السعودية تساند مصر وتعزز استقرارها الاقتصادي

5 مليارات دولار جديدة استثمارات من "الصندوق السيادي" والتبادل التجاري 33 مليارا

واس
واس
مجسم النخلة يكتسي باللون الأخضر احتفاء باليوم الوطني السعودي.

السعودية تساند مصر وتعزز استقرارها الاقتصادي

تعود العلاقات المصرية السعودية الطيبة إلى أزمنة بعيدة تمتد جذورها إلى ما يزيد على قرن من الزمن. وشهدت العلاقات الثنائية تطورات ملحوظة عبر العهود المختلفة التي حكمت مصر، في العديد من المجالات: السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والتجارية، والصناعية. وعرفت تلك السنوات زخماً من التعاون على الصعد كافة، ناهيك عن تقارب في الرؤى والمواقف المشتركة، مما يعكس حجم العلاقات التاريخية والوثيقة التي ربطت البلدين، سواء على مستوى القيادتين أو الشعبين الشقيقين، إذ تتطلع كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية إلى زيادة أطر التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

وتأتي قوة العلاقات بين البلدين كضمان فعلي لمواجهة أي أخطار تهدد الأمن العربي والخليجي، وسط اضطرابات قوية تشهدها المنطقة من نزاعات وتوترات وأزمات جيوسياسية، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والجرائم الإلكترونية. وعلى الرغم من تجاوز مصر أزمتها الاقتصادية الأخيرة، لا تزال هناك صعوبات وتحديات نتيجة التطورات الإقليمية الراهنة التي باتت تشكل تهديداً للمنطقة بأكملها.

ويبدو أن التوتر المتزايد في المنطقة يشير إلى احتمال تحول حرب إسرائيل على قطاع غزة و"حزب الله" في لبنان إلى اندلاع نزاع إقليمي شامل في الشرق الأوسط، إذ تظهر إسرائيل عازمة على خوض حرب متعددة الجبهات والأطراف.

ارتفاع الاستثمارات السعودية في مصر

ولم تتوانَ المملكة يوما عن دعم مصر باستمرار في أزماتها الاقتصادية كلها التي تمر بها جراء التوترات والحروب، لا سيما في ظل التحديات الحالية التي تؤثر في تحقيق التنمية البعيدة الأجل، والتي تلقي بتبعاتها على المشهد الاقتصادي المصري. ولا شك أن الروابط بين البلدين تُعَد حجر الزاوية الأساس للأمن والاقتصاد العربيين، بل والإقليميين، مما يحتم على البلدين تنسيق الجهود وتكاملها.

صندوق الاستثمارات العامة السعودي يضخ استثمارات قيمتها خمسة مليارات دولار في الاقتصاد المصري "كمرحلة أولى"

بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للرياض، واجتماعه مع ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان قبل أيام، أفادت الحكومة المصرية في بيان أن المحادثات شملت "الأزمات الإقليمية الحالية وتداعياتها على مصر، ولا سيما ما يتعلق بأمن الملاحة في البحر الأحمر، إلى جانب تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين إلى مصر، وهو ما يضع ضغوطاً على الاقتصاد المصري".

وأعطى ولي العهد السعودي توجيهاته لصندوق الاستثمارات العامة بضخ استثمارات في مصر بقيمة إجمالية تبلغ خمسة مليارات دولار "كمرحلة أولى"، وفي البيان أن الجانبين ناقشا تعزيز العلاقات الثنائية، والانتهاء من صياغة اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر وتشجيعها، والتي تخضع حالياً للمسات الأخيرة تمهيداً لبدء الإجراءات التشريعية والقانونية لإصدارها رسمياً في مصر. ومن المتوقع أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ الفعلي خلال أقل من ثلاثة أشهر.

Shutterstock

وتُعتبَر المملكة من أوائل الدول التي استثمرت في مصر في العديد من القطاعات، أبرزها: الأغذية، والأدوية، والأسمدة، والمقاولات، والسياحة. وتُعَد السوق المصرية وجهة جاذبة لاستثمارات المملكة في القطاعات الاقتصادية كلها مثل السياحة، والنقل، والبنية التحتية، والتطوير العقاري، والزراعة، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات.

وتستهدف الحكومة المصرية في المرحلة المقبلة جذب مزيد من الاستثمارات السعودية الجديدة، ولا سيما في ظل ما تقدمه من حوافز غير مسبوقة مثل "الرخصة الذهبية". وتجاوزت الاستثمارات السعودية في مصر 10 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2023، وهي قابلة للزيادة. ووفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، جاءت المملكة في المرتبة الأولى بين الدول العشرين الأكثر استثماراً في مصر خلال السنة المالية 2021-2022، إذ بلغت قيمة استثماراتها وقتذاك نحو 8,5 مليارات دولار. ويُقدَّر حجم التبادل التجاري بين البلدين بأكثر من 33 مليار دولار خلال عامي 2022 و2023، وفق وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح.

احتلت السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية في قيمة تحويلات المصريين العاملين فيها خلال السنة المالية 2022-2023، والذين يصل عددهم الى ثلاثة ملايين شخص، إذ بلغت 8,3 مليارات دولار

وحلّت المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى بين الدول العربية لجهة قيمة وارداتها من مصر خلال عام 2023، إذ بلغت قيمة صادرات الجمهورية إلى المملكة 2,7 مليار دولار. كذلك تصدرت المملكة قائمة الدول المصدرة إلى مصر، إذ بلغت قيمة الواردات المصرية منها 5,2 مليارات دولار خلال العام نفسه. واحتلت السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية في قيمة تحويلات المصريين العاملين فيها الى مصر، خلال السنة المالية 2022-2023، والذين يصل عددهم الى ثلاثة ملايين شخص، إذ بلغت التحويلات 8,3 مليارات دولار.

أكثر من 6 آلاف شركة سعودية في مصر

تمثل العلاقات المصرية السعودية نموذجاً يُحتذَى به في التعاون العربي الوثيق، ولا سيما لما تتميز به من عمق استراتيجي وشراكة متينة ومصالح مشتركة. 

ويُقدر عدد الشركات السعودية العاملة في مصر بما يزيد على ستة آلاف و225 شركة، وتربط البلدين شراكات كبرى بين رجال الأعمال المصريين والسعوديين، بالإضافة إلى حضور صندوق الاستثمارات العامة السعودي في البورصة المصرية، حيث يتعامل بالعديد من الأسهم في قطاع الكيماويات والعقارات. وشهدت الآونة الأخيرة عقد العديد من الصفقات في الأسهم القيادية مثل البنك التجاري الدولي، و"شركة مصر لإنتاج الأسمدة" (موبكو).

أ.ف.ب.
مصنع النصر لفحم الكوك والكيماويات في حلوان، جنوب العاصمة المصرية، 2023.

ويُعَد القطاع الخاص السعودي من أكبر المستثمرين في مصر. وجاءت التحركات الأخيرة للدولة المصرية لتعزيز التعاون مع المملكة، متوافقة مع القرارات والإجراءات الحكومية الاقتصادية التي تهدف إلى جذب مزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية للاستثمار في مختلف المناطق بمصر. كذلك أطلقت الحكومة المصرية رسائل إيجابية في اتجاه مجتمع الأعمال من خلال حزمة من التسهيلات الضريبية كخطوة أولى لتحسين العلاقة بين المستثمرين ومصلحة الضرائب، والتزام تلبية احتياجات مجتمع الأعمال. وشملت هذه التسهيلات تسريع تجاوز العقبات الضريبية أمام الأنشطة الاقتصادية.

يُعَد برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء من أبرز برامج التعاون بين الحكومة والصندوق السعودي للتنمية، نظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة في مصر. وموّل 10 مشاريع في سيناء في قطاعات المياه، والتعليم والزراعة

تسعى الدولة المصرية باستمرار إلى تطوير البيئة الاستثمارية وإفساح المجال للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، مما يعزز حجم الاستثمارات. ويُعَد برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتنمية شبه جزيرة سيناء من أبرز برامج التعاون بين الحكومة والصندوق السعودي للتنمية، نظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة في مصر. وقام الصندوق بتمويل 10 مشاريع في سيناء في قطاعات المياه، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والتنمية الزراعية، والتجمعات السكنية. كذلك ساهم الصندوق في تمويل مشاريع أخرى مثل محطة المعالجة الثلاثية لمياه الصرف في مدينة المحسمة، وإنشاء صوامع تخزين الحبوب، وتطوير مستشفى قصر العيني. ويستمر الصندوق في تمويل مشاريع متعددة في مجالات الصحة، والتموين، والري، والكهرباء، والنقل، والطرق، والزراعة.

وتشمل مشاريع الصندوق الجاري تنفيذها في مصر، مشروع التجمعات السكنية وجامعة الملك سلمان الدولية (المرحلتان الأولى والثانية).

وتملك المملكة وديعة بقيمة 10 مليارات دولار داخل المصرف المركزي المصري، وتعتزم تحويلها إلى استثمارات متعددة. وتخطط المملكة لضخ استثمارات جديدة في مناطق سياحية مثل رأس بناس ورأس جميلة، تعزيزاً للعلاقات بين البلدين. وازداد الاهتمام أخيراً بالتحاق طلاب سعوديين بالجامعات المصرية، إذ يقبلون على كليات الطب، والهندسة، والتجارة، والحقوق، بالإضافة إلى الدراسات العليا مثل الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات. ومن المتوقع أن تستمر العلاقات بين البلدين في الازدهار، سواء لجهة الاستثمارات أو التعاون في المجالات كافة.

font change

مقالات ذات صلة