استند تشكيل حركة طالبان للدولة على تفسيرها لمبدأ "الخلافة الإسلامية غير الجامعة"، وذلك استنادا لحقيقة تعدد "الخلافة" في الأمصار في فترة القرون الوسطى، حيث وجدت الدول التي يحكمها خلفاء يحمل كل واحد منهم لقب أمير المؤمنين. ورغم أن طالبان لم تستخدم لقب الخليفة، فإنها- عمليا- تتعامل مع زعيمها على أنه خليفة يلتزم جميع المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون في نطاق حكمه بطاعته بعد أن انعقدت له البيعة. وكما تم في عام 1996 عندما بويع الملا عمر، يتم اختيار "الأمير" من قبل مجلس محدود من القيادات الدينية بأسلوب "أهل الحل والعقد". وبناء على ذلك، فإن الانتخابات الشعبية ليست طريقا "شرعيا" لاختيار الحاكم وفق تفسير طالبان، والأمر نفسه ينسحب على الحكم الوراثي الذي لا يتوافق مع رؤية حركة طالبان للحكم الإسلامي.
بالتالي، تصر طالبان على أن نشاطها لا يتعدى حدود التراب الأفغاني، وأنه ليس لها طموح في تبني خطاب أممي يسعى لإقامة كيان سياسي موحد على أساس "الخلافة". وهذا هو الفارق الجوهري بين طالبان والتنظيمات العابرة للحدود مثل جماعة "الإخوان المسلمين"، وتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش". ونلحظ هذا من خلال تسميتهم لدولتهم بـ"الإمارة الإسلامية" وليس "الخلافة" أو "الدولة" مما يعكس محدودية طموح الجماعة في السيطرة على الحدود الجغرافية لبلدهم الذي تنتمي له قبائلهم. ويعضّد ذلك كون جميع قيادات وكوادر الحركة ينتمون إلى النسيج الشعبي الأفغاني، وليس بينهم مهاجرون. وبغض النظر عن تشدد الجماعة وتبنيها لأفكار متطرفة، فإن اقتصارها على أبناء بلدها يعطيها طابعا وطنيا يختلف عن تلك الحركات والتنظيمات ذوات الطابع العابر للحدود.
العودة للسلطة
عند محاولة تفسير الأسباب الموضوعية لعودة صعود طالبان، فإنها تتلخص في نوعين من المعطيات: داخلية تتجلى في عدم مواءمة الوجود الأجنبي لطبيعة المواطنين الأفغان الذين تغلب عليهم المحافظة. إضافة لعدم تلبية طموحاتهم في الأمن والحياة الكريمة ونقمتهم على القوة المفرطة التي استخدمتها "القوات المحتلة" ضدهم. يُضاف لذلك كونُ فكرة الثأر راسخة في صميم المكون الثقافي لقبائل البشتون. وتتجلى المعطيات الخارجية في إرهاق دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من تبعات استمرار وجودها في أفغانستان، إذ تكبدت تلك الدول الكثير من الخسائر المادية والبشرية خلال العشرين عاما التي بقيت فيها هناك.