من "محور المقاومة" إلى "محور الذعر"

ردع وكلاء إيران في المنطقة

باربرا غبسون/المجلة
باربرا غبسون/المجلة

من "محور المقاومة" إلى "محور الذعر"

كان حجم الهجمات الأخيرة على أجهزة الاتصالات وتأثيرها على أفراد "حزب الله" في لبنان غير مسبوقَين، إذ لم يسبق لـ"حزب الله" أن شهد خرقا أمنيا بهذا الحجم. بيد أن هذه الهجمات لم تضرب "حزب الله" ضربة قوية فحسب، بل أثارت أيضا حالة من الذعر في جميع أنحاء شبكة وكلاء إيران في الشرق الأوسط. وتؤكد ردود أفعالهم على الوعي المتزايد بالثغرات التي يواجهونها. وبتزامن الهجمات مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهجوم "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، باتت الجماعات المدعومة من إيران تركز الآن على الحفاظ على الذات بدلا من إظهار القوة لدعم "حماس" تحت قيادة إيران.

ذعر متزايد

لعلّ الجماعات المدعومة من إيران كانت تخطط لإحياء الذكرى الأولى على الهجوم غير المسبوق على إسرائيل في عرض رمزي لإظهار التضامن مع "حماس". ولكن بعد الفوضى الناجمة عن هجمات أجهزة الاتصالات، ستحول هذه الجماعات على الأرجح مواردها إلى الداخل بدلا من ذلك العرض. ومن المنطقي أن يفكر وكلاء إيران في أنه إذا كان من الممكن اختراق "حزب الله"، وهو أهم أذرع طهران ومصدر فخرها، وكشفه، فلا ريب في أن الكيانات الأخرى في شبكة إيران الأقل قوة من "حزب الله" ستكون أكثر عرضة للخطر. وقد أدى هذا المنطق إلى تزايد الذعر بين الجماعات بشأن أمنها ومكانتها.

وقد كان الحوثيون في اليمن وعصائب أهل الحق في العراق من بين أولى الجماعات التي ردت بإصدار بيانات علنية لدعم "حزب الله" بعد هجوم جهاز النداء. ولكن حتى إظهار التضامن قد يخفي القلق بشأن ما إذا كانت إسرائيل تخطط لتوسيع نطاق أهدافها وما إذا كان عناصر الجماعات المدعومة من إيران يحملون في أيديهم آلات قتل خاملة قد تنشط في أي لحظة. وبعد الهجوم الثاني في لبنان الذي انفجرت فيه أجهزة لاسلكية، أصدرت الحكومة السورية أمرا طارئا لقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية بالتخلص من مثل هذه الأجهزة التي بحوزتها.

كما أثار سيناريو لبنان حالة من الذعر بشأن الخروقات الأمنية المحتملة في العراق، ولا سيما أن الولايات المتحدة استخدمت خلال فترة احتلالها للعراق الهواتف المحمولة لتتبع قادة الجماعات المدعومة من إيران مثل "عصائب أهل الحق" و"جيش المهدي" و"كتائب حزب الله" واستهدافهم. وبعد الهجوم الثاني في لبنان، بدأت الشائعات تنتشر حول انفجار أجهزة وقع في مقر قوات "الحشد الشعبي" في الموصل.

لا غرابة في أن يكون أعضاء في الجماعات المدعومة من إيران خارج "حزب الله" متورطين في شراء أجهزة الاتصالات المتفجرة كجزء من جهود "حزب الله" لإخفاء أنشطته

وعلى الرغم من تفنيد هذه الشائعات لاحقا، فلا يمكن التغاضي عن ظهورها خلال فترة من الانقسام السياسي العميق في العراق. فقد تدهورت الثقة بين الفصائل الشيعية العراقية بالفعل بعد الكشف عن شبكة تجسس مدعومة من إيران تعمل داخل مكتب رئيس الوزراء العراقي في بغداد، وتستهدف السياسيين الذين يعتبرهم حلفاء إيران العراقيون منافسين لهم. ولم تضف الأحداث في لبنان إلا المزيد من عدم الثقة القائم. وتتردد أصداء مخاوف مماثلة بشأن الأمن المهدد والخيانة الداخلية عبر مجموعات أخرى تابعة لإيران في المنطقة.

وبعيدا عن الخوف من التهديدات الأمنية الداخلية، ثمة أيضا مخاوف بشأن الكيفية التي قد تؤثر بها هذه الخروقات على العلاقات والثقة بين المجموعات المختلفة. ففيما يؤكد وكلاء إيران أنهم يشكلون جبهة متراصة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، نجد أنهم لم ينسقوا قط بشكل كامل ككيان حربي واحد، وإن يكن الدعم التكتيكي جزءا أساسيا من علاقتهم.

رويترز
مقاتلون في "حزب الله" في تشييع جنازة أحد قتلاهم

على سبيل المثال، تسهل بعض فصائل قوات "الحشد الشعبي" نقل الأموال الإيرانية إلى "حزب الله" و"حماس"، حيث يسافر الأعضاء العراقيون بشكل متكرر إلى بيروت بحقائب نقود من طهران. وفي بعض الأحيان، ساعدت هذه الفصائل "حزب الله" أيضا في الحصول على المعدات من خلال العمل كجزء من سلسلة التوريد العالمية التي تشتري البضائع وتسلمها له. فلا غرابة إذن في أن يكون أعضاء في الجماعات المدعومة من إيران خارج "حزب الله" متورطين في شراء أجهزة الاتصالات المتفجرة كجزء من جهود "حزب الله" لإخفاء أنشطته. وذلك سبب في أن تلقي الهجمات في لبنان بظلال من الشك على موثوقية التعاون بين المجموعات. 

تشابك وكلاء إيران

كان ينبغي لإيران ووكلائها أن يدركوا الخطر القادم أبكر من ذلك، فغالبا ما تتباهى إيران بما تملكه من نفوذ في المنطقة بسبب اتساع التوزع الجغرافي لوكلائها. ومع ذلك، كلما توسعت شبكة إيران، زاد تعرضها للاختراق. وبالفعل كان "حزب الله" يحافظ على قبضة محكمة على عضويته لسنوات، قبل ظهور قوات "الحشد الشعبي" والحوثيين.

ولكن مع تشكيل هذه المجموعات، إلى جانب عدد لا يحصى من الجماعات الشيعية التي ظهرت في سوريا طوال مسار الصراع السوري، كلفت إيران "حزب الله"، باعتباره الأقدم والأكثر خبرة من بين المجموعات، ببناء قدرات هؤلاء الوافدين الجدد ومواصلة توجيههم. وفي حين دعم "الحرس الثوري" الإيراني "حزب الله" في هذه المهمة، فقد تراجعت رقابة "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" على مر السنين مع تضاعف عدد المتدربين. وكانت النتيجة أن عددا من الأشخاص من داخل تلك المجموعات المدعومة من إيران تمكنوا من العمل كعملاء سريين لإسرائيل أو الولايات المتحدة دون أن يتم اكتشافهم بسهولة.

لا يبدي "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" أي تسامح مطلقا تجاه المعارضة الداخلية، حيث لم يتردد "الحرس الثوري" الإيراني في القضاء على أي عضو من وكلائه الذين لم يلتزموا بخطه بغض النظر عن أقدميتهم، وكثيرا ما أكد "حزب الله" أنه يعاقب بشدة أولئك الذين يكتشف أنهم يخونونه. لكن هذا لم يحمِ المجموعات بالكامل من وجود المتسللين. وتشير أجهزة الاتصال المتفجرة إلى إمكان وجود متسللين على مستوى عالٍ سهّلوا اعتراض سلسلة توريد الأجهزة.

بدلا من التخطيط للاحتفال بذكرى السابع من أكتوبر، سوف ينشغل وكلاء إيران الآن بإعادة تقييم الحوادث التي جرت والتحقيق في خروقات أمنية محتملة

لقد كان "الحرس الثوري" الإيراني ووكلاء إيران يتعاملون مع عدد كبير من المستفيدين الذين تورطوا في الصراع السوري وفي سياق القتال ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" الإرهابي في كل من سوريا والعراق. انخرطت إيران ووكلاؤها مع هؤلاء المستفيدين لأنهم كانوا يخدمونهم في توريد الأموال من خلال التهريب وغيره من الأنشطة غير المشروعة كتجارة المخدرات مثل الكبتاغون.

وفي حين كان بعض هؤلاء المستفيدين أفرادا يبحثون فقط عن الربح، كان آخرون مرتبطين بمؤسسات الدولة في سوريا والعراق، بمن في ذلك مسؤولو الجمارك وأعضاء القوات المسلحة السورية، ولا سيما الفرقة الرابعة. وعلى عكس أعضاء "حزب الله" و"الحرس الثوري" الإيراني المنضبطين للغاية، غالبا ما يفتقر هؤلاء المستفيدون إلى التدابير الأمنية الصارمة، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليهم دائما، حتى تجاه الجهات التي يتعاملون معها.

ومع ازدياد تورط إيران و"حزب الله" في سوريا، وجدا نفسيهما متورطَين بشكل متزايد في عمليات هؤلاء المستغلين الذين عملوا أحيانا كوسطاء في الحصول على السلع الأجنبية، بيد أن السلع والوسطاء أنفسهم لم يكونوا جديرين بالثقة دائما. ففي أواخر مايو/أيار 2024، كشف تحقيق أجرته قناة تلفزيون "سوريا" المعارضة عن العثور على أجهزة تجسس في شحنات الألواح الشمسية التي دخلت سوريا عبر ميناء اللاذقية والحدود البرية بين لبنان وسوريا. وقد سهلت الفرقة الرابعة من الجيش السوري، إلى جانب أحد أقارب الرئيس بشار الأسد، عملية الشراء. وكانت أجهزة التجسس هذه مرتبطة بإسرائيل وكانت تهدف إلى مراقبة "الحرس الثوري" الإيراني ووكلاء إيران في سوريا.

وهكذا، بدلا من التخطيط للاحتفال بذكرى السابع من أكتوبر، سوف ينشغل وكلاء إيران الآن بإعادة تقييم الحوادث التي جرت والتحقيق في خروقات أمنية محتملة. إن اكتشاف تعرض أجهزة الاتصالات التابعة لـ"حزب الله" للاختراق سيترك تأثيرا متتابعا يحد من قدرة وكلاء إيران على العمل والتنسيق. وبالتالي فإن العملية السرية التي تنفذها إسرائيل في لبنان تعمل كرادع لجميع المجموعات في شبكة وكلاء إيران، والتي تحولت من "محور المقاومة" إلى محور الذعر.

font change

مقالات ذات صلة