك، وما يمكن أن يحدث، "رعشات الجنوب" كتبتها والجنوب ما زال جزءا من السودان، وتنبأت بالانفصال وحدث. أعتقد أن الروائي يقرأ الحاضر ويكتب التاريخ، وبعدها قد يأتي المستقبل مطابقا أيضا.

 

روايات ساخرة

  • السخرية هي سمة أخرى من سمات أسلوبك في الكتابة، وظهر هذا بوضوح في رواية "العطر الفرنسي" وغيرها، ولاقت رواياتك الساخرة نجاحا، فكيف استطعت أن تحقق النجاح في هذا النوع من الكتابة؟

هنا أيضا لم أتعمد السخرية، هو أسلوب وجدت نفسي أكتب به ويلائم بعض الأعمال، حتى الجادة منها، نعم "العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات" وحتى "إيبولا 76" و"تعاطف" مصنفة في موقع "أمازون" باعتبارها روايات ساخرة، هذا أسلوب موجود عندي، وحتى في الحديث العادي، عندي نزعة الى الدعابة، لكن قطعا لا يمكن كتابة "مهر الصياح" و"توترات القبطي" وتلك الروايات التي وصفت وجع الوطن مثل "غضب وكنداكات" و"شمشون وتفاحة" بأسلوب ساخر. "غضب وكنداكات" وثقت فيها إبداعيا، ما حدث في الثورة السودانية المباركة، لكنها لم تنتشر كثيرا، وهذا ما جعلني أتساءل، هل اكتفى الثائرون بما حققوه في الأرض؟ طبعا الثورة ضاعت بعد ذلك ودخلت بلادنا مرحلة جديدة.

ما زلنا متخمين بروائيين لم يقرأوا رواية من قبل ولا يعرفون الرواية

  • ​​​​بعض النقاد قالوا إن أعمالك تندرج ضمن الواقعية السحرية... متى تلجأ إلى الخيال؟

منذ الرواية الأولى "كرمكول" وجدت نفسي أميل الى كتابة الغرائب، ومن حسن الحظ أن الغرائب تطاردني دائما، أحب استخدام الخيال، وأرى أن الكتابة هكذا لها مميزات كثيرة أهمها المتعة، لا أدعي أن أعمالي ممتعة، وأعرف أن قراء عديدين يحبون الأعمال الواقعية الصرفة، لكن هي طريقتي التي أحبها وأكتب بها دائما، حين كتبت "قلم زينب"، وهو سيرة واقعية إلى حد ما، نجح الكتاب ودخل في المقررات الدراسية الثانوية لدولة الإمارات، هذا النجاح ينبغي أن يحفزني للكتابة بتلك الطريقة، ولا أقول تشجعت، فقط عزوت إلى أنه كذلك بسبب السيرة، لدي "تاكيكارديا" أيضا سيرة، وخالية من الخيال تقريبا. 

تخمة

  •  "صائد اليرقات" رواية ساخرة عن رجل الأمن (عبد الله فرفار) الذي قرر أن يكتب الرواية بعدما بترت ساقه، فهل يمكن اعتبار هذه الفكرة سخرية ممن يستسهلون الكتابة في هذا العصر؟

نعم بالتأكيد، هذه كتبتها عام 2010. وما زالت الفكرة صحيحة حتى الآن، وما زلنا متخمين بروائيين لم يقرأوا رواية من قبل ولا يعرفون الرواية، هذه الرواية تسببت لي بمشاكل كثيرة، لكنني أحبها، وهي من أعمالي المعروفة كثيرا، وترجمت الى لغات عدة، ويجري تدريسها في المنهج البريطاني الثانوي.

  • حدثنا عن تجربتك في كتابة الشعر بالعامية التي بدأت مبكرا؟

هذه تجربة البدايات، حين اكتشفت أنني يمكن أن أكتب، نعم أول قصيدة كتبتها وأنا طالب في الصف الأول بالمرحلة الثانوية، في مدينة الأبيض، غرب السودان، وقد غناها مطرب هناك، كتبت بعدها قصائد كثيرة جدا، غني بعضها، لكن في النهاية، حين كتبت الرواية، أصبح الشعر جزءا من نسيجها، أحيانا أنشر قصائد هنا وهناك، وهذه أكتبها، في لحظات معينة.

font change

مقالات ذات صلة