تخوض إسرائيل حربا دفاعية على حدودها مع لبنان لما يقرب من عام. فمنذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، أصبح النمط مألوفا. فر السكان على جانبي الحدود، وقام "حزب الله"- الميليشيا الشيعية في لبنان- بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المتفجرة باتجاه البلدات والقواعد القريبة من الحدود الشمالية لإسرائيل. وردت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بالمثل باستخدام المدفعية والضربات الجوية. ولكن هذا النمط انكسر الآن.
وفي العام الماضي، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر، اعترف مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية بأنهم أهملوا مراقبة الجماعة التي تتخذ من غزة مقرا لها. فقد قضوا السنوات السابقة في تركيز جهودهم بشكل رئيس على "حزب الله" العدو الأكثر قدرة. وها هي الأحداث الأخيرة تثبت أن مستوى اختراق إسرائيل لـ"حزب الله" واسع بالفعل.
وفي 17 سبتمبر/أيلول، انفجرت آلاف أجهزة النداء اللاسلكي (البيجر) التي يستخدمها أعضاء الميليشيا في آن واحد، مما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، وأحدثت فوضى في شبكات الاتصالات الخاصة بـ"الحزب". وفي اليوم التالي، جرى تفجير المئات من أجهزة اللاسلكي، ما أدى إلى تأثير مشابه. وقد أشارت هذه الهجمات إلى تحول ملحوظ، حيث أخذت إسرائيل زمام المبادرة في تصعيد الحرب.
وبعد يومين، مضت إسرائيل أبعد من ذلك، حيث قصفت ودمرت مبنى سكنيا في حي الضاحية الجنوبية في بيروت، المعقل الرئيس لـ"حزب الله". وأسفر الهجوم عن مقتل إبراهيم عقيل، أحد مؤسسي الحركة وقائد عملياتها، بالإضافة إلى قادة "قوة الرضوان" الخاصة. ووفقا لوزارة الصحة اللبنانية، فقد قُتل ما لا يقل عن 45 شخصا. كما اغتالت إسرائيل قادة آخرين كبار في "حزب الله" ببيروت. ففي الثلاثين من يوليو/تموز، قُتل فؤاد شكر، القائد العسكري الفعلي لـ"حزب الله". إلا أن ذلك جاء ردا على ضربة صاروخية من "حزب الله" أسفرت عن مقتل 12 طفلا في قرية درزية بمرتفعات الجولان. وكان اغتيال إبراهيم عقيل خطوة محسوبة من قبل إسرائيل لتغيير ديناميكيات الصراع وبدء انتزاع أثمان أعلى من "حزب الله".
ومنذ تفجير أجهزة البيجر، بدأت إسرائيل أيضا بشن ضربات جوية ليلية استهدفت عمق الأراضي اللبنانية بشكل أوسع مما كانت عليه خلال العام الماضي. وذكر ضباط إسرائيليون أنهم دمروا أكثر من 300 موقع لإطلاق الصواريخ تابعة لـ"حزب الله"، بالإضافة إلى بعض الصواريخ بعيدة المدى التي لم يقم "الحزب" بنشرها بعد. ووصف أحد الضباط هذه المرحلة بأنها "مرحلة الحرمان من القدرة"، و"دفعة أخرى على مقياس التصعيد".
وقد استغرق "حزب الله"- الذي كان لا يزال يعاني من الفوضى إثر الهجمات الإسرائيلية الأخيرة- وقتا طويلا للرد. ولكن في الساعات الأولى من صباح يوم 22 سبتمبر، أطلق الحزب 115 صاروخا باتجاه شمال إسرائيل، وصلت إلى مناطق هي الأعمق داخل إسرائيل حتى الآن. وقد اعترضت أنظمة الدفاع الإسرائيلية معظم هذه الصواريخ، وأسفر الهجوم عن إصابة عدد قليل من المدنيين بالصواريخ التي تمكنت من الوصول.