"الإعلانات هي فن الكهوف في القرن العشرين"، هكذا تكلم الكندي مارشال ماك لوهان، أحد مؤسسي علم التواصل والإعلام، فكما يدلنا فن الكهوف على رؤية صانعيه للعالم في العصور القديمة وعلى معتقداتهم وعاداتهم، كذلك توفر الإعلانات اليوم رؤية قيمة عن التجربة الإنسانية والأوضاع الاجتماعية في العصر الحالي. لذا، وفي ظل التغيرات الاجتماعية السريعة في تونس، والمتسارعة خاصة بعد ثورة 2011 المقترنة بتحولات لغوية، فإن الإعلانات المرئية والمكتوبة، تقدّم صورة عن الوضع اللغوي في البلاد.
الفصحى والفرنسية
انطلقت أول الإعلانات التونسية التلفزيونية بعدما تسلم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي مقاليد الحكم سنة 1987، حيث كانت الإعلانات قبل ذلك التاريخ ممنوعة نظرا إلى الوجهة الاشتراكية للحزب الحاكم في ظل رئاسة الحبيب بورقيبة. وجاء أول تلك الإعلانات بالعامية التونسية، لكن عددا منها مزج بين اللغة العربية الفصحى الحديثة والعامية (مثال: زبادي "زياد" الذي لم يعد موجودا في السوق: "أهلا يا زياد، نورتَ البلاد. هاتوا يا أولاد ما لذ وطاب"، أو علامة شامبو تجارية "شامبو ممتاز... لكل الناس")، ومنها أيضا إعلانات ينحصر فيها استخدام الفصحى في المقطع من الإعلان الذي يحمل صبغة رسمية أو شبه رسمية، كتهاني العيد مثلا (مواد التنظيف "جودي" الذي يعتمد أغنية بالعامية من التراث التونسي، وينتهي بعبارة "جودي تتمنى لكم عيدا سعيدا").
أما الإعلانات المكتوبة في تلك الفترة في تونس، فقد كان أغلبها وبالكامل إما باللغة الفصحى أو بالفرنسية، حتى وإن كانت قناة خاصة حينئذ تضع بعض الأعلام الأعجمية بالحروف اللاتينية، وهذا ما يدل على أن المعتقد الشائع، وهي المسلمة اللغوية التقليدية، كان يتمثل في أن العامية لا ترتقي إلى مستوى اللغة، وأنها لهجة محكية لا تمكن كتابتها، على عكس الفصحى التي تنفرد برتبة اللغة المكتوبة.