لطالما مني الاقتصاد اللبناني بخسائر ونتائج مريرة جراء الحروب والاجتياحات منذ نصف قرن، إلا أن أضرار حرب "الإشغال والمساندة" الأخيرة التي أطلقها "حزب الله" منذ 11 شهراً، تضامناً مع غزة، وخسائرها البشرية والاقتصادية والمالية، ستطغى على ما سبق، لأنها، مع عنفها، تأتي فوق جبال من الخسائر المتراكمة على مدى سنين بسبب مسار البلاد "الممانع" للإعمار والاستقرار، ولا سيما منذ عام 2005، وما بعد حرب تموز 2006، وصولا الى الإفلاس الشامل عام 2019.
يفصل بين لبنان واسرائيل، شريط حدودي بطول 81 كيلومترا، يمتد من ساحل مدينة الناقورة، صعودا نحو جبل الشيخ، ويضم عشرات القرى والبلدات، ومئات آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة ومختلف أنواع المزروعات. اندلع القصف المتبادل بداية على طول جانبي هذا الشريط، قبل أن يتمدد ويتوسع في الأسبوعين الأخيرين على نحو أسقط حدود ما كان يسمى "قواعد الاشتباك"، في وقت قاتل يعاني فيه لبنان إفلاساً مالياً وانهياراً إقتصادياً ونقدياً غير مسبوق، ويعيش انكماشاً ومعدلات نمو سلبية.
من المبكر حساب الخسائر المتعاظمة التي أصابت الاقتصادين اللبناني والإسرائيلي حتى كتابة هذه السطور. فالقصف المتبادل، والغارات الجوية بالطائرات والمسيرات، والقصف الصاروخي، وعمليات التهجير على الضفتين، والتهديدات المتبادلة بالدمار والنار، لا تسمح بقياس مفاعيل ونتائج حرب بدأت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. تشير التطورات الأخيرة، من تفجير أجهزة الاستدعاء، "البيجر" واللاسلكي، وإصابة نحو 4 آلاف عنصر من "حزب الله" إصابات بليغة، واغتيال قادة ميدانيين، وتوسع رقعة الغارات الإسرائيلية، إلى ضاحية بيروت الجنوبية وغيرها من المناطق اللبنانية، وفي المقابل قصف "حزب الله" حيفا وصفد وتل أبيب، ومناطق كانت آمنة نسبياً في إسرائيل، هذه كلها تشير إلى أن الخسائر البشرية والاقتصادية التي وقعت سابقاً قد تكون تفصيلاً في الفاتورة المقبلة، ولا سيما اذا توسعت الحرب أكثر مما بلغته حتى الان.