الجولات الانتخابية الأخيرة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا، أضفت المزيد من الارتباك على الأسلوب التقليدي في فرز القوى السياسية بين يمين ويسار، في الوقت الذي تدخل فيه مصطلحات جديدة مجال التداول الإعلامي اليومي، على غرار "الشعبوية"، و"اليمين المتطرف"، و"اليسار الهوياتي"...
تضارب تعريفات القوى السياسية واتجاهاتها الفكرية وتمثيلها لشرائح اجتماعية محددة، تفاقم في الأعوام القليلة الماضية في أوروبا بعدما كان شائعا في بلدان العالم الثالث، بحسب الرؤية المركزية الأوروبية. فقد استقر تقسيم الطيف السياسي في القارة العجوز وأميركا الشمالية إلى يمين ويسار، ويحيط بهما وسطيون ومتطرفون. ونادرا ما ينكر السياسيون الأوروبيون الانتماء إلى واحد من هذه المعسكرات.
في المقابل، تشوب الفوضى معايير السياسة في بلدان الجنوب، حيث تبرز أكثر العوامل الطائفية والقبلية والجهوية والإثنية. لا يعني ذلك أن ليس من مضمون اجتماعي لهذه التعريفات، لكن في كثير من الأحيان تتحول الهوية إلى العنصر المحدد للسياسة. ولا يندر أن "تتعالى" أحزاب وقوى عن وضع نفسها في اليمين أو اليسار، وتبدي احتقارها لهذا النوع من فهم السياسة.
قبل محاولة إعادة تعريف التيارات السياسية التي تحتل المشهد اليوم، لا بأس من التذكير بأن مصطلحي "اليمين" و"اليسار" ظهرا في فرنسا أثناء الثورة التي بدأت في 1789. وقد انقسم المندوبون إلى الجمعية التشريعية سنة 1791 إلى مجموعات، حيث جلس أنصار النظام القديم والكنيسة إلى يمين منصة الرئاسة واختار المعتدلون الوسط، فيما وجد دعاة الاستمرار في الثورة وتمثيل الطبقات الأفقر وإلغاء الملكية يجلسون إلى اليسار. وغني عن البيان أن التقسيم المذكور لم يتبلور في جلسة واحدة بل على مدى سنوات شهد بعضها اختفاء التمثيل المباشر مثل سنوات عودة الملكية بعد انهيار حكم نابليون بونابرت.