القشة التي يتعلق بها السودانيون...

لم تعد الحكومات هي صاحبة القرار في قبول أو رفض التدخل الدولي

القشة التي يتعلق بها السودانيون...

كفاح السودانيين للحفاظ على حياتهم وإنهاء معاناتهم مع الحرب دفع الكثيرين للبحث عن خيارات جديدة وإن كانت شديدة المرارة. وفي مقدمة هذه الخيارات الاستعانة ببندقية المجتمع الدولي لتضع حدا للطرفين المتحاربين ومعاونيهما، أو على أقل تقدير يكون هناك تدخل دولي لحماية المدنيين من نيران القتال الذي استطال. والأهم من كل ذلك أن جهود المجتمع الدولي لحل الأزمة سلميا عبر التفاوض تصطدم في كل مرة بحائط تعنت الأطراف.

المتاجرة بـ"السيادة"

قطعا ليس من الممكن أن تسمح الشعوب بانتهاك سيادتها على بلادها في الظروف العادية، ولكن عندما تنتهك السلطات الحكومية نفسها حقوق الشعوب وتتصارع المجموعات المسلحة المصنوعة من قبل تلك السلطات على مصالح وبسط نفوذ، يصبح مفهوم السيادة جزءا من أدوات المعركة ولا يجد ضحايا هذا الصراع سبيلا إلا التطلع إلى المجتمع الدولي لحمايتهم.

خيارات صعبة

تعثر "مفاوضات جنيف" وفشلها في إقناع الأطراف المتقاتلة على وقف إطلاق النار حتى يتدارك المجتمع الدولي الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب يضع السودان أمام ثلاثة خيارات كلها صعبة وتكتنفها مخاطر كبيرة، أولها والأقرب للواقع الحالي: الخيار الأول وهو استعار الحرب واستخدام كل طرف سلاحه الأكثر فتكا وضراوة. والخيار الثاني الذي يمكن أن ينتج عن "جنيف" فهو انقسام السودان وخاصة بعد سيطرة "الدعم السريع" على معظم أقاليم غرب السودان. أما الخيار الثالث فهو التدخل الدولي من باب حماية الناس.

لم تعد الحكومات هي صاحبة القرار المطلق في الموافقة أو رفض التدخل الدولي، وإن شئت الدقة في غالب الحال يُفرض التدخل الدولي على الدول لصالح الشعوب وليس العكس.

ما يحدث في السودان يجعل منه بلدا تنطبق عليه بشكل شبه كامل شروط "التدخل الدولي"

وفي السنوات الأخيرة ارتفعت القيمة النفعية لمفهوم "التدخل الدولي الإنساني" وهو لا يبتعد عما جاء آنفا، ويعني بشكل واضح تدخلا دوليا لصالح الشعب المنكوب إنسانيا. وقطعا ارتبط مفهوم "التدخل الدولي الإنساني" بتأثيرات النزاع على السلم والأمن العالميين، وباختصار ما يحدث في السودان يجعل منه بلدا تنطبق عليه بشكل شبه كامل شروط التدخل الدولي.

حماية الأرواح
إطلاق اسم "حلف متحدون لإنقاذ الأرواح في السودان" على الحلف الدولي الجديد الذي تكون بعد "مفاوضات جنيف"، لم يأتِ من فراغ، ولكنه يلخص حالة إنسانية كارثية يعيشها السودان تجاوزت مرحلة الدعم إلى مرحلة الإنقاذ. وقال المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بريليو أكثر من مرة إنهم لن يتأخروا في استخدام كافة الخيارات لأجل إنقاذ الأرواح في السودان. وكثير من المراقبين ينظرون إلى خطوة الحلف في حد ذاتها على أنها استعداد لخيار "التدخل". وتضم مبادرة "متحدون" الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا (إيقاد) والولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر وسويسرا.

والحال، فإن المصادمة المباشرة بين مبدأ السيادة ومبدأ حماية المدنيين وحقوق الإنسان قديمة، والشواهد تؤكد أن الغلبة والمفاضلة تمضي لصالح مفهوم الحماية والحفاظ على حقوق الإنسان، والأمم المتحدة نفسها باتت تتعرض لضغوط كثيفة للتدخل وحماية المواطنين.

فزاعة التجارب
ذاكرة الشعوب تحتفظ بعمليات متاجرة كبيرة بمفهوم السيادة الوطنية كما أسلفنا، وكان المستفيد الأول والأخير منه الحكام الذين استخدموا عاطفة الشعوب لهذا الغرض، وذاكرة الشعوب لا تنسى أيضا أن المتحاربين في الأنظمة الدكتاتورية- بعد أن تزهق الأرواح وتنتهك الحقوق- يتعانقون في نهاية المطاف، ولا عزاء للضحايا. وهذا المشهد تكرر في السودان مرارا، لذلك نجد أن حماية الناس من القتل والانتهاكات ومخلفات الحرب أمر ضروري وإن كان بتدخل دولي رغم التخويف من هذا التدخل بتجارب شبيهة في العالم وتجارب في السودان كما حدث مع بعثة "يوناميد" في دارفور.

font change