محزن وأليم، ثقيل ومخيف، هو العيش في لبنان. وكذلك هو تتبع صدمات حوادثه اليومية المروعة والباعثة على التيه والضياع والدوار. إنه عيش إلى جانب أنقاض الحياة والتحديق في صورها، بل وسط الأنقاض والردم والركام.
فما إن ظهر أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله ظهوره التلفزيوني الأخير مساء 19 سبتمبر/أيلول الجاري، 2024، حتى أغار طيران إسرائيل الحربي عشرات المرت على جنوب لبنان، فقصف فيه أهدافا كثيرة قصفا كثيفا ودقيقا غير مسبوق، وخرق جدار الصوت ترويعا لسكان العاصمة بيروت.
فبدا أن إسرائيل بهذا، وبإرادتها الفولاذية، والمدمرة بدقة، صمّاء باردة كالجليد، تريد مواكبة ظهور أمين عام، أو زعيم "حرب إسناد" غزة، ومواكبة كلمته ومخاطبته على نحو آني ومباشر. وكذلك كي لا تتركه كعادته يتكلم بطلاقته المعهودة، و"يسلطن" وحده على موجات الأثير الرمادي وأفقه الكئيب، بل الحجري، في لبنان كله منذ سنوات كثيرة طواها، ويطويها في كل يوم وساعة، نسيانٌ قاحل ومميت.
وهو أفق أشد كآبة في قتامته الرصاصية القصديرية الحارقة في عشرات البلدات والقرى الجنوبية الحدودية اللبنانية، تلك التي شرعت إسرائيل في تدميرها ردا على "حرب الإسناد" إياها، والتي أعلنها الأمين العام نفسه منذ سنة تقريبا. وكان سماها سابقا "حرب مشاغلة". فيا لها من بلاغة تلك التي لا تعبأ بحياة البشر الذين تشاغل بهم عدوا وتلهيه!
بدا أن إسرائيل بغاراتها الجوية المكثفة، وبإرادتها الفولاذية والمدمرة بدقة صمّاء باردة كالجليد، تريد مواكبة ظهور أمين عام، أو زعيم "حرب إسناد" غزة
وها قد اكتمل "الإسناد" واكتملت "المشاغلة" في تلك القرى والبلدات بتدميرها الكامل، وبتهجير أهلها جميعا بصمت حجري. صمت بلا صوت ولا صورة واحدة. وهذا على خلاف ما حدث في غزة التي هزَّ تدميرُها وإبادةُ شطر كبير من أهلها العالمَ كله، لكن سدى على الأرجح. فيا لها من مأساة.
وقد يكون الصمتُ أو كتمان الألم مفروضا فرضَ واجب عقائدي وديني أخروي على أهل قرى الجنوب اللبناني المغيبين والمشردين. فلا يحق لهم ولا يليق بهم الأنين ولا رفع صوتهم وسط أنقاض حياتهم، ردمها وركامها، إلا من أجل التسبيح لذلك الاسم المقدس وعبادته على الردم والأنقاض والركام. فقط لأنه يقول لهم إنهم "أشرف الناس" وسط حقول القتل. وكأنما حياتهم الدنيوية لا تعنينهم ولا تعني أحدا. وكذلك رميهم وارتماؤهم في البؤس والعراء والشتات، بعدما اكتمل أيضا حرقُ أرض قراهم وبلداتهم وغلافها النباتي، وتحويلها صحراء مقفرة.
قد يكون الصمتُ أو كتمان الألم واجبا عقائديا ودينيا أخرويا على أهل قرى الجنوب اللبناني المغيبين والمشردين. فلا يحق لهم ولا يليق بهم الأنين ولا رفع صوتهم وسط أنقاض حياتهم
خلط الحياة بالموت.. وتذكيرٌ بشريط القتل
وفي إطلالته التلفزيونية، استعاد نصرالله لغتَهُ التي شبّ عليها منذ عقود وشاب. وهي لغة حزبه والصور الطقوسيه الشعائرية المعتادة. تلك التي تلغي عالم الواقع وحسّ الواقع وتمحوهما، وتستغرق في خلط أشباح الحياة وظلالها الخاوية بالموت خلطا احتفاليا سائلا وحارا ودائما، بلا حدود ولا تمييز. مثل الصور التي يبثها للحياة والحرب والموت "حزبُ الله" على شاشة محطته التلفزيونية "المنار"، منذ عقود.
لكن كلمة نصرالله الأخيرة جاءت متقشفة، فخلتْ خلوا تاما من نبرة ما كان قد سماه "زمن الانتصارات" في خطابته المرسلة أمام جماعته التي أقنعها- منذ ما بعد حرب يوليو/تموز 2006- أنها انتصرت ذلك "الانتصار الإلهي" المدمر. وهو كان، في وجهه الغالب، انتصارا صلِفا على الجماعات اللبنانية الأخرى كلها. وعلى كل فرد رفع ويرفع صوته المستقل والحر في جماعة ومجتمع "حزب الله"، بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005.
ومن ثم استُكملت عمليات الاغتيال وترويع السياسيين حتى عام 2013، ثأرا من انتفاضة الاستقلال اللبنانية التي أطلقها اغتيال الحريري. لكن الاغتيالات استؤنفت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، باغتيال لقمان سليم وسواه سنة 2021.
وقد يكون هناك شيء من الشبه بين الاغتيال والترويع في لبنان تلك السنوات، وبين ما حصل على نطاق أوسع وأشرس وأشد دموية بكثير في عراق "الحشد الشعبي"، وحصد أكثر من 600 من شباب العراق المطالبين بالحرية والعدالة في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019-2020.
صور من كوكب بعيد
وكانت إطلالة نصرالله وكلمته الأخيرة قد أعقبتا مشهديات مواكب "شهداء" حزبه الذين قتلتهم إسرائيل في النهار السابق (18 سبتمبر/أيلول الجاري). واستغرقت تلك المشهديات ومواكبها النهار كله، موزَّعة على مناطق وبلدات وقرى لبنانية عدة، جنوبية في معظمها.
لكن تلك المواكب المشهدية لا تكتمل وتبلغ غايتها، إلا إذا نقلت الشاشات التلفزيونية صورها التي تخلط الحياة بالموت/ القتل/الاستشهاد، شأن ظهورات نصرالله التلفزيونية. فيا لقسوة هذه الحياة شبه الجحيمية في لبنان اليوم.
الحياة الجحيمية في الواقع الحي الذي تبث صوره محطات التلفزة. وهي الصور التي أدمن على التهامها أهلُ كل بيت، جالسين أمام الشاشات، منتظرين خائفين خوفا كابوسيا من أن تصبح بيوتهم وحياتهم فجأة ركاما جحيميا، كذاك الذي تنقله الصور التي لا يبعد مسرحها المرعب عنهم سوى مسافات قليلة.
لكن مدمني مشاهدة تلك الصور غالبا ما يتصرفون كما لو أنها ليست في بلادهم ولبلادهم، بل هي تصلهم من كوكب آخر. وقد تكون هذه المسافة الكوكبية الموهومة، صنيعة بقايا غريزة الحياة الضئيلة في صدور اللبنانيين. وهي بقايا أو ظلال حياة، بعدما رفع اليأس- الذي كرّسه "حزب الله" من بلادهم ومن العيش فيها- جدرانا عازلة بين جماعاتهم، وبين كل فرد منهم وآخر، وبين الشخص الواحد ونفسه.
وهذا كله على عكس ذلك الوعد/الوعي الاستشهادي الأخروي بنعيم الجنة، والذي رفع الحواجز بين الحياة والموت والحرب والرعب، وبسهولة خطابية وفعلية غير مسبوقة. فإذا بالسلام هو الحرب. وإذا بالحياة هي الموت، بل هو أرفع شأنا منها. وإذا بالأموات هم من يمنحون الحياة للأحياء، وتجري مخاطبتهم، بل عبادتهم، في الليل والنهار.
وكان "الشهداء" الذين أعقبت كلمةُ نصرالله المتلفزة مشاهدَ مواكبِهم، قد سقطوا في الموجة الثانية من العملية الأمنية الإسرائيلية الصاعقة والمروعة في النهار السابق. ويصرُّ حزبهم في بياناته المتتالية إصرارا لا يلين على أنهم "سعداء" في "زفِّه" إياهم و"ارتقائهم على طريق القدس".
وجاء ظهور نصرالله المرتقب، تعقيبا على عملية إسرائيل الأمنية الوحشية ضد حزبه في موجتيها المتتاليتين نهاري 17 و18 سبتمبر الجاري. لكنه لم يكن على جاري عادته في الكلام المرسل الصاخب في إثارة جمهوره المعتاد: الرسمي المزهو بحضرة "السيد"، و"الحزب" والشعبي المدرب على التجاوب معه هتافا وتلويحا بالقبضات، كلما تهدج صوته غضبا في كلامه الصاخب بثقته الفائضة بزمن "الوعد الصادق" الانتصاري، الذي أنهى "زمن الهزائم" في خطابة "حزب الله" السكرى ضمنا بهزائم عربية في التاريخ المعاصر.
غزة في الضاحية
لكن إطلالة نصرالله وكلمته الأخيرة انطوتا على شيء من الوحشة. فقد ظهر منقبضا، ممسكا عن الاسترسال الحماسي. ومقتضِبا في شرح ما اعتبره ملابسات العملية الإسرائيلية ونتائجها، وفي إعلان ما هو فاعلٌ بعدها ردا عليها. وقد أقر أنها "قاسية" و"كبيرة"، وهدفها "ضرب البنية وضرب البيئة الحاضنة لحزبه". وأقر أيضا أن "الإسرائيليين، في تفجيراتهم الواسعة، أرادوا أن يُخضعوا بيئة المقاومة ويجعلوها تسقط وتقول لقيادتها كفى"... لكن "هيهات منا الذلة"، التي قيلت هذه المرة بلا أي صدى.
ذلك أن نصرالله ظهر وتكلم دون جمهوره التلفزيوني في المرة الأخيرة. وهو الجمهور الذي كان يحتشد قبالة شاشات عملاقة، طروبا بصورة "السيد" التي هي عنده من المقدسات، ونُصُبُ الهوية وروحها المُجَسدة. وسرعان ما تكشّف لماذا ظهر الأمين العام بلا ذاك الجمهور المدرب الذي يمنح كلماته وحضوره الصدى.
إطلالة نصرالله وكلمته الأخيرة انطوتا على شيء من الوحشة. فقد ظهر منقبضا، ممسكا عن الاسترسال الحماسي
لا، ليس عن خوف على الناس من أذى حربي محتمل، بل محدق. وإلا لكان "حزب الله" قد عزف عن تشييع "شهدائه" في تلك المواكب المشهدية الحاشدة المعتادة، التي وقع في واحد منها نهار 17 سبتمبر، وفي ضاحية بيروت الجنوبية، انفجار جهاز اتصال يحمله أحد عناصر "الحزب".
وجمهور خطب نصرالله المتلفزة، كان يحتشد كثيفا في ما يسمى "مجمع القائم" بين الرويس وحي الأبيض في الضاحية إياها. وهو المجمع الذي قربَه قصفت طائرة حربية إسرائيلية، ما قيل إنه نفق أو سرداب تحت مبنى سكني، فدمرته بالكامل ظهيرة 20 سبتمبر الجاري. وقتلت فيه عشرات السكان المدنيين ممن يسمون "البيئة الحاضنة"، وربما المرغمين على أن يكونوا كذلك. وقتلت الطائرة إياها في نفق أو سرداب تحت المبنى 11 وربما 20 من قادة الصف الأول العسكري في "حزب الله". وقيل إنهم كانوا مجتمعين في النفق تحت المبنى السكني، وبينهم إبراهيم عقيل، خليفة القائد العسكري لـ"الحزب" فؤاد شكر، الذي كانت إسرائيل قد اغتالته قبل نحو شهر في بناية غير بعيدة من البناية التي تحولت ركاما فوق النفق.
وفجأة تحول المشهد حول "مجمع القائم" مشهدا من تلك المشاهد المروعة والمتكررة منذ نحو سنة في غزة المنكوبة بحرب إبادة أهلها، و"حماس" تحتهم في السراديب والأنفاق. وتحولت إلى هباء تلك الصورة البطولية الخارقة التي شيدها "حزب الله" على ركام حرب يوليو 2006.
الوحشية الإسرائيلية... سوابقها وأشباهها
وكانت العملية الإسرائيلية الصاعقة بموجتيها في 17 و18 سبتمبر الجاري، والتي استغرقت كل واحدة منهما دقائق معدودة، قد أوقعت أكثر من 30 قتيلا و3 آلاف جريح من جيش "حزب الله" السري، ومن العاملين في أجهزته ومؤسساته المدنية في مناطق سيطرته.
وقد بلغ توحش إسرائيل الأمني والعسكري والإنساني في عملية القتل التكنولوجي الصاعق والبارد الذي نفذته عن بُعد، حدّا تجاوز الواقع، ليضاهي روايات الخيال العلمي والسينمائي، والحرب البيولوجية. فقد فجّرت إلكترونيا أجهزةَ اتصالات "حزب الله" أينما وُجدت وأينما استعملها محازبوه بلا أي تمييز: أكانوا عسكريين أو مدنيين: في مواقع ومهام عسكرية سرية، أو وسط حشود جمهور حزبهم البشرية المشاركة في تشييع "شهدائه"، أو في بيوتهم بين أطفالهم ونسائهم وأهلهم، أو على دراجاتهم النارية وفي سياراتهم المتنقلين بها في الشوارع.
بلغ توحش إسرائيل الأمني والعسكري والإنساني في عملية القتل التكنولوجي الصاعق والبارد الذي نفذته عن بعد، حدّا تجاوز الواقع، ليضاهي روايات الخيال العلمي والسينمائي، والحرب البيولوجية
وقد يشبه هذا التوحش الإسرائيلي الدموي، البارد برودا بيروقراطيا، حادثتين متباعدتين زمنا ووقعا ومعطيات وعوامل وظروفا تاريخية، على الرغم من الوشائج المتناقضة التي قد تجمع بين الحادثتين:
عمليات الإبادة/المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية
وما يبعث هنا على تشبيه وجه من وجوه المحرقة اليهودية بعملية إسرائيل الصاعقة ضد "حزب الله"، إنما هو استعمال أجهزة الدولة العبرية، الأمنية والعسكرية، أقصى مبتكراتها الأمنية التكنولوجية، ببرود وظائفي بيروقراطي في القتل بلا تمييز، والذي كان لابس قتل اليهود في المحرقة.
وبغية التكفير عنها لاحقا في الثقافة الغربية، وخصوصا في ألمانيا، صِيغت المحرقة/الإبادة الجماعية لليهود على نحو جعلها حدثا استثنائيا، وشبيها بـ"خطيئة أصلية". وبذلك أُخرِجت المحرقة من التاريخ الحدثي والتاريخ الاجتماعي الوضعي، أو رُفِعت فوقهما، لتصير أقرب إلى أسطورة أو تابو (محرّم) ديني.
وهذا ربما هو ما جعل ويجعل أفعال الناجين من المحرقة وأحفادهم، خارج التاريخ والحساب التاريخي، في نظر المكفرين عن تلك الخطيئة الأصلية.
عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها "حماس" من غزة انتقاما وثأرا من إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن هذه العملية، في فوضويتها المهرجانية الدموية الثأرية والانتقامية الحماسية، تشبه منظمة "حماس" وشطرا واسعا من حياة أهل غزة وعمرانها واجتماع شعبها الذي ساهمت إسرائيل في صنعه مساهمة أساسية. لكن عملية "طوفان الأقصى" لا تشبه المحرقة النازية في أي من عناصرها وأفعالها وصورها.
وأصابت العملية إسرائيلَ الدولة والجيش والمجتمع بذهول وشلل صاعقين استمرا ساعات معدودة، وجيّشا دول العالم الغربي التي هبت لنجدة أحفاد المحرقة وإخراج دولتهم ومجتمهم وجيشهم من صعقة الذهول والشلل. وهناك أيضا مصدر آخر لذلك التجييش ولنجدة إسرائيل: أفعال الإرهاب الإسلاموي وصوره في البلدان والثقافة والسياسات الغربية، التي تعميها "خطيئة" المحرقة "الأصلية" عن التبصر في أفعال أحفاد المحرقة بالشعب الفلسطيني، الذي أطلقت إسرائيل عليه وعلى "حماس" في غزة حربا وصفتها محكمة العدل الدولية بـ"الإبادة".
"حزب الله" في العزلة والتيه
و"حزب الله" بدوره وليد حوادث تاريخية متدافعة في لبنان والمشرق العربي الحديث والقريب العهد زمنيا. لكن تلك الحوادث جرى تزويجها بواقعة هامشية قديمة من حوادث التاريخ الإسلامي القديم. وذلك بعد صناعتها (الواقعة الهامشية) صناعة جديدة، ورفعها إلى مرتبةٍ أسطورية من أجل التكفير عنها، بوصفها "خطيئة أصلية"، أي فوق التاريخ والواقع وبعدهما.
ولم يجد "الحزب" إياه من ردٍّ على الضربة الأمنية الصاعقة التي تلقاها من إسرائيل في 17 و18 سبتمبر الجاري، سوى مشهديات حشوده الطقوسية المعتادة التي أحياها لتلقي "التبريك بشهدائه السعداء". هذا فيما كانت مستشفيات لبنان تغص بألوف من الجرحى جراء العملية الإسرائيلية الوحشية.
وفي مقابل استعمال إسرائيل أقصى مبتكراتها الأمنية التكنولوجية واختبارها بذاك البرود الوظائفي البيروقراطي الجليدي، عمد "حزب الله" المصعوق والمشلول حيال تلك المبتكرات الوحشية القاتلة، إلى استخدام تقنيات تحشيده البشري الطقوسي، بلغته وحركاته الجسمانية ومواكبه الاستشهادية. وقد حشد "الحزب" جمهوره من حوله في تلك المواكب من شمال لبنان إلى جنوبه مرورا بضاحية بيروت الجنوبية، كي يدفع عنه وعن الجمهور نفسه ذينك الرعب والترويع غير المسبوقين، جراء عمليات القتل الجماعي المفاجئة التي حصدتهم وميزتهم وكشفتهم فردا فردا في كل مكان.
ذلك أن الضربتين الإسرائيليتين المتتاليتين، أشعرتا "حزب الله" وجمهوره بالانكشاف والعري والذعر والتيه والعزلة. كأنما طوفانا جارفا يترصدهما وضربهما وحدهما، فردا فردا من دون سواهم من الجماعات في لبنان. بل وصولا إلى سوريا التي كان جيش "حزب الله" قد استباحها أيام فائض قوته وأمجاده التي أنهكت لبنان وجماعاته وأخضعتهما لسلطانه الأمني والعسكري. وهو لا يزال يستبيح الديار السورية وينكّل بأهلها نصرة لبقايا نظامها الديكتاتوري.
والأرجح أن إسرائيل منذ استباحة "حزب الله" سوريا، أعدّت العدّة لأيامه الآتية، والتي أزف موعدها بذريعة تورطه في ما سماه حرب "مشاغلة" إسرائيل في حرب الإبادة التي شنّتها على أهالي غزة، ثأرا من عملية "حماس" الثأرية "طوفان الأقصى".
فيا لتعاسة العيش في لبنان إلى جانب أنقاض الحياة والتحديق في صورها، بل العيش وسط الأنقاض والردم والركام.