هذا هو العنوان الصغير للكتاب الأخير لعالم الإناسة دافيد لوبروتون الذي ظهر هذه السنة تحت عنوان: "أهي نهاية تجاذب أطراف الحديث؟" David LE BRETON, LA FIN DE LA CONVERSATION ? La parole dans une société spectrale,Paris. يسعى لوبروتون في هذا الكتيّب، كما يقول هو نفسه، إلى أن "يتتبع آثار محادثات تواجه التحدي، كي يفهم قيمتها الأنثروبولوجية والتهديدات التي تواجهها". وهو يتساءل: "كيف سيغدو العالم حينما يحل "تواصل تبادل المعلومات" محل "تجاذب أطراف الحديث"، وحين يهيمن "الاتصال" على الحوار والمحادثة، وحين يصبح الرابط الأساس مع الآخر يتم عن بعد دون وجود متبادل، اللهم إلا تجاور الأفراد، من غير أجساد، ولا حسية، ومن غير عاطفة، فليس إلا التشبه والمحاكاة؟".
أنماط الحوار
ينطلق المؤلف من تحديد عالم الاجتماع الفرنسي غبريال تارد لـ"تجاذب أطراف الحديث" بقوله إنه "حوار بلا فائدة مباشرة وفورية، حيث يتحدث المرء لمجرد التحدث، للمتعة، للتسلية، أو للمجاملة". وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الحوار يخضع لقواعد تتجلّى عادة في احترام دور الكلام، والاستماع المتبادل، وأخذ مسافة جسدية تتناسب مع درجة الألفة، وإصدار نغمات صوت مناسبة... وهو يعتمد مبدأ المساواة والتماثل والتبادل، وعدم الاهتمام بالتراتبيات الاجتماعية، حتى وإن لم يتم تجاهلها بالكامل. وهو تبادل لا يحتمل أي عدم لياقة أو انقطاع في الطقوس قد يضرّ بكرامة المحاور. كما أنه يستدعي اهتماما ودّيا يراعي حدا أدنى من اللياقة واحترام الآخر. بهذا المعنى، فالمؤلف لا يميز بين المحادثة، والحوار أو المناقشة. ما يهمه أساسا هو التمييز بين مختلف هذه الأشكال من "تجاذب أطراف الحديث" من جهة، وبين "التواصل"، أي بين الحضور المتبادل وجها لوجه، والتواصل عن بعد، دون جسد، دون حضور، دون وجه أو مع وجه على الشاشة.
المحادثة ليست عرْضا علميا، ولا يتم تقييمها على هذا الأساس، بل إنها أحيانا تكون مجرد محادثة "فارغة"، مجرد "دردشة" تتكون من بعض الأخبار عن حالة الطقس، أو عن الضرورة الصعبة للذهاب إلى العمل في الصباح الباكر، أو عن انتقال جار. إنها لا تُعلم شيئا جديدا، لا تنقل معلومات، لكنها تعيد نسج الروابط، وتؤكد للمتحاورين شعورهم بالحضور، وتنسج نوعا من الاعتراف المتبادل. فهي، حتى إن كانت لا تتجاوز "تفاهات" الحياة اليومية، تمنحها عمقا، فتقوي الثقة والشعور بعدم الوحدة، والإحساس بإمكان أن تكون مهما في نظر شخص غريب يتبادل معك بضع كلمات.