ألم شديد في الفخذ أحس به الكاتب والمذيع والمعارض البلغاري، جورجي ماركوف، أثناء انتظاره لحافلة في لندن شهر سبتمبر/أيلول 1978. فأثناء وقوفه بانتظار الحافلة اصطدم به شخص غريب يحمل مظلة. بحلول المساء، ارتفعت حرارة ماركوف وجرى نقله إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة بعد أربعة أيام. لم تكن وفاته حادثة عابرة، بل كان ضحية عملية اغتيال مدبرة نفذها قتلة محترفون من بلغاريا والاتحاد السوفياتي، باستخدام أداة عادية جدا، وهي مظلة، استخدمت لحقن السم في جسده.
وكما يتضح من قصة ماركوف، فإن الهجوم الذي استهدف أعضاء "حزب الله" الأسبوع الماضي باستخدام أجهزة النداء والاتصال اللاسلكي لم يكن المرة الأولى التي تُستخدم فيها أدوات يومية لأغراض القتل. في الواقع، هناك تاريخ طويل من تحويل الأدوات العادية إلى وسائل شريرة، بما في ذلك من قبل "حزب الله" نفسه. ومع ذلك، يتميز الهجوم الإسرائيلي الأخير بفرق جوهري عن الأمثلة التاريخية السابقة، ليس في طبيعة العشوائية التي تميز هذه الهجمات، بل في نطاقها وتعقيدها الكبيرين.
توجد الكثير من الأمثلة التاريخية لاستخدام الأدوات اليومية كأسلحة للقتل، ولا تقتصر هذه الأمثلة على القرن العشرين. فعلى سبيل المثال، جرى استخدام أداة بسيطة وضرورية في حياتنا: البطانيات. ففي عام 1763، دخل المستعمرون الإنجليز في أميركا الشمالية في حرب ضد الشعوب الأصلية التي كانت تدافع عن أراضيها ضد التوسع الأوروبي. أثناء حصار المحاربين الأصليين لأحد الحصون الإنجليزية. وفي لحظة من اليأس، كتب قائد الحصن إلى السير جيفري أمهرست، قائد القوات البريطانية في أميركا الشمالية، يبحث عن وسيلة لكسر الحصار.
كان أمهرست على دراية بأن مرض الجدري مدمر بشكل خاص للشعوب الأصلية، فاقترح نشر المرض بين المحاربين الذين يحاصرون الحصن. في رسالة تحتوي على كلمات تبدو مألوفة في عصرنا، نصح قائلا: "يجب علينا في هذه الحالة استخدام كل وسيلة ممكنة للحد من أعدادهم"، مشجعا على الاستخدام المتعمد لمرض الجدري كسلاح. لكنه في الواقع كان قد تأخر، حيث سبق لتاجر إنجليزي أن حاول بالفعل نشر العدوى بين الشعوب الأصلية من خلال تقديم بطانيات وأقمشة ملوثة بمرض الجدري مأخوذة من مرضى موجودين داخل الحصن. وعلى الرغم من عدم معرفة مدى نجاح هذه المحاولة، فإنها شكلت سابقة خطيرة في استخدام الأشياء اليومية كأسلحة قاتلة.
وشهد عام 1920 حادثة بارزة أخرى باستخدام حصان وعربة كأداة للقتل. في تلك الفترة، ورغم بداية انتشار وسائل النقل الآلي، كانت الخيول لا تزال وسيلة شائعة في المدن. في 16 سبتمبر 1920 بمدينة نيويورك، لم يكن هناك ما يثير الشكوك عندما توقفت عربة يجرها حصان خارج مكاتب المؤسسات المالية الكبرى في "وول ستريت"، بينما كان العمال يستمتعون باستراحة الغداء. إلا أن تلك العربة كانت في الواقع وسيلة لنقل قنبلة وضعها فوضويون إيطاليون لإرسال رسالة قاتلة إلى الدولة الرأسمالية الأميركية. وفي تمام الساعة 12:01 ظهرا، انفجرت القنبلة المصنوعة من الديناميت والمحشوة بكرات معدنية لتعظيم تأثير الانفجار، مما أسفر عن مقتل أربعين شخصا وإصابة مئات آخرين. واعتُبرت هذه الحادثة الهجوم الإرهابي الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة حتى تسعينات القرن العشرين.