ما إن دخل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان القاعة التي يعقد فيها مجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية اجتماعه، حتى خرج وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والوفد المرافق له احتجاجا على ذلك.
حدث ذلك في القاهرة في 10 سبتمبر/أيلول 2024، حيث دعيت تركيا للمشاركة في اجتماع جامعة الدول العربية، لأول مرة منذ 13 عاما. ومع أن سوريا لم تعترض على قرار جامعة الدول العربية بتوجيه دعوة لتركيا، ربما بناء على طلب مصر بصفتها الدولة المضيفة ودول أعضاء رئيسة أخرى، فإن سوريا عبرت عن احتجاجها بهذه الطريقة فأضافت بذلك مزيدا من الإرباك إلى عملية التطبيع بين تركيا وسوريا.
السؤال الآن هو: هل هناك عملية تطبيع بين تركيا وسوريا؟ وإذا كانت، فكيف ستحدث؟
في نهاية شهر أغسطس/آب، أعلن الرئيس بشار الأسد عند افتتاحه الدورة التشريعية الرابعة لمجلس الشعب في دمشق، أنه على الرغم من شكوكه تجاه تركيا، فإنه سيؤيد مبادرات المصالحة التي قدمتها روسيا وإيران والعراق.
وقد نُظر إلى تصريح الأسد على أنه تأكيد على استعداده للتعامل مع تركيا، دون شروط مسبقة، إنما بأهداف محددة تشمل "انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الإرهاب".
وسواء سمينا هذه العملية، تقاربا أو تطبيعا أو سلاما أو أي شيء آخر، فإن هذه العملية التي بدأت عام 2017 لا تزال مستمرة.
كان أردوغان قد لاحظ، بعدما استعادت قوات الأسد، بدعم من روسيا وإيران، مدينة حلب نهاية عام 2016، أن المعارضة لم تتمكن من الإطاحة بالأسد كما كان يأمل، فسعى إلى وضع سياسة جديدة تجاه سوريا. وقد كتب الجنرال ماكماستر، أحد مستشاري الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترمب، في مذكراته المنشورة مؤخرا، أن الرئيس أردوغان وصف الأسد خلال مكالمة هاتفية مع دونالد ترمب في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بأنه "الفائز الحتمي في الحرب الأهلية السورية".
تحولت سوريا إلى عبء على الرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، بوصفها أكثر إخفاقات السياسة الخارجية التركية حدة. وبات الناخبون الأتراك بما في ذلك المؤيدون، ينتقدون سياسات أردوغان بشدة، فكان لزاما عليه أن يتعامل مع هذه المشكلة.
فبادر جهاز الاستخبارات التركي بتعليمات من الرئيس أردوغان إلى فتح قناة مع الاستخبارات السورية وبدأت العملية. وفي مرحلة لاحقة، التقى وزيرا الدفاع ووزيرا خارجية البلدين، ولكن الرئيسين لم يلتقيا لعدة أسباب، في مقدمتها أن الحكومة التركية كانت متعجلة لتقديم شيء ملموس للناخبين الأتراك قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مايو/أيار 2023. غير أن المشاكل بين البلدين كانت كثيرة ولم تكن لها حلول، وتبين أن الوقت قصير للغاية. كما اعتقد الأسد أن أحزاب المعارضة سوف تفوز في الانتخابات ولم يرغب في إعطاء أردوغان ما قد يساهم في تعزيز فرص فوزه.