الحشد العسكري الأميركي... دفاع مستميت عن إسرائيل

البنتاغون يعلن عن إرسال مزيد من القوات إلى الشرق الأوسط

رويترز
رويترز
صورة أرشيفية لطائرات فوق حاملة الطائرات الأميركية "أزينهاور" في 2 يوليو العام 2013

الحشد العسكري الأميركي... دفاع مستميت عن إسرائيل

تتزايد المخاوف مع إعلان إدارة بايدن إرسال مزيد من القوات إلى الشرق الأوسط، من أن الصراع الآخذ في التفاقم بين إسرائيل و"حزب الله" ينطوي على خطر التصعيد إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا.

والولايات المتحدة تحتفظ من قبل بقوة من 40 ألف جندي متمركزة في المنطقة، هدفها الأساسي هو الدفاع عن حلفاء واشنطن من التهديد الذي تشكله إيران وشبكة وكلائها في المنطقة. وتستخدم القوات الأميركية على نحو خاص للدفاع عن إسرائيل عندما تهدد إيران أو أحد وكلائها الدولة اليهودية بهجمات مباشرة.

ونتيجة لهذا الموقف شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مع كل من المملكة المتحدة وفرنسا، عملية عسكرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بعد أن بدأوا في شن هجماتهم في البحر الأحمر على السفن التجارية التي زعموا أنها مرتبطة بإسرائيل. فردت قوات التحالف بمهاجمة مواقعهم في اليمن وتكثيف دوريات الحماية البحرية في البحر الأحمر.

كما أن الجيش الأميركي أدى دورا قياديا في الدفاع عن إسرائيل، بعد أن شنت إيران أول هجوم مباشر عليها في أبريل/نيسان ردا على غارة جوية إسرائيلية على السفارة الإيرانية في دمشق. فقد اعترضت الدفاعات الجوية الأميركية التي نشرت في المنطقة، ودمرت قرابة 300 صاروخ ومسيّرة أطلقتها إيران على إسرائيل.

ولهذا فإن إعلان البنتاغون يوم الاثنين عن إرسال مفرزة "صغيرة" من القوات إلى الشرق الأوسط، ردا على العنف المتصاعد بين إسرائيل و"حزب الله"، سيثير حتما المخاوف من أن الولايات المتحدة قد تصبح في نهاية المطاف أكثر تورطا في دوامة هذا الصراع المتصاعد.

الجيش الأميركي أدى دورا قياديا في الدفاع عن إسرائيل، بعد أن شنت إيران أول هجوم مباشر عليها في أبريل ردا على غارة جوية إسرائيلية على السفارة الإيرانية في دمشق

ومن المؤكد أن إمكانية استخدام القوات الأميركية للدفاع عن إسرائيل في حالة تصعيد الأعمال العدائية، أمر لم يستبعده اللواء بات رايدر، السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع الأميركية، وهو يخبر الصحافيين هذا الأسبوع عن تعزيز القوات. وقال: "نظرا للتوترات والتصعيد، فإن اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقا أمر محتمل. لا أظن أننا وصلنا إلى هذا الحد، لكن الوضع خطير". ورفض رايدر أن يفصح عن عدد القوات التي سترسل ولا عن الدور الذي ستؤديه.

وبالإضافة إلى القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة من قبل، وقوامها 40 ألف جندي، نشرت الولايات المتحدة أكثر من اثنتي عشرة سفينة حربية مع آلاف من مشاة البحرية على متن السفن في البحر الأبيض المتوسط.

كما سوف تتعزز هذه القوة الجبارة قريبا بحاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان، التي غادرت ميناء فيرجينيا يوم الاثنين تصحبها مدمرتان وطراد. وهذا يعني أن الولايات المتحدة سيكون لها مرة أخرى حاملتا طائرات منتشرتان في الشرق الأوسط، حيث تقوم حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" حاليا بعمليات في خليج عمان.

ويعكس الحشد العسكري الأميركي المتزايد في الشرق الأوسط مخاوف إدارة بايدن المتزايدة من أن الأعمال العدائية المتفاقمة بين إسرائيل و"حزب الله" قد تدفع إيران أخيرا إلى مزيد من الانخراط في الصراع.

وإيران بوصفها الداعم والراعي الرئيس لـ"حزب الله"، فهي متورطة بالفعل بعمق، وهي تراقب التطورات في لبنان عن كثب. وقد زاد خطر زيادة مشاركة إيران في الصراع بعد اتهام إسرائيل الأسبوع الماضي بالتسبب في انفجار أجهزة الاستدعاء (البيجر) وأجهزة اتصال لاسلكية (ووكي توكي)، كان "حزب الله" يستخدمها في جميع أنحاء لبنان، مما تسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

بالإضافة إلى القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة من قبل، وقوامها 40 ألف جندي، نشرت الولايات المتحدة أكثر من اثنتي عشرة سفينة حربية مع آلاف من مشاة البحرية على متن السفن في البحر المتوسط.

وردت إيران باتهام إسرائيل بارتكاب "قتل جماعي". وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "ناصر كنعاني"، في بيانه الذي وجه فيه هذا الاتهام، قائلا إنه "يدين العمل الإرهابي الذي ارتكبه النظام الصهيوني."

وفي هذه الأثناء، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" خلال زيارته إلى نيويورك هذا الأسبوع لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "حزب الله لا يستطيع أن يصمد بمفرده" في وجه إسرائيل.

وقال الرئيس: "لا يمكن لحزب الله أن يصمد بمفرده في مواجهة دولة تدافع عنها وتدعمها وتسلحها دول غربية وأوروبية والولايات المتحدة". وأضاف "ينبغي أن لا نسمح بأن يغدو لبنان غزة أخرى على يد إسرائيل."

وبالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في المنطقة، فقد حذرت  طهران مباشرة من أنها ستواجه عواقب "كارثية" إن هي نفذت مزيدا من الهجمات على إسرائيل.

رويتز
مسلحون من "حزب الله" أثناء تدريبات في معسكر في بلدة عرمتا جنوب لبنان في 21 مايو 2023

كما يشير الوجود العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة أيضا، إلى أن احتمالات تنفيذ إدارة بايدن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تتضاءل بسرعة، مع أن البيت الأبيض لا يزال ملتزما بتخفيف التوترات في كل من لبنان وغزة.

وبعد أن شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية مدعية أنها استهدفت مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لـ"حزب الله"، دعت إدارة بايدن الجانبين إلى ضبط النفس، ودعت في الوقت نفسه إلى وقف فوري لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل. ومع أن البيت الأبيض يصر على أن الحل الدبلوماسي لا يزال قابلا للتحقيق، فإن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير قالت إن الإدارة "تشعر بالخوف والقلق من التصعيد المحتمل."

 وسيحرص المسؤولون الأميركيون أيضا على أن لا يكرروا أخطاء تدخلهم العسكري الكبير الأخير في لبنان في ثمانينات القرن العشرين، الذي أسفر عن مقتل مئات العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين بعد أن دمرت سلسلة من الشاحنات المفخخة السفارة الأميركية ومجمع مشاة البحرية الأميركية في بيروت.

سيحرص المسؤولون الأميركيون أيضا على أن لا يكرروا أخطاء تدخلهم العسكري الكبير الأخير في لبنان في ثمانينات القرن العشرين، الذي أسفر عن مقتل مئات العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين

وقد اتصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، في مكالمتين هاتفيتين حتى الآن، سعيا منه لتهدئة التوترات، وقد واصل الضغط على الإسرائيليين في المكالمتين لتنفيذ وقف لإطلاق النار في غزة.

ولكن مع تلاشي الآمال سريعا في إمكانية تنفيذ وقف إطلاق النار، قال غالانت إن حدة النشاط العسكري الإسرائيلي في غزة أظهر أن إسرائيل "قررت تحويل" مركز الثقل "في عملياتنا من الساحة الجنوبية إلى الساحة الشمالية"، مشيرا إلى أن العمليات في غزة قد تحتل مرتبة ثانوية من أجل زيادة القتال في الشمال.

وفي البداية، شن "حزب الله" هجماته الصاروخية على شمال إسرائيل دعما لـ"حماس" عقب هجماتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لذا يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة قد يساعد في تهدئة التوترات في لبنان.

ولكن مع إخفاق الجهود الدبلوماسية في تحقيق أي تقدم يذكر لإنهاء الأعمال العدائية، تدل كل المؤشرات على زيادة ملحوظة في القتال بين إسرائيل و"حزب الله"، مع استمرار هذه الميليشيا المدعومة من إيران في إطلاق موجات من الصواريخ على إسرائيل بينما تواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية مهاجمة مواقع "حزب الله" في لبنان، بما في ذلك مهاجمة أهداف في بيروت.

ومن بين أهداف إسرائيل الرئيسة مواصلة استهداف كبار قادة "حزب الله"، حيث استهدفت الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية علي كركي، القائد العسكري للحركة في جنوب لبنان، وأحد آخر قادة "حزب الله" في ساحة المعركة.

ولم يتضح بعد هل قتل كركي في الغارة أم لا، إذ زعم "حزب الله" أنه نجا وانتقل إلى مكان آمن. وقد قُتل الكثير من كبار قادة "حزب الله"، وبينهم إبراهيم عقيل، رئيس القوات الخاصة في "حزب الله"- وهي ضربة أعاقت بشدة قدرة "الحزب" على التخطيط لشن رد فعال على الهجوم الإسرائيلي.

وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن ما لا يقل عن 550 شخصا، بينهم 50 طفلاً على الأقل، قد قتلوا وأصيب أكثر من 1200 في الموجة الأخيرة من الغارات الجوية الإسرائيلية.

ومع أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على لبنان اقتصر أساسا على الغارات الجوية، فإن المخاوف لا تزال قائمة من أن الإسرائيليين قد يفكرون في شن هجوم بري في جنوب لبنان، بغية إنشاء منطقة عازلة تمكن الإسرائيليين الذين يقدر عددهم بنحو 60 ألفا فروا من ديارهم بالعودة إليها في شمال إسرائيل.

مع أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على لبنان اقتصر أساسا على الغارات الجوية، فإن المخاوف لا تزال قائمة من أن الإسرائيليين قد يفكرون في شن هجوم بري في جنوب لبنان

يسعى كل من إسرائيل و"حزب الله" حتى الآن إلى تجنب الانجرار إلى تكرار حرب عام 2006، التي استمرت 34 يوما خاض فيها الجانبان قتالا داميا في جبال جنوب لبنان دون أن يحرز أي منهما نتيجة حاسمة.

وحذر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، شعبه من "أيام معقدة" قادمة، لكنه قال إن الاستراتيجية الجديدة ستسمح لإسرائيل باستعادة زمام المبادرة بمواجهة "حزب الله". وقال: "لقد وعدت بأننا سنغير التوازن الأمني وتوازن القوى في الشمال. وهذا بالضبط ما نفعله."

وفي محاولة من إسرائيل للحد من معدل الإصابات بين المدنيين الآخذ بالتزايد في لبنان، قالت إنها حاولت الاتصال بما لا يقل عن 80 ألف شخص تحذرهم كي يخلوا القرى التي تزعم إسرائيل أن "حزب الله" يخبئ فيها الصواريخ، مكررة بذلك التكتيك نفسه الذي استخدمته في غزة.

أ.ف.ب
صواريخ إسرائيلية تعترض أخرى أطلقها "حزب الله" من لبنان في 16 سبتمبر

وحذرت رسائل نصية وتسجيلات صوتية إسرائيلية السكان كي يغادروا قراهم التي يستخدمها "حزب الله" والبقاء على مسافة 1000 متر، إلى أن يتلقوا رسالة جديدة تخبرهم بأن العودة آمنة.

وتبع ذلك في وقت لاحق رسالة فيديو من نتنياهو حث فيها جميع المدنيين اللبنانيين على "الابتعاد عن الأذى."

ومع ذلك، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين في لبنان، وذكرت أن عشرات الآلاف من الأشخاص  قد فروا من منازلهم.

وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ماثيو سالتمارش للصحافيين في جنيف يوم الثلاثاء: "أُجبر عشرات الآلاف من الأشخاص على ترك منازلهم نهار أمس وفي الليل، ولا تزال الأعداد في تزايد"، وأضاف أن "الخسائر في صفوف المدنيين غير مقبولة."

ورغم الدعوات الدولية إلى التهدئة، فمن المؤكد أن الإسرائيليين لا يظهرون أي علامة على التراجع في مواجهتهم مع "حزب الله"، حيث كشف هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أن الضربات الواسعة النطاق على معاقل "حزب الله" قد سميت "عملية سهام الشمال"، محذرا في الوقت نفسه من أن إسرائيل تستعد للخطوات التالية من العملية.

وفي ظل عدم استعداد أي من الطرفين على ما يبدو للحد من الأعمال العدائية، فإن كل المؤشرات تدل على أن القتال بين إسرائيل و"حزب الله" سيشهد مزيدا من التصعيد، مع كل التداعيات التي سوف يخلفها ذلك على أمن المنطقة بمجملها.

font change

مقالات ذات صلة