نجحت إسرائيل في توظيف تفوقها الهائل في عوالم التكنولوجيا والاتصالات من أجل زرع الشكوك لدى جمهور "حزب الله"، وإحداث إرباك واسع عند اللبنانيين ونخبهم السياسية، بدءا من اختراق شبكة الإنترنت وأجهزة تقوية الإشارة "الواي فاي" وكاميرات المراقبة، مرورا بـ"إعصار البيجر واللاسلكي"، وصولا إلى اختراق شبكة الاتصالات اللبنانية.
خروقات تثير الذعر
فجر يوم الاثنين 23 سبتمبر/أيلول، تلقى العشرات من اللبنانيين من سكان العاصمة بيروت والجنوب والبقاع (شرق لبنان) اتصالات إسرائيلية على شبكة الهواتف الأرضية تطالبهم بإخلاء منازلهم. وبلغت الاتصالات أعتاب الحكومة اللبنانية مع تلقي وزارتي الإعلام والثقافة اتصالات تحذيرية أيضا. وهي المرة الأولى التي تصل فيها التحذيرات الإسرائيلية العلنية إلى المقار الرسمية، على الأقل منذ قرابة العقدين.
وبحسب بيان صادر عن وزير الاتصالات اللبناني جوني القرم، فإن "النظام المعتمد داخل شبكة الاتصالات المحلية لا يستقبل اتصالات تحمل الرمز الهاتفي الإسرائيلي". وبالتالي فإن ما حصل "لا يعد خرقا بالمعنى التقني، بل تحايل على نظام الرموز الدولية (إنترناشيونال كود) عبر استخدام رموز عائدة لدول أخرى". وأشار القرم إلى "وجود الكثير من التطبيقات التي تتيح تغيير أو إخفاء المصدر الحقيقي للمكالمة، مما يجعل النظام يظهر المكالمة وكأنها تأتي من مكان آخر". هذا وقدرت وكالة "رويترز" عدد اللبنانيين الذين تلقوا اتصالات إسرائيلية تحذيرية بقرابة 80 ألفا، من بينهم سكان يقطنون في مناطق الشمال اللبناني.
هذه التحذيرات التي سبقت موجة عنيفة من الغارات الإسرائيلية في الجنوب، ضاعفت من حجم الإرباك اللبناني الذي كان قد بدأ يرخي بثقله غداة عملية تفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكي قبل أيام قليلة، والتي أحدثت صدمة واسعة جعلت اللبنانيين ينظرون إلى الهواتف الذكية ومختلف الوسائط التكنولوجية على أنها تهديد محتمل، ولا سيما مع تفشي الشائعات والأخبار المضللة، والتي دفعت البعض إلى فصل أجهزة الطاقة الشمسية التي يعتمد عليها شطر واسع من اللبنانيين لتعويض غياب الكهرباء.
علاوة على ذلك، أسهم ضعف استجابة الحكومة اللبنانية في زيادة منسوب القلق لدى اللبنانيين، الأمر الذي دفعهم إلى التهافت بكثافة على منافذ التجزئة ومحطات الوقود خلال عطلة نهاية الأسبوع. كما اتسعت حركة النزوح لتشمل مدنا في عمق محافظة الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وشملت عوائل تنزح للمرة الثانية بعد أن كانت قد نزحت قبل أشهر من قراها المتاخمة للخط الحدودي.
ذروة الإرباك الرسمي تمثلت في حالة التخبط إزاء التعامل مع العام الدراسي الذي بالكاد انطلق منذ أيام معدودة في المدارس الخاصة دون المدارس الرسمية، حيث تسبب قرار وزير التربية عباس الحلبي بتعليق التعليم في الجنوب والبقاع، واستمراره في بيروت وسائر المناطق، في حصول موجة تزاحم شعبي ممزوجة بالذعر في شوارع العاصمة اللبنانية، مع مسارعة الأهالي إلى المدارس لسحب أبنائهم عقب ورود الاتصالات التحذيرية الإسرائيلية، في مشهدية أعادت إلى أذهان اللبنانيين ذكريات الحرب الأهلية المريرة. ونجم عن ذلك موجات اختناق مروري زادت من حدتها أرتال النازحين.
تفعيل "إذاعة لحد"
لم تكتفِ إسرائيل بخرق شبكة الاتصالات الأرضية اللبنانية، بل اخترقت أيضا شبكة الهواتف الخلوية لتوجيه رسالة نصية قصيرة إلى آلاف اللبنانيين تقول فيها: "إذا أنت موجود بمبنى به سلاح لـ"حزب الله"، ابتعد عن القرية حتى إشعار آخر". كما أنها خرقت موجات البث الإذاعي اللبناني، وأعادت تفعيل إذاعة تابعة لميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" اللبنانية التي كانت تشكل ذراعا أمنية لها إبان احتلالها لشريط واسع من الأراضي بين محافظتي الجنوب والبقاع، وتعرف باسم "جيش لحد" نسبة إلى قائدها أنطوان لحد، وهو جنرال سابق في الجيش اللبناني. وعبر أثير الإذاعة التي أعيد تفعيلها جرى توجيه تحذير "من جيش الدفاع الإسرائيلي إلى سكان جنوب لبنان. الجيش لا يريد المساس بكم، إذا كنتم توجدون في مبنى يستخدم أيضا من قبل "حزب الله"، أو بالقرب منه، عليكم الخروج من القرية والابتعاد بمسافة ألف متر خلال ساعتين، حتى تلقي رسالة جديدة".