تصاعد التوتر بين إسرائيل و"حزب الله" نحو مواجهة شاملة

إسرائيل لم تُجهز القوات اللازمة للغزو حتى الآن

رويترز
رويترز
دخان يتصاعد من صور في جنوب لبنان قرب حدود اسرائيل في 23 سبتمبر

تصاعد التوتر بين إسرائيل و"حزب الله" نحو مواجهة شاملة

تخوض إسرائيل حربا دفاعية على حدودها مع لبنان لما يقرب من عام. فمنذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، أصبح النمط مألوفا. فر السكان على جانبي الحدود، وقام "حزب الله"- الميليشيا الشيعية في لبنان- بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المتفجرة باتجاه البلدات والقواعد القريبة من الحدود الشمالية لإسرائيل. وردت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) بالمثل باستخدام المدفعية والضربات الجوية. ولكن هذا النمط انكسر الآن.

وفي العام الماضي، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر، اعترف مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية بأنهم أهملوا مراقبة الجماعة التي تتخذ من غزة مقرا لها. فقد قضوا السنوات السابقة في تركيز جهودهم بشكل رئيس على "حزب الله" العدو الأكثر قدرة. وها هي الأحداث الأخيرة تثبت أن مستوى اختراق إسرائيل لـ"حزب الله" واسع بالفعل.

وفي 17 سبتمبر/أيلول، انفجرت آلاف أجهزة النداء اللاسلكي (البيجر) التي يستخدمها أعضاء الميليشيا في آن واحد، مما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، وأحدثت فوضى في شبكات الاتصالات الخاصة بـ"الحزب". وفي اليوم التالي، جرى تفجير المئات من أجهزة اللاسلكي، ما أدى إلى تأثير مشابه. وقد أشارت هذه الهجمات إلى تحول ملحوظ، حيث أخذت إسرائيل زمام المبادرة في تصعيد الحرب.

وبعد يومين، مضت إسرائيل أبعد من ذلك، حيث قصفت ودمرت مبنى سكنيا في حي الضاحية الجنوبية في بيروت، المعقل الرئيس لـ"حزب الله". وأسفر الهجوم عن مقتل إبراهيم عقيل، أحد مؤسسي الحركة وقائد عملياتها، بالإضافة إلى قادة "قوة الرضوان" الخاصة. ووفقا لوزارة الصحة اللبنانية، فقد قُتل ما لا يقل عن 45 شخصا. كما اغتالت إسرائيل قادة آخرين كبار في "حزب الله" ببيروت. ففي الثلاثين من يوليو/تموز، قُتل فؤاد شكر، القائد العسكري الفعلي لـ"حزب الله". إلا أن ذلك جاء ردا على ضربة صاروخية من "حزب الله" أسفرت عن مقتل 12 طفلا في قرية درزية بمرتفعات الجولان. وكان اغتيال إبراهيم عقيل خطوة محسوبة من قبل إسرائيل لتغيير ديناميكيات الصراع وبدء انتزاع أثمان أعلى من "حزب الله".

أ ف ب
لبناني يقرأ رسالة نصية وصلت الى هاتفه الخليوي (نقال) من الجيش الإسرائيلي في 23 سبتمبر

ومنذ تفجير أجهزة البيجر، بدأت إسرائيل أيضا بشن ضربات جوية ليلية استهدفت عمق الأراضي اللبنانية بشكل أوسع مما كانت عليه خلال العام الماضي. وذكر ضباط إسرائيليون أنهم دمروا أكثر من 300 موقع لإطلاق الصواريخ تابعة لـ"حزب الله"، بالإضافة إلى بعض الصواريخ بعيدة المدى التي لم يقم "الحزب" بنشرها بعد. ووصف أحد الضباط هذه المرحلة بأنها "مرحلة الحرمان من القدرة"، و"دفعة أخرى على مقياس التصعيد".

وقد استغرق "حزب الله"- الذي كان لا يزال يعاني من الفوضى إثر الهجمات الإسرائيلية الأخيرة- وقتا طويلا للرد. ولكن في الساعات الأولى من صباح يوم 22 سبتمبر، أطلق الحزب 115 صاروخا باتجاه شمال إسرائيل، وصلت إلى مناطق هي الأعمق داخل إسرائيل حتى الآن. وقد اعترضت أنظمة الدفاع الإسرائيلية معظم هذه الصواريخ، وأسفر الهجوم عن إصابة عدد قليل من المدنيين بالصواريخ التي تمكنت من الوصول.

تقول مصادر عسكرية إن إسرائيل تخطط أيضا لشن هجوم بري يتضمن السيطرة على منطقة عازلة تمتد لبضعة أميال شمال الحدود

وعلى الرغم من هذا التصعيد، لم تتطور المواجهات إلى "حرب شاملة" بعد، حيث لم يقم أي من الطرفين باستخدام كامل قوته النارية. بالنسبة لـ"حزب الله"، يعني ذلك إطلاق دفعات أكبر من الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى، باتجاه المواقع المدنية والعسكرية الرئيسة في وسط إسرائيل، بالإضافة إلى تنفيذ غارات برية على الأراضي الإسرائيلية. أما بالنسبة لإسرائيل، فسيشمل ذلك حملة قصف أوسع ضد شبكة صواريخ "حزب الله"، بما في ذلك مواقع الإطلاق الموجودة داخل المناطق المدنية، ومع اعتبار تدمير البنية التحتية المدنية كهدف أخير، من أجل تأليب الشعب اللبناني ضد "الحزب" (حيث إن هناك الكثير من اللبنانيين الذين يعارضون بالفعل حرب "الحزب" مع إسرائيل). وتقول مصادر عسكرية إن إسرائيل تخطط أيضا لشن هجوم بري يتضمن السيطرة على منطقة عازلة تمتد لبضعة أميال شمال الحدود.

رويترز
مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت في 23 سبتمبر

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن نشر فرقة ثانية، كانت متمركزة في غزة حتى قبل نحو شهر، في الشمال استعدادا لأي تصعيد محتمل. ومع ذلك، وخلال زيارة إلى الحدود نهاية الأسبوع، لم يكن هناك ما يشير إلى أن الاجتياح وشيك. فالوحدات القتالية كانت تتدرب يوم السبت في قواعدها في الشمال، لكنها لم تبدأ بعد في التجمع في مناطق التحضير بالقرب من الحدود. وصرح أحد ضباط الاحتياط المشاركين في الاستعدادات بأن "خطط الغزو البري جاهزة، لكننا ما زلنا بعيدين عن توفير القوات الكافية هنا لتنفيذها".

يخفي توقيت التحركات الإسرائيلية الأخيرة الانقسامات داخل الهيئات العسكرية والسياسية العليا في إسرائيل. فهناك من يدعو إلى تصعيد أسرع بكثير، معتقدين أن على إسرائيل استغلال الفوضى في صفوف "حزب الله" لتدمير جزء أكبر من قدراته والسيطرة على أراض إضافية. وفي المقابل، يتبنى الجنرالات الأكثر حذرا، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، نهجا تدريجيا أكثر، على أمل أن تمنح هذه الاستراتيجية "حزب الله" فرصة لإعادة التفكير في موقفه والتراجع عن التصعيد.

وقد وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان، مؤكدا: "أهدافنا واضحة، وأفعالنا تتحدث عن نفسها".

في الوقت الحالي، ليس من المؤكد أن نتنياهو سيتمكن من استعادة الهدوء أو إعادة المواطنين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال

وفي الواقع، تتمثل أولوية نتنياهو في إثبات قدرته على الوفاء بوعوده أمام الجمهور الإسرائيلي، الذي يزداد انتقاده لأدائه. ففي غزة، دمرت القوات الإسرائيلية معظم القطاع الساحلي ومعه البنية العسكرية لـ"حماس"، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني وفقا لمسؤولي الصحة في القطاع. ومع ذلك، فشلت إسرائيل في إنقاذ 101 رهينة لا يزالون محتجزين هناك، أو إجبار "حماس" على قبول وقف إطلاق النار بشروط إسرائيل. ويسعى نتنياهو إلى تحويل التركيز إلى الجبهة الشمالية وفصلها عن جبهة غزة.

أ ف ب
دخان يتصاعد من صور في جنوب لبنان قرب حدود اسرائيل في 23 سبتمبر

وفي 19 سبتمبر، ظهر الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، على الهواء ليتحدث إلى أعضائه، وقد بدت عليه آثار الصدمة. وكرر، كما فعل منذ أكتوبر الماضي: "لن نتوقف عن هجماتنا ما دام العدو لم يوقف حربه في غزة".

وعلى عكس الوضع في غزة، هناك إطار لوقف إطلاق النار في لبنان، يتمثل في قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي ينص على انسحاب قوات "حزب الله" إلى نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومترا من الحدود. إلا أن نصرالله يرفض تنفيذ هذا الانسحاب حتى تغادر إسرائيل غزة.

وفي الوقت الحالي، ليس من المؤكد أن نتنياهو سيتمكن من استعادة الهدوء أو إعادة المواطنين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال. وعلى الرغم من تأكيداته، فإن أهدافه واستراتيجيته ليست واضحة تماما. ومع ذلك، يتضح بشكل متزايد أن إسرائيل، في حربها مع "حزب الله"، غير مستعدة للانتظار حتى تتضح استراتيجيته وأهدافه.

font change

مقالات ذات صلة