منذ أن اغتالت إسرائيل القيادي في "حزب الله" عباس الموسوي عام 1992، يدور جدل في المجال العام حول "الحزب" وهل هو قادر على البقاء وتحمل فقدان كبار قادته. حيث قُتل عدد من هؤلاء القادة خلال هذه الفترة، غير أن "الحزب" يواصل بقاءه. ويرجع سبب ذلك إلى أن "الحزب" لا يعتمد في طريقة عمله على الشخصيات الفردية، بل يستند إلى هيكل تنظيمي مرن مدعوم من طهران.
وغالبا ما يربط مفهوم المرونة خطأً بالصلابة. إذ يرى هذا التصور الخاطئ أن الكيان المرن قادر على التمسك بترتيبه القائم في مواجهة الشدائد، بحيث يرتدّ دون تغير عند التغلب على التحديات. وبتطبيق هذا المفهوم الخاطئ على "حزب الله"، فإن عدم "التزعزع" هذا يعني احتفاظ "الحزب" بهيكله وطريقة إدارته لأنشطته كما هي، سواء حدثت الهجمات الإسرائيلية أو غيرها أم لم تحدث.
إلا أن التصور الأفضل للمرونة هو أن ننظر إليها على أنها القدرة على البقاء من خلال التكيف مع الظروف المتغيرة. وبنية "حزب الله" مرنة لأنها اعتمدت هذه المطاوعة. فالمرونة لا تسمح له بالتعافي من الانتكاسات فحسب، بل تعني أيضا أن "الحزب" بطبيعته يعمل بسيولة وسلاسة.
الرابطة الوثيقة
أظهر "حزب الله" من الناحية السياسية الكثير من السلاسة والسيولة طوال مسيرته. فقد غيّر موقفه من الدولة اللبنانية بدءا من نظرته إليها كدولة غير شرعية في الثمانينات، إلى تقديم نفسه كمدافع عن لبنان.
وانتقل من العمل خارج نظام الدولة بشكل صارم إلى أن يكون أعضاؤه نوابا ووزراء في الحكومة اللبنانية. ويشكل التطور السياسي لـ"حزب الله" عاملا مهماً ساهم في بقائه السياسي والعسكري.
وقد ترافق هذا التطور جنبا إلى جنب مع بيئة مواتية في الوسط السياسي اللبناني، إذ رأت بعض الأحزاب السياسية كـ"التيار الوطني الحر" أنها بتحالفها مع "حزب الله" تقتنص فرصة سياسية لصالحها، فأفضى ذلك بدوره إلى زيادة مكانة "حزب الله" السياسية. كما حقق "الحزب" بلجوئه إلى القوة مشاركة متزايدة في الشؤون السياسية في لبنان: فنشاطه في ترهيبه خصومه السياسيين وتعطيله انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية إميل لحود عام 2007، مهد الطريق أمام البيان الوزاري عام 2008، الذي منح "الحزب" شرعية رسمية بوصفه جزءا من إطار الدفاع عن لبنان.