الصناعات التحويلية قيمة مضافة أساسية للاقتصاد السعودي

توقعات بنمو القطاع 3.7 في المئة في 2024

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
مصنع للألمنيوم تابع لشركة معادن في منطقة رأس الخير الصناعية، شرق السعودية، 23 نوفمبر 2016.

الصناعات التحويلية قيمة مضافة أساسية للاقتصاد السعودي

منذ منتصف القرن العشرين صارت الصناعات التحويلية في أي دولة عنواناً للتقدم الاقتصادي. تمكنت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من تطوير القاعدة الصناعية المدنية، بعد تحررها من مفاهيم العسكرة والتوسع الأمبراطوري في البلدان الآسيوية.

وتعززت قدراتها التصديرية بحيث أصبح الاقتصاد الياباني اقتصاداً يعتمد على آليات التصدير للسلع والبضائع المصنعة "Export Oriented". لحقت باليابان كوريا الجنوبية بعد نهاية الحرب الكورية في مطلع خمسينات القرن الماضي.

تعد الصين اليوم، أهم الدول المصدرة للمنتجات المصنعة. لم تفلح روسيا خلال العهد السوفياتي أو بعد انهياره، سواء في حقبة يلستين أو حقبة بوتين، في تطوير قدراتها في الصناعات التحويلية المدنية وظلت تملك صناعات حربية لم تتمكن من استيعاب التطورات التقنية بشكل مفيد. غني عن البيان أن التحولات التقنية وتطورات الذكاء الصناعي قد غيرت بنية الصناعات التحويلية في العديد من البلدان الصناعية، المتقدمة والنامية، يضاف إلى ذلك أن هناك متغيرات في الطلب الاستهلاكي قد ساهمت في تطوير تلك الصناعات ودفعها للاعتماد بشكل كبير على العلوم والمعرفة بما أدى إلى متغيرات في عمليات التوظيف والاستخدام البشري والآلي..

يتوقع أن تكون القيمة المضافة للصناعات التحويلية 85 مليار دولار في عام 2024 ويقدر النمو في القطاع بـ 2.8 في المئة

بذلت السعودية منذ عقود جهوداً كبيرة لتطوير صناعاتها التحويلية، سواء تلك المعتمدة على النفط والغاز كمدخلات أولية أو غيرها من صناعات تحويلية غير نفطية. تمكنت البلاد من إقامة صناعات تعتني بالمنتجات الغذائية مثل الألبان والمشروبات بالإضافة إلى صناعة المنسوجات والأخشاب والأثاث. كذلك هناك صناعة الورق، ناهيك عن صناعة المواد الكيميائية، والصيدلانية ومنتجات المطاط واللدائن.

المراعي
في مصنع شركة "المراعي" السعودية للألبان.

تتوقع بيانات سعودية أن تكون القيمة المضافة للصناعات التحويلية 85 مليار دولار في عام 2024 ويقدر النمو في هذا النشاط خلال هذا العام بـ 2.8 في المئة. من جانب آخر فإن قيمة الإنتاج للصناعات التحويلية قد تتعدى 133 مليار دولار. قطاع الصناعات التحويلية غير النفطية أخذ في التوسع وهو قطاع يمتلك قيمة اقتصادية واجتماعية ويعمل على توظيف المواطنين المتدفقين إلى سوق العمل ويوفر لهم برامج للتدريب المهني. تبنت السعودية فلسفة اقتصادية تؤكد ضرورة الارتقاء بالمهارات المهنية للمواطنين ويمثل هذا القطاع مصدراً رئيساً لاكتساب المهارات والابداع والارتقاء بالقدرات المهنية.

صناعات الألبان

هناك صناعة تحويلية في السعودية برزت كنماذج متميزة في تخصصاتها الصناعية. فقد تمكنت صناعة الألبان من تحقيق مكانة مهمة في منطقة الخليج العربي وعززت صادراتها إلى مختلف دول المنطقة. قدر حجم سوق الألبان في المملكة بنحو 5.8 مليارات دولار في 2024 وهناك توقعات بأن يصل حجم الأعمال الى 7.1 مليارات دولار في عام 2029، ويقدر معدل النمو خلال الفترة 2024 – 2029 بنحو 3.9 في المئة سنوياً.

يقدر حجم سوق الألبان في المملكة بنحو 5.8 مليارات دولار في 2024 وهناك توقعات بأن يصل حجم الأعمال الى 7.1 مليارات دولار في عام 2029

يبلغ عدد الشركات المتخصصة في الألبان 12 شركة من أهمها شركة "المراعي" وشركة "دانون" وشركة "نادك" وشركة "نستلة" والشركة السعودية لمنتجات الألبان "سدافكو"، والشركة التعاونية للألبان الايرلندية وشركة "الصافي". وينتج عدد من هذه الشركات حليب البودرة "Formula " وأخرى تنتج الحليب الطازج.  

بعض هذه الشركات نتاج شراكة مع شركات أجنبية، ولذلك يعتمد المنتج على مواصفات المنتج في البلدان الأجنبية. قدر رئيس اللجنة الوطنية لمنتجي الألبان بمجلس الغرف السعودية أن إنتاج الشركات المعنية من الألبان ومشتقاتها بـ 7 ملايين ليتر يومياً. واستحوذت الشركات السعودية على أسواق دول الخليج حيث تصدر ما يربو على 30 في المئة من إنتاجها من الألبان ومشتقاتها إلى هذه البلدان وهي من جانب آخر تهيمن على 60 في المئة من حجم سوق الألبان في دول المنطقة.

تطوير القطاع الصناعي

منذ بداية عام 2019 بدأت السعودية تتخذ خطوات تؤسس لقيام صناعات تحويلية مواكبة لمتطلبات رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. برزت مئات المبادرات التي تهدف لتحقيق متطلبات التنمية الصناعية. تعمل المبادرات المشار إليها على جذب الاستثمارات الأجنبية وتمكين القطاع الصناعي من الاستفادة من تطورات التقنية الحديثة. تأسس الصندوق الصناعي برأسمال 105 مليارات ريال، نحو 28 مليار دولار. وضعت آليات للصندوق من أجل استقطاب رساميل محلية وأجنبية واستهدف 430 مليار دولار.

يتوقع أن يحقق قطاع الصناعات التحويلية السعودي معدل نمو 3.7 في المئة خلال السنة الجارية

"كابيتال ايكونوميكس"

كذلك هناك مجلس صناعي استشاري يعمل على تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الصناعية في البلاد. يهدف المخطط التنموي السعودي إلى تمكين القطاع الصناعي من تحقيق معدلات نمو عالية في الأنشطة غير النفطية. أيضا، لا بد من خلق فرص عمل لا تقل عن 250 ألف فرصة عمل. أكدت الخطة أهمية أن يعزز القطاع امكاناته لرفع حجم وقيمة الصادرات غير النفطية خلال السنوات المقبلة بما يؤدي إلى تحقيق أهداف تنويع القاعدة الاقتصادية.

نتائج مبشرة

وكانت مؤسسة "كابيتال ايكونوميكس" Capital Economics أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية سينمو هذه السنة بنسبة 2.8 في المئة وربما يتسارع النمو إلى ما يتراوح من 3.6 إلى 4.8 في المئة خلال العامين المقبلين. لكن ما يثير الاهتمام في التوقعات أن قطاع الصناعات التحويلية قد يحقق معدل نمو قدره 3.7 في المئة خلال السنة الجارية. هذه التوقعات تؤكد أهمية تطوير النشاط الصناعي وتعزيز قدراته التصديرية. وتؤكد معدلات النمو في القطاعات غير النفطية في المملكة أن البلاد تسير بخطى حثيثة لتعزيز امكاناتها في مختلف الأنشطة وتحسن القدرة على التحرر من الاعتماد الكبير على قطاع النفط.  

لا شك أن الصناعات التحويلية تتطلب المزيد من الاستثمارات ودخول شركاء أجانب يملكون التكنولوجيا المتطورة التي تساهم في رفع قدرة مختلف الصناعات التحويلية وتفيدها في تحسين جودة المنتجات. كذلك لا بد من الارتقاء بكفاءة التسويق الخارجي لتمكين هذه الصناعات من تدبير منافذ لمنتجاتها. قد تكون البيانات المتعلقة بالصادرات غير النفطية مقبولة حيث تشير إلى تحقيق 454 مليار ريال أو 121 مليار دولار في عام 2023 لكن تظل هناك امكانات إنتاجية لرفع قيمة الصادرات من المنتجات غير النفطية.

تدل المؤشرات على تزايد إقبال السعوديات على العمل في القطاع الصناعي

تظل أهمية أخرى لقطاع الصناعات غير النفطية تتمثل في توظيف السعوديين حيث لا تزال أعداد العمالة الوافدة أكبر من أعداد العمالة الوطنية. يبين أطلس الأعمال الحكومي أن العاملين في الصناعات التحويلية يتوزعون بين ذكور وعددهم 1.1 مليون منهم 20.3 في المئة من السعوديين و 79.7 في المئة من العمالة الوافدة. كما أن عدد الإناث 139.2 ألف عاملة منهن 90.1 في المئة سعوديات و 9.9 في المئة من غير السعوديات، وتدل المؤشرات على تزايد إقبال السعوديات على العمل في القطاع الصناعي.

هناك ملاحظة تستحق الاهتمام، وهي أن التصنيف الوطني للأنشطة الاقتصادية يشير إلى وجود 86,012 منشأة، تبلغ منها نسبة المنشآت المتناهية الصغر 76.9 في المئة، وتعرف المنشأة المتناهية الصغر بالمنشأة التي لا يزيد عدد العاملين لديها على 5 أفراد. يعني ذلك أن الكثير من هذه المنشآت تمثل ورش صيانة أو أعمالا صناعية محدودة، بما يؤكد أهمية الاهتمام بالصناعات التي تعتمد على رساميل كبيرة والتي تستهدف توظيف أعداد كبيرة من العاملين المؤهلين مهنياً، ويعزز القدرات على توظيف العمالة الوطنية وتحسين العائدات من الصادرات غير النفطية.

font change

مقالات ذات صلة