الأمم المتحدة والدور المرجو في الشرق الأوسط

تأثيرها على الأرض كان ضئيلا

الأمم المتحدة والدور المرجو في الشرق الأوسط

باتت مصداقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على المحك بينما يبحث عن أفضل الطرق للتعامل مع تصاعد العنف بين إسرائيل و"حزب الله". فمنذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت قدرة الأمم المتحدة على إحداث تأثير ملموس في الصراع بين إسرائيل والجماعات المدعومة من إيران، مثل "حماس" و"حزب الله"، محدودة للغاية.

ورغم إصدار الكثير من القرارات منذ وقوع الهجمات، والانتقادات العلنية للتدخل العسكري الإسرائيلي في غزة، الذي يُقال إنه أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني حتى الآن، فإن تأثير الأمم المتحدة على الأرض كان ضئيلا. حيث إن محاولات الأمم المتحدة السابقة، مثل قرار الجمعية العامة العام الماضي الذي دعا إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، لم تحقق تغييرات ملموسة في مستوى العنف. وكان أبرز الانتقادات لهذا القرار هو عدم إدانته لـ"حماس" بشأن هجمات السابع من أكتوبر، وهي الهجمات التي استخدمتها إسرائيل لتبرير عملياتها العسكرية المستمرة في القطاع.

وفي الآونة الأخيرة، قوبلت دعوات الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بتجاهل تام. حيث واصلت القوات الإسرائيلية، إلى جانب الجماعات الاستيطانية المسلحة، شن هجماتها في المنطقة دون أي تغيير في الوضع.

ومع تصاعد العنف بين إسرائيل و"حزب الله" وظهور احتمالات حقيقية لنشوب صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، تواجه الأمم المتحدة ضغوطا لإثبات قدرتها على أن تكون قوة لتحقيق الاستقرار في العالم المضطرب.

وفي أحدث محاولة دبلوماسية لمنع تصعيد الصراع، دعت الولايات المتحدة وفرنسا وبعض حلفائهما إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما بين إسرائيل و"حزب الله"، مع التأكيد على دعمهم لهدنة في غزة أيضا. وجاء في بيان مشترك صادر عن البيت الأبيض يوم الأربعاء، عقب اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن لبنان: "الوضع بين لبنان وإسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 بات لا يُحتمل ويمثل خطرا كبيرا لا يمكن قبوله لاحتمال تصعيد إقليمي واسع النطاق".

كما شاركت دول أخرى في هذا البيان، منها أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.

وأثارت هذه المبادرة بالتأكيد بعض الأمل في التوصل إلى وقف للأعمال العدائية، خاصة بعد أن أبدت إسرائيل تفضيلها لحل دبلوماسي لإنهاء العنف.

ومن جانبه، صرح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، للصحافيين بأن إسرائيل سترحب بوقف إطلاق النار، مؤكدا تفضيل الحلول الدبلوماسية، لكنه حذر من أن إيران هي المسؤولة في النهاية عن تأجيج العنف في المنطقة. وقال دانون: "نحن ممتنون لكل الجهود الدبلوماسية الصادقة لتجنب التصعيد وتفادي حرب شاملة"، مضيفا أنه في حال فشل المحادثات: "سنستخدم كل الوسائل المتاحة لنا، وفقًا للقانون الدولي، لتحقيق أهدافنا".

ومع ذلك، سيعتمد نجاح المبادرة الدبلوماسية بشكل كبير على رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي من المقرر أن يسافر إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أكد نتنياهو أن الهدنة ليست خيارا مطروحا.

تصاعدت المخاوف من توسع الصراع في ظل غياب تدخل فعال من الأمم المتحدة، لا سيما بعد تحذير وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من أن الشرق الأوسط يواجه "كارثة شاملة"

ويُقال إن نتنياهو صرح في اجتماع أمني مع وزراء إسرائيليين بأن "المفاوضات ستكون تحت النار، ونحن نواصل قصف (حزب الله) بكل قوتنا".
وتشدد إسرائيل على أن أي وقف حقيقي لإطلاق النار لا يمكن تحقيقه إلا بتحسن الوضع الأمني في شمال البلاد، بما يسمح لنحو 60 ألف إسرائيلي، فروا من منازلهم في تلك المنطقة، بالعودة. وهذا يتطلب من "حزب الله" وقف إطلاق الصواريخ التي تشكل تهديدا مستمرا لشمال إسرائيل منذ هجمات السابع من أكتوبر. ومع ذلك، تتردد الميليشيا المدعومة من إيران في اتخاذ هذه الخطوة إلى حين التوصل إلى إيقاف إطلاق نار مستمر في غزة.
ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة وفرنسا قيادة الجهود الرامية لإنهاء العنف، حيث أصدر البيت الأبيض بيانا مشتركا باسم الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد اجتماعهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا فيه إلى "تأييد واسع" لبيان وقف إطلاق النار المشترك و"تقديم الدعم الفوري لحكومتي إسرائيل ولبنان".
وبينما يواصل الدبلوماسيون في نيويورك العمل على صياغة اتفاق لوقف إطلاق النار يكون مقبولا لجميع الأطراف، تستمر المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله". وفي الجولة الأخيرة من الأعمال العدائية، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية أنها قصفت حوالي 75 هدفا لـ"حزب الله" في لبنان، في حين أطلقت الجماعة المدعومة من إيران عشرات الصواريخ باتجاه إسرائيل.
وقد تصاعدت المخاوف من توسع الصراع في ظل غياب تدخل فعال من الأمم المتحدة، لا سيما بعد تحذير وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من أن الشرق الأوسط يواجه "كارثة شاملة"، محذرا من أن إيران ستدعم لبنان "بكل الوسائل" إذا تصاعد القتال بين إسرائيل و"حزب الله". وقال عراقجي للصحافيين في الأمم المتحدة: "المنطقة على شفا كارثة شاملة، والعالم سيواجه عواقب كارثية إذا لم يتم وقف هذا التصعيد"، مؤكدا أن إيران "ستدعم شعب لبنان بكل الوسائل الممكنة".
وفي حين أعلن "حزب الله" أنه سيواصل القتال حتى يجري التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، أفاد دبلوماسيون أميركيون بأن الولايات المتحدة لم تعد تربط مساعيها الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق النار في غزة بالصراع في لبنان، نظرا لإلحاح الأزمة. وهذا التوجه يزيد المخاوف من أن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان قد يكون أمرا غير ممكن في الوقت الراهن.
وفي ظل هذه الظروف، أصبحت الحاجة إلى انخراط القوى الكبرى في العالم في ممارسة دبلوماسية قوية للتوصل إلى قرار فعال في مجلس الأمن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وهو قرار يمكن أن يسهم في تحقيق استقرار نسبي في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وإلا فإن المنطقة قد تكون على شفا حرب شاملة.

font change