تخيل أنك صادفت شبيها لك، شخصا يُطابقك في المظهر تماما، فكيف سيكون رد فعلك؟ وما الذي ستفعله؟ هل ستشعر بالدهشة؟ أم بشيء من الخوف؟ هل ستشيح بوجهك عنه وتتابع سيرك متحاشيا إياه؟ أم أنك ستدنو منه وتبادره بالكلام سعيا إلى التعرف إليه؟ ومتى تعرفت إليه، هل ستود أن تلتقيه مجددا؟ ولأي سبب؟ ألأنك، حالما وقع نظرك عليه، قررت أن تقتله؟ هذا، على أي حال، ما يقرر فعله هرمان – بطل رواية "اليأس" لفلاديمير نابوكوف – ما أن يُبصِر متشردا يشبهه شبها تاما.
"اليأس" هي رواية نابوكوف (1899 - 1977) السابعة، كتبها بالروسية ونشرها في برلين عام 1934 في مجلة تُعنى بأدب المهجر الروسي، وقد صدرت حديثا عن "منشورات الجمل" بترجمة فالح الحمراني. تتميز "اليأس" بأنها قصة بوليسية يرويها المجرم نفسه – هرمان – كاشفا فيها جميع تفاصيل الجريمة. لذلك، وعلى عكس معظم الرويات البوليسية، لا ينبع التشويق هنا من رغبة القارئ في اكتشاف هوية القاتل، بل من رغبته في معرفة ما هي الجريمة التي يخطط الراوي لارتكابها، وما إذا كان سينجح في تنفيذها أم لا. فهرمان الحريص على تشويق القارئ، لا يُطلعنا على خطته دفعة واحدة ومنذ البداية، وإنما تدريجا وببطء، تفصيلا تلو تفصيل، فلا ندرك أنها تتمثل في قتل شبيهه إلا في منتصف الرواية.
راوٍ نرجسي وشيطاني
هرمان راوٍ شيطاني يسعى إلى إغواء القارئ وإبهاره، وهو في هذا لا يختلف كثيرا عن معظم الرواة في الأدب. ففعل السرد – سواء استخدم الراوي ضمير المتكلم أم ضمير الغائب – يهدف قبل أي شيء إلى اجتذاب القارئ والاستحواذ على انتباهه، ومن ثم إثارة إعجابه، ولذلك فإنه ينطوي على قدر غير قليل من النرجسية. إلا أن هذه النرجسية تبقى عموما متوارية تحت سطح النص والكلمات، فلا يلحظها القارئ. هذه ليست حال هرمان إطلاقا، إذ أن نرجسيته تتجلى صريحة صارخة، فتكاد تسطع في كل جملة يكتبها.