تقول العرب "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، والجذام مرض خطير معدٍ، لكن المثل لا يُقصد به المريض فقط، فهو ينطبق على المحبَطين الذين لا يرون في الوجود شيئا جميلا على حد تعبير شاعر المهجر إيليا أبو ماضي. المُحْبَط هو ذلك الإنسان الذي مال إلى تصور الحياة على أنها معاناة وورطة وجد نفسه وقد تورط فيها فأحاط به اليأس من كل اتجاه، ولو أنه غيّر زاوية النظر لربما بدت له الحياة في صورة أجمل مما كان يتصورها.
غير أن حديثنا اليوم ليس عن المحبطين اليائسين، وإنما هو عن المحَبِّطين (بفتح الحاء وتشديد الباء وكسرها) وهم أولئك الذين ينطلقون من خطة سياسية لبث الإحباط واليأس في نفوس أفراد الشعب. مع شبكات التواصل الاجتماعي أصبح كل شيء واضحا ولم نعد بحاجة لجمع الأدلة لكي نخرج بموقف ما، تابع ما يُكتب وسترى وستعرف الاتجاهات التي تسعى جاهدة لتغليب اليأس حتى تكون النفوس جاهزة للانفجار.
هناك حملات منهجية تستخدم منصات التواصل الاجتماعي وتشن حملاتها على الشباب السعودي تحديدا وتزيف وعيه وتسلط بصره على الجزء غير الممتلئ من الكأس وتمارس معه التضليل وملء ذهنه بمعلومات معظمها غير صحيحة أو مبالغ فيها بشكل كبير. كمٌّ مهولٌ من المعلومات المزورة والوقائع التي لم تحدث، تمتلئ بها تلك المنصات. التقنية الحديثة أصبحت وسيلة من وسائل الحرب، والمستهدف دائما هم الشباب الذين لم يصلوا سن النضج.
التقنية الحديثة أصبحت وسيلة من وسائل الحرب، والمستهدف دائما هم الشباب
وهناك تركيز خاص على الوضع الاقتصادي في السعودية، مئات الإشاعات عن السعودية على مدار اليوم، وأن الشباب لم يعودوا يجدون الوظائف. رغم أن السعودية هي "أم الخير" ووسائل الارتزاق فيها لا تحصى، ومن أبسطها أن يعمل الشاب في مجال سيارات الأجرة. ما يكسبه سائق سيارة الأجرة، بعد البحث والسؤال، يتراوح ما بين تسعة آلاف إلى أثني عشر ألف ريال، هذا الرقم في ذاته كاف لتحقيق حياة كريمة ودخل متوسط يستطيع الشاب من خلاله أن يؤسس عائلة. وعندما يقوم الشاب بتطوير مهاراته وقدراته باستمرار فلن تتوقف فرص العمل عند سيارات الأجرة.
تلك الجهات المعادية تتجاهل كل هذا، وتتغافل عما حققته المملكة من نجاحات في عديد من المجالات الاقتصادية، وفي كل يوم يتشككون في نجاح رؤية 2030 برغم كل نجاحاتها التي نراها رأي العين. ولا يكتفي هؤلاء الأعداء بنسج الأكاذيب بل يدعمونها بالمتابعة والتأييد، بمعنى أنهم يتعاملون مع أكاذيبهم على أنها حقائق، على طريقة اكذب واكذب حتى يصدّقك الناس. ولا ينفكون يستخدمون أساليب تستفز العواطف، خصوصا العواطف الدينية، وقد يعملون على استفزاز العنصرية القبلية أو النعرة المناطقية، وكل ما يمكنه أن يضرب اللحمة الوطنية.
من الضروري، عندما نسمع أي خبر أن نسأل: ما المصدر؟ هذا هو أول سؤال تعلمناه منذ أن ولجنا عالم الصحافة والإعلام، إذا أتيتَ بخبر فمن حقي أن أسألك عن المصدر المسؤول عن نقل ذلك الخبر. وهل المصدر في مثل وزن الخبر؟ عندما ينقل شخص مجهول أو معرّف في منصة "إكس" أن الرئيس الأميركي مات البارحة، على سبيل المثل، فمن الواضح أن ناقل الخبر ليس في وزن الخبر، ولو كان صحيحا لوجدناه في كل القنوات العالمية وكل الصحف الدولية.
في العالم الافتراضي لا يعود ذلك الشخص إنسانا يخجل من أكاذيبه، هو مجرد برنامج في العالم الرقمي
وقد يلجأ المحَبِّطون إلى التزوير، كأن يصور أحدهم خبرا وينسبه إلى محطة تلفزيونية معروفة ويضع شعار تلك المحطة على الخبر. مرة أخرى، عندما تجد أن الخبر – الإشاعة – ثقيل فلا تصدّق حتى تذهب إلى الموقع الرسمي لنلك المحطة وتتأكد من صحة نقلها لذلك الخبر.
المُحَبِّط عدو، لا تشغله الحقائق ولن يزعجه أنك اصطدته كاذبا في خبر نقله إليك. كل هذا لا يهمه في شيء، ففي العالم الافتراضي لا يعود ذلك الشخص إنسانا يخجل من أكاذيبه، هو مجرد برنامج في العالم الرقمي يتبع خطة إجرامية.