مر أكثر من مئة يوم منذ قرار حل مجلس الأمة وتشكيل مجلس الوزراء الحالي ويأمل الكويتيون رؤية تطورات واصلاحات بنيوية تعطلت خلال السنوات الماضية في ظل مماحكات مجلس الأمة ومجلس الوزراء.
هناك جهود واضحة من مجلس الوزراء لتجاوز التعطيل والمعوقات والبدء بإنجاز مشاريع متوقفة أو بطيئة في الإنجاز ومنها مشاريع حيوية مثل ميناء مبارك الكبير ومشروع المطار، كذلك هناك الشكوى من حال الطرق وعدم إصلاحها ويبدو أن الحكومة عقدت العزم على إصلاحها بأسرع وقت ممكن. وتقرر إنجاز مشروع ميناء مبارك الكبير بالتعاون مع شركات صينية ضمن إطار إتفاق التعاون بين البلدين الذي عقد في العام المنصرم. وقد زارت وفود فنية من الصين الموقع واتفقت مع المسؤولين الكويتيين على الخطوات العملية للتنفيذ. أيضا ، يبدو أن مسألة التعليم باتت بعد التعديل الوزاري الأخير تحظى بأهمية اثر تعيين الدكتور نادر الجلال وزيراً للتعليم العالي ووزيراً للتربية بالوكالة، الذي يتمتع بسمعة أكاديمية وإدارية طيبة، وهو أبدى بعد تعيينه اهتمامه بالارتقاء بجودة التعليم وتحسين مخرجاته والتوافق مع متطلبات سوق العمل الواقعية، وهذه مؤشرات إيجابية.
الإصلاح مسألة معقدة
الإصلاح البنيوي في الكويت مسألة معقدة تأثرت بنتاج النظام السياسي والخطاب الشعبوي الذي تبناه العديد من أعضاء مجلس الأمة السابقين، كما تأثرت بخضوع مجالس الوزراء المتعاقبة لإملاءات أولئك الأعضاء تفادياً للاستجواب والمساءلة غير المنضبطة التي تتسم بالتجني وعدم العدالة. الآن يمكن للمرء أن يزعم بأن مجلس الوزراء يملك سلطات مطلقة لتحقيق الطموحات التنموية التي طرحتها القيادة السياسية منذ تحرير البلاد من الاحتلال العراقي عام 1991.
تتحمل الدولة في الكويت دعم العديد من هذه الخدمات وتصل مخصصات الدعم في الموازنة الحالية 2024/ 2025 الى ما يزيد على 13 مليار دولار
يمكن تطبيق القوانين التي أقرت مثل قانون التخصيص 37 لسنة 2010 الهادف الى تحويل منشآت ومرافق مملوكة من الدولة إلى القطاع الخاص، ومنها مرافق الكهرباء وتقطير المياه والاتصالات الأرضية وشركة النقل العام وشركة الخطوط الجوية الكويتية وغيرها من منشآت ظلت مملوكة من الدولة مدى يزيد على 70 عاماً ودفع القطاع الخاص لملكيتها وإدارتها وتحقيق التنافس في قطاعاتها.
الكهرباء والمياه مخصخصة في الخليج
مثل هذه المرافق باتت مملوكة في غالبيتها من القطاع الخاص في دول الخليج الأخرى، وصارت خدماتها تسعر بأسعار قريبة من التكاليف الحقيقية، كما طبقت أنظمة الشرائح الاستهلاكية على عدد منها مثل الكهرباء والمياه. تتحمل الكويت حاليا دعم العديد من هذه الخدمات وتصل مخصصات الدعم في الموازنةالحالية 2024 / 2025 الى ما يزيد على أربعة مليارات دينار كويتي، 13 مليار دولار، كما أن رسوم هذه الخدمات لم تعدل أو ترفع منذ نهاية ستينات القرن الماضي!
يعول على وزيرة المالية الجديدة نورة الفصام، المشهود لها بالمهنية، لضبط إيقاع الانفاق العام والتعجيل في الإصلاح المالي والتخصيص
وشمل التعديل الأخير في مجلس الوزراء وزارة المالية حيث عينت في هذا المنصب نورة الفصام التي تأتي من القطاع المصرفي ويُشهد لها بالمهنية، ويمكن التعويل على دخولها مجلس الوزراء لضبط إيقاع الانفاق العام والتعجيل في الإصلاح المالي ودفع مجلس الوزراء لتطبيق قانون التخصيص. علما أن الإصلاح المالي ليس يسيراً حيث أن أهم بنود الإنفاق هو بند الرواتب والإجور ولا يمكن الاستغناء عن العدد الكبير من الموظفين والعاملين الكويتيين من دون إحداث ردود فعل سياسية أو اجتماعية.
البطالة المقنعة في القطاع العام
يبلغ عدد العاملين الكويتيين 457,567، يعمل 83.9 في المئة منهم في الحكومة ومؤسسات القطاع العام، في حين يعمل 16.1 في المئة منهم في القطاع الخاص. عندما يزور المرء أي وزارة أو مؤسسة حكومية يلاحظ العمالة غير المنتجة ومظاهر البطالة المقنعة.
ويتقاضى العاملون الكويتيون رواتب وأجورا مجزية بلغت مخصصاتها في الموازنة العامة 2024/2025 ما يربو على 14 مليار دينار، أي نحو 45.6 مليار دولار، تمثل 78.8 في المئة من الانفاق الحكومي العام خلال هذه السنة المالية. لا شك أن ترشيد هذا البند من الإنفاق لن يتحقق من دون تبني مشروع تخصيص شامل، بما يدفع إلى توظيف العاملين، أو نسبة كبيرة منهم، في مؤسسات القطاع الخاص.
يتطلب الأمر فلسفة أو نهجا اقتصاديا يختلف عن سياسات الريع ويعزز التوجهات الإنمائية والارتقاء بالقدرة على تنويع القاعدة الاقتصادية ودعم الخزينة العامة بموارد أخرى غير نفطية ومنها الضرائب وإيرادات الاستثمار. تمثل هذه المسألة تحدياً حقيقياً لمجلس الوزراء في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، وهي تحدد في الوقت نفسه كيف يمكن لهذا المجلس أن ينجز في غياب مجلس الأمة.
تتطلب الانجازات الحكومية المطلوبة الشجاعة، والقدرة على التنفيذ في كل القطاعات والمرافق، ولا سيما معالجة مظاهر البطالة المقنعة، وخفض أعداد العاملين الكويتيين في القطاع العام
ويتوقع المجتمع الكويتي تحقيق المزيد من الإنجازات، وتمارس المداخلات على وسائل التواصل الاجتماعي الضغوط على الإدارة السياسية لتحقيق ما يمكن من إنجازات. لكن الكثير من المواطنين يظلون يرغبون في تحسين مداخيلهم ، سواء أكانوا عاملين أم متقاعدين، ويلحون في مطالبهم زاعمين بأن موجة الغلاء التي مرت بالبلاد والعالم خلال الأعوام الثلاثة الماضية دفعت مستوياتهم المعيشية إلى الوراء. ربما هناك مطالبات مشروعة من شرائح اجتماعية محددة، لكن الغلاء أصبح متراجعاً في الكويت والعالم، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل التضخم في الكويت خلال السنة الجارية إلى 3.2 في المئة. المطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية من أهم الشعارات السياسية الشعبوية التي كان تبناها أعضاء في مجلس الأمة، ولذلك فإن التعامل مع المسألة بكياسة وموضوعية مطلوب من مجلس الوزراء.
الشجاعة للتعامل مع الانتقادات
غني عن البيان أن مجلس الوزراء سيظل يواجه انتقادات من قبل العديد من النشطاء السياسيين، ويتطلب الأمر التعامل بمهنية مع هذه الانتقادات، وتوفير كوادر متخصصة لمواجهتها. بيد أن إمكانات مجلس الوزراء لإنجاز المشاريع وتنفيذ البرامج تظل أفضل في الوقت الحاضر وتتطلب الشجاعة في التعامل والقدرة على إبراز خطوات الإنجاز في كل القطاعات والمرافق.