تبدو العلاقة بين الأدب والفن علاقة جدلية طويلة من التأثّر المتبادل الذي يحمّل فيه كل من الطرفين الآخر الفضل في الانتشار والديمومة، ولا شك أن ظهور السينما العربية في ثلاثينات القرن الماضي سحب البساط إلى حدّ ما من جمهور الأدب والرواية، ولكن ذلك الأمر سرعان ما تحول إلى جدال بين الوسائط المختلفة مما أضاف سلبا وإيجابا في تلقي القراء للعمل الروائي، سواء كان ذلك من خلال الكتابة نفسها، حيث يستعين الكتّاب أحيانا بعدد من التقنيات السينمائية في كتابة أعمالهم ورسم مشاهدها للقراء، أو حتى في اقتباس الأعمال الروائية وتحويلها الى أفلام سينمائية تحوز انتشارا أكبر ويكتب لها تاريخ جديد وتلقّ مختلف.
منذ وقت مبكر ثار جدال طويل بين الأدباء حول أهمية ذلك الوسيط الجديد ودوره وما يمكن أن يكون من آثاره في المجتمع، ففي كتابه "الفن والأدب" (1952) يرصد الأديب الكبير توفيق الحكيم تلك العلاقة الملتبسة بين عالم الأدب وعالم السينما، ويحدد عددا من الفروق الواضحة بينهما، فيقول:
"إنَّ الكاتب الحقَّ لا يمكن أن يلذَّ له تأليفُ سيناريو للسينما، ذلك أنَّ السينما تُخضع كلَّ شيء لإرادة المُخرِج، فمُخرِج السينما هو المنسِّق لكلِّ شيء. هو العملاق الذي يطبع العملَ كلَّه بطابعه... فما صانع السيناريو، وما واضع الحوار، وما مهندس المناظر والصوت، وما المصوِّرون والممثِّلون ... إلخ، سوى عناصرَ متفرِّقة وأجزاء أشتاتٍ، والمُخرِج جامعُها ومُوحِّدها وموجِّهها إلى حيث يصبُّها في القالب الذي يريد! ... مثله مثلُ الكاتب الأديب في ميدانه، فالكاتب الحقيقيُّ هو أيضا ذلك الذي يُخضع كلُّ شيءٍ لمشيئته".
هكذا بدا الوعي واضحا منذ تلك الفترة المبكرة للفرق بين السينما والرواية، ولكن بقيت المقارنات والتفضيلات قائمة بين جمهور المتفرجين والقراء والنقاد على حدٍ سواء، ورغم تأكيد عدد من مخرجي السينما وكتّاب السيناريو أيضا أن ما يشاهده المتفرج في الفيلم السينمائي يجب أن يختلف في التناول والمعالجة عن النص الروائي المكتوب، إلا أن ذلك الجدال لم يتوقف.